نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا للصحافية رانيا الملكي، تقول فيه إن الحكومة
المصرية أقرت رسميا، في تحرك غير مسبوق، بمنع 21 موقعا على الشبكة العنكبوتية؛ بتهمة احتوائها على مواد "تؤيد الإرهاب والتطرف، بالإضافة إلى نشر أكاذيب".
وتقول الملكي في مقالها، الذي ترجمته "
عربي21"، إن "الفعل ذاته لم يشكل أي مفاجأة، حيث وجهت تهم مشابهة لعشرات الآلاف من الناشطين والناقدين، الذين يقبعون في السجون لأشهر، بل لسنوات، دون محاكمة".
وتستدرك الكاتبة قائلة إن "حقيقة أن تفتخر الحكومة باتخاذها إجراءات لقمع الإعلام تمثل تصعيدا مهما في الحرب التي تشنها هذه الديكتاتورية العسكرية ضد الصحافة، ولم يتم نشر القائمة كاملة، لكن ذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية بأن القائمة تتضمن (الجزيرة)، التي تملك العائلة القطرية المالكة جزءا منها".
وتشير الملكي إلى أنه "تم تخصيص (الجزيرة) عدوا للدولة المصرية منذ الإطاحة بالرئيس الوحيد المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي عام 2013، الذي دعمت قطر قيادته، وتضمن المنع مواقع (الشرق) و(مصر العربية) و(الشعب) و(عربي21) و(رصد) و(حماس أونلاين)".
وتلفت الكاتبة إلى أنه "في الوقت الذي لا يبرر فيه كون الموقع إسلاميا إغلاقه ما دام لا يدعو للعنف، إلا أن تلك المنشورات لم تكن الوحيدة المستهدفة، فمثلا تم منع (مدى مصر)، وهو موقع مستقل مسجل محليا، ينشر باللغتين العربية والإنجليزية، مع أنه ليس مرتبطا ولا متعاطفا مع جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، لكن موقفه الناقد العلماني اليساري ضد الإدارة الحالية".
وتذكر الملكي أن محررة الموقع لينا عطالله، لم تعط أي أمر إداري أو قضائي بمنع الموقع، وقالت لـ"رويترز" بأن "الحصار" يثبت نية واضحة لدى السلطات "بقمع الإعلام الناقد بطرق تتجاوز القانون".
وتعلق الكاتبة قائلة إنه "رغم أن ذلك صحيح جزئيا، إلا أن هناك استراتيجية أخبث يتم اتباعها منذ الانقلاب العسكري عام 2013، فخلال الأعوام القليلة الماضية عكفت الدولة على بناء شبكة من المصائد الإدارية والقانونية لاستخدامها في إسكات المعارضة، وتخويف الناقدين".
وتنوه الملكي إلى أن "الحكومة تستطيع أن تمنع قانونيا الوصول إلى مواقع بأمر من المدعي العام، أو قاض محقق، أو الرئيس، خلال حالة الطوارئ، كما أعلن في 9 نيسان/ أبريل، بعد الهجوم الشنيع الذي استهدف احتفالا في عيد الفصح للمسيحيين الأقباط".
وتستدرك الكاتبة بأن "حجب تلك المواقع لم يمنع من وقوع هجوم إرهابي آخر، استهدف حافلة تحمل أطفالا كانوا في طريقهم لزيارة دير، بعد أيام من حجبها، بالإضافة إلى أن المادة 29 من قانون مكافحة الإرهاب المثير للجدل، تنص على خمس سنوات سجن لأي شخص يقوم بـ(إنشاء اتصالات أو موقع إنترنت لتأييد الأفكار أو المعتقدات التي تشجع على ارتكاب أفعال إرهابية، أو لبث معلومات لخداع المخابرات، أو التأثير في مسار العدالة فيما يتعلق بجرائم الإرهاب)".
وتقول الملكي إن "مثل هذه اللغة المطاطة شكلت السمة المميزة لتعامل الحكومة المصرية اللاأخلاقي مع ناقديها، وكان هذا وضع اضطررت الى التعامل معه عندما كنت رئيسة تحرير، فبين عامي 2006 إلى 2012 كنت رئيسة تحرير (ديلي نيوز – مصر)، وكان سجل البلد البائس في مجال حرية الإعلام قصة الصفحة الأولى طيلة الوقت، وخلف الكواليس فإن (تناول الشاي) مع رئيس سلطة المراقبة أصبح جزءا من روتيني الدائم".
وتضيف الكاتبة: "كان ذلك في مرحلة ما يتطلب استقبال مكالمة هاتفية كل يوم الساعة الخامسة مساء من المسؤولة عن متابعتي، وكانت سيدة لطيفة، وظيفتها الاتصال بي، وأخذ عناوين الصفحة الرئيسة مني، وكانت تصدق ما أقول لها".
وتتابع الملكي: "خلال أشهر قلت الاتصالات، لكن تحذيرا من سلطات أعلى كان يعيد تلك المكالمات، ويعود الروتين اليومي ومعه كوب شاي، وتهديد بسحب الصحيفة من أكشاك الصحف، وهذا كان نذيرا بكارثة؛ لأن الصحيفة كانت تعتمد تماما على الإعلانات والاشتراكات، وإن سحبت الصحيفة فإنها ستخسر من الناحيتين".
وتبين الكاتبة أن "صحيفة (ديلي نيوز إيجيبت) كانت باللغة الإنجليزية، وكان توزيعها محدودا نسبيا، لكن رقصة الموت هذه كانت طقس مرور لوجود أي صحافة في مصر قبل عام 2011، إلا أن الأمر الجيد هو أنه كان لدينا موقع على الشبكة ومواقع التواصل، وكان الحراس لا يهتمون كثيرا بما يحصل في العالم الرقمي".
وتعلق الملكي قائلة: "نعم، كان من المزعج زيارة ضباط الأمن لمكتب الصحيفة، عندما كانوا يطلبون عناوين المراسلين، لكني الآن أستعيد الذاكرة، وأحزن على تلك الأيام الجميلة، فعلى الأقل كان هناك أسلوب لجنونهم، وكانت الخطوط الحمراء واضحة، وكنا نعرف متى يمكن تجاوزها، وكيف نتنقل في الغابة الرسمية، التي ليس لها هدف سوى حماية شخص واحد، هو وعائلته".
وتقول الكاتبة: "اليوم ليست هناك حدود، بل كما في رواية أورويل تقوم وزارة الحقيقة ببث الأكاذيب، حيث قلبت مصر عبد الفتاح
السيسي الحقيقة على رأسها، وأوجدت الظروف الملائمة للإرهاب، والتبرير لمحاربته، دون إعارة أي اهتمام للحقوق المدنية أو حقوق الإنسان".
وتضيف الملكي أن "هذا الأمر تفاقم إلى درجة أصبح لا يستغرب معها المصريون هذا التحرك، وربما يؤيدونه، وليس ذلك غريبا، فعندما سئل مسؤول كبير في الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات حول منع المواقع، فإنه قال علنا: (وماذا إن كان ذلك صحيحا؟ يجب ألا تكون هناك مشكلة)".
وتمضي الكاتبة إلى القول إن "سريالية المشهد، عندما وضع السيسي والملك سلمان وترامب أيديهم على الكرة المضيئة، إيذانا بإطلاق المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف، والكوميديا التراجيدية من ذلك المشهد، لا يدركهما إلا شخص يعلم علاقة هؤلاء الثلاثة بالإعلام، بل بأدوارهم الفريدة في إثارة التطرف".
وتجد الملكي أنه "لم يكن صدفة أن يكون إعلان القاهرة عن منع تلك المواقع، بعد أيام قليلة من ذلك الاجتماع".
وتخلص الكاتبة إلى القول إن "فكرة منع مواقع في هذا العصر تعكس جهلا منقطع النظير لرئيس بلد مغرور، لا يزال يعيش على أحلام العهد الناصري، وفكرة السيطرة على الأفكار، ففي أسوأ الأحوال يمكن لهذه المواقع نشر محتواها على (فيسبوك)، فمالم تجد مصر طريقا لمنع الإنترنت تماما، فإن مثل هذه التحركات لن يكون لها مفعول طويل".