تطرق معهد واشنطن للدراسات في تقرير مطول له إلى احتمالية اندلاع مواجهة عسكرية دولية في
البادية السورية.
وقال التقرير الذي كتبه " فابريس بالونش، أستاذ مشارك ومدير الأبحاث في "جامعة ليون "، إن الغارة الجوية الأمريكية التي شنتها الولايات المتحدة على معبر التنف الحدودي جنوبي
سوريا في 18 أيار/مايو [مستهدفة قوات موالية للنظام]، تشكل نقطة تحوّل في الحرب الدائرة في تلك البلاد.
وأضاف: "ويهدد الآن الوضع على الحدود بين العراق والأردن وسوريا قيام مواجهة مباشرة بين القوات الأمريكية والسورية، وربما الجهات الفاعلة الأخرى أيضا".
وبين أنه في أعقاب الضربة التي نُفذت في الأسبوع الثالث من أيار/ مايو الحالي، سارع وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس إلى التشديد على أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى زيادة دورها في الحرب، على الرغم من أنها ستدافع عن قواتها إذا ما تعرضت للتهديد. ومن ناحية أخرى، يرى بشار الأسد وحلفاؤه أن واشنطن تريد زيادة وجودها بشكل دائم في شرق سوريا، بهدف دعم حلفائها المحليين وتقويتهم، والضغط على دمشق، ومنع النظام من العودة إلى وادي الفرات.
وتحدث التقرير عن أن أولوية النظام المنخفضة حتى الآن في البادية، فمنذ عام 2011، تمّ التقليل تدريجيا من سيطرة الجيش السوري على البادية، بحيث أصبحت لا تتخطى عددا قليلا من طرق الاتصال الرئيسية والموارد الهيدروكربونية.
وأشار إلى أن حقل غاز الشاعر يعتبر ذا قيمة خاصة على صعيد توليد الكهرباء، ولذلك وضعه النظام في عهدة مليشيا "صقور الصحراء" التي أسسها رجل الأعمال العلوي المقرب من الأسد أيمن جابر. وتضم هذه المجموعة 7,000 رجل، معظمهم من العلويين الذين تم تجنيدهم من الساحل.
وبالإضافة إلى حقل الشاعر، طُرِدت قوات النظام من معظم أراضي البادية، بعد أن عانت من هزيمة كبيرة في تدمر في أيار/مايو 2015.
أما تنظيم «الدولة»، فيتمتع، بحسب التقرير، بميّزة كبيرة في الأجزاء من البادية التي لا تزال تحت سيطرته؛ فمقاتلوه منظمون ضمن مجموعات صغيرة ومتنقلة أثبتت فعاليتها في اقتحام المواقع العسكرية المعزولة. من الناحية النظرية، بإمكان الجيش السوري استخدام التقنية ذاتها لمواجهتهم.
ويوضح التقرير أنه "في آذار/مارس، 2016، عبر مئات من المقاتلين المعارضين الحدود من الأردن بدعم من التحالف الدولي واستولوا على التنف. وأعقب ذلك استعادة السيطرة على معبر الوليد العراقي في آب/أغسطس 2016 (وهو المعبر الذي كان تنظيم «الدولة » قد اجتاحه في العام السابق)، وإعادة فتح الطريق من بغداد إلى عمّان. ومن التنف، حاول المتمردون الارتباط مع ألوية أحمد العبدو (2500 مقاتل) في الغوطة الشرقية في ريف دمشق. هذا وتخضع مدينتا الضمير وجيرود لسيطرة المتمردين، لكن حلقة شاسعة من قوات النظام تفصلها عن الغوطة الشرقية، ويواصل الجانبان الحفاظ على وقف إطلاق النار في الوقت الحالي".
وأشار إلى أنه "أصبح المعارضين بالتنف يشكلون تهديداً على دمشق، حيث تقدموا نحو عشرات الكيلومترات من مناطق المتمردين التي استغرق النظام عدة سنوات لتطويقها. كما أنهم مستعدون لعرقلة عودة النظام إلى وادي الفرات".
وبعد أن أدّت الضربة الجوية الأمريكية الأخيرة إلى إبعاد القوات الموالية للنظام من التنف، أعاد الجيش تركيزه على مهاجمة المتمردين من ثلاث قواعد مختلفة: دمشق، تدمر، وجبل الدروز. وفي الحالة الأخيرة، تتقدّم وحدات الجيش بسرعة على طول الحدود الأردنية لتطويق أحد جيوب المتمردين، في محاولة لعزلهم على مقربة من جبل سيس.
وتابع: "وطوال هذا الهجوم، استعاد النظام بشكل منهجي شبكة القلاع الواقعة على الطريق الحدودي الاستراتيجي. ومن شأن رحيل تنظيم «الدولة» أن يقلّل خطورة إقدام الأسد على إعادة نشر بعض الحاميات الصغيرة في أماكنها هناك، نظرا لأن المتمردين لا يتمتعون بنفس القدرة الهجومية لـ تنظيم «الدولة».
ولفت إلى أنه أصبحت الحدود الجنوبية لسوريا بؤرة توتر كبيرة - من التنف إلى سنجار في العراق، حيث أصبح عدة شركاء في الحرب يتنافسون عليها بالنيابة عن رعاتهم الإقليميين. ويتمّ الإعداد لساحة معركة ما بعد تنظيم «الدولة» وأصبح الجزء الشرقي "غير المفيد" سابقا لسوريا، يستحوذ على أهمية استراتيجية أكبر بكثير في المنافسة بين "المحور الشيعي" الشرقي-الغربي و"المحور السنّي" الشمالي-الجنوبي. ولا بدّ من النظر إلى الهجوم الأخير الذي شنه النظام بين تدمر والحدود الأردنية من هذا المنطلق.
وختم بقوله إنه "خلال الفترة اللاحقة، يُعدّ اتفاق دولي حول كيفية الاستحواذ على مناطق سيطرة تنظيم «الدولة»، المسألة الأكثر إلحاحا يوما بعد يوم، فدون قيام مثل هذه التفاهمات، تواجه الأطراف خطر المواجهة المباشرة بين القوات الروسية والأمريكية".