كثُرت الروايات والأخبار حول عملية
التهجير في حي القابون
الدمشقي، والتي جاءت بحسب وصف مراقبين، "بين ليلة وضحاها". وبالرغم من أنها ليست عملية التهجير الأولى من نوعها، إلا أنها أثارت جدلا واسعا في صفوف الناشطين والمدنيين وحتى في الأوساط العسكرية.
تسريبات صوتية أشارت إلى مخططات واتفاقيات سرية، بشأن تسليم الحي لقوات النظام، تلاها بيان لجيش الإسلام نفى من خلاله صحة التسجيلات، واصفا من نشرها بـ"المفتن المبغض". إلا أن هذا البيان اصطدم بعد ساعات من إعلانه بتهجير المئات من المدنيين، إضافة لإخراج المقاتلين باتجاه الشمال السوري.
ويقول عبد الرحمن طه، أحد القادة العسكريين في "
جيش الإسلام- قاطع الشمال"، في حديث لـ"
عربي21": "ما حدث سببه الفصائل المتنازعة، ولا أحد غيرها".
وأضاف: "النظام عرف كيف يستغل الفرصة وينتهز الموقف، ليشن عدة هجمات متتالية ومتلاحقة ومن عدة محاور على مواقع المعارضة؛ المنهكة أصلا بفعل المعارك الأخيرة فيما بينها، والتي كانت آخرها بين فيلق الرحمن وحركة أحرار الشام الإسلامية، ليتمكن بعد تسع هجمات من إجبار المعارضة على التراجع نحو مقراتها الواقعة في مركز القابون"، وفق قوله.
وأضاف طه أن المعارضة اضطرت لترك مواقعها في منطقة البعلة ومحيط مسجد التقوى على أطراف القابون، وهي منطقة كانت معظمها لجيش الإسلام الذي انسحب إلى داخل القابون مع كافة الأسلحة والعتاد، ليركز اهتمامه في النهاية على محور "النقطة 10"، في الوقت الذي كانت فيه التحضيرات لخروج الدفعة الأولى من سكان الحي إلى الشمال السوري قائمة على قدم وساق بشكل شبه خفي.
وبيّن أنه مساء يوم الجمعة (12 أيار/ مايو)، أي قبل بدء التهجير بساعات، "جاءت الأوامر بالتمركز وإيقاف إطلاق النار بشكل كامل في الحي وعلى خطوط الجبهات، وكان معظم العناصر لا يعلمون ما هو مخطط، وفي صباح اليوم التالي تفاجؤوا بحضور الباصات من جهة منطقة أبو جرش لإخراج المقاتلين إلى الشمال السوري".
وأوضح طه أن سبب هذه السرية يعود إلى "رفض عدد كبير من المقاتلين، وبخاصة مقاتلي جيش الإسلام، الخروج أو عقد اتفاقية في الحي، مبررين ذلك بأنه وفي حال سقوط الحي، فالأولى هو الانسحاب للغوطة الشرقية والاستفادة من المقاتلين على جبهاتها التي باتت هي الأخرى مهددة من قبل النظام"، وفق تقديره.
من جهته، ذكر الناشط الإعلامي في الغوطة الشرقية، زياد العلي، في حديث لـ"
عربي21"، أن النظام كان قد وضع خطة بديلة في حال فشل الاتفاقيات السرية المبرمة مع الفصائل، لافتا إلى أن التسجيلات المسربة أدت لتأزم الموقف، إلا أنها سرعت من التنفيذ "بعد أن اكتُشف الأمر وظهرت الحقائق الخفية"، بحسب تعبيره.
وقال: "الخطة البديلة التي أطلق عليها "قابون 2"، كانت ستعتمد على تسليح فصائل ضد أخرى في القابون، بهدف إنهاء وجود الفصائل التي تشكل خطرا على النظام، والإبقاء على أخرى من الممكن التفاهم معها لاحقا".
ومن أبرز تلك الفصائل كان "اللواء الأول"، الذي سبق أن حاول "إفشال" المعارك الأخيرة على جبهات دمشق، "إلا أن الفصائل أنهت تواجد اللواء على الخطوط الأمامية وفتحت المعركة التي توقفت بعد أيام فقط بسبب خلافات كان اللواء سببا فيها، والذي برر عرقلته للمعارك بالهدنة الموقعة مع النظام؛ واتفاقية وقف إطلاق النار التي خرقها النظام منذ دقائقها الأولى قبل أشهر".
واستطرد العلي قائلا: "رغم ما حل بالحي، إلا أن العداء بين الفصائل ما يزال قائما، حيث قام فيلق الرحمن بتجريد مقاتلي جيش الإسلام الرافضين للاتفاقية من أسلحتهم، قبل السماح لهم بالخروج من المنطقة عبر الأنفاق الواصلة بين أطراف الحي والغوطة الشرقية"، مضيفا أن الغوطة الشرقية باتت الآن في مرمى مباشر للنظام بعد إنهاء وجود المعارضة في أحياء برزة والقابون وتشرين التي تعد الخط الدفاعي الأخير عنها في العاصمة دمشق.