انتقد خبراء ومحللون اقتصاديون طريقة إدارة الاقتصاد
المصري، وما يترتب عليها من قرارات صادمة تعصف بآمال وطموحات الشعب المصري، وتجعل من وعود المسؤولين بتحسن الأوضاع والمؤشرات أوهاما يستحيل الوصول إليها.
ووصف الخبراء في تصريحات لـ
"عربي21" قرار
البنك المركزي المصري برفع
سعر الفائدة 2% بـ"الصدمة"، مؤكدين أن هذا القرار يؤكد أن الاقتصاد المصري يدار بالقطعة، وأن مؤسسة النقد المصرية، أصبحت أداة تنفيذية، تستخدمها سلطة الانقلاب العسكري لتحقيق ما يضمن بقاءها في الحكم، دون مراعاة التداعيات السلبية الخطيرة على الاقتصاد المصري عامة، والفقراء والبسطاء من أبناء الشعب خاصة.
وأوضحوا أن سلطات الانقلاب العسكري، باتت تنفذ فقط ما يملى عليها من قبل المؤسسات الدولية الدائنة، وأن القرارات الاقتصادية أصبحت قرارات فوقية (فوق مستوى الوزراء)، لافتين إلى أن ما يؤكد ذلك هو نفي وزيرة الاستثمار، سحر نصر، رفع سعر الفائدة قبل ساعات من صدور قرار البنك المركزي.
وعلق الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، على قرار رفع البنك المركزي سعر الفائدة 2%، قائلا إن " الاقتصاد المصري يدار بالقطعة، ومحافظ البنك المركزي، يعزف بشكل رائع جدا، لكنه يعزف مقاطعة في سيمفونية مختلفة".
وأكد عبد المطلب في تصريحات لـ
"عربي21" أن هذا القرار سيضر بالجميع ( الاقتصاد والمستثمر والمواطن)، مضيفا أن رفع الفائدة يؤدي إلى زيادة تكلفة الحصول على أموال "القروض" بغرض الاستثمار، وهو ما يترتب عليه رفع تكاليف الإنتاج، وزيادة الأسعار.
وتابع: "رفع سعر الفائدة قد يؤدي إلى زيادة تدفقات الأموال أو الاستثمارات الأجنبية في الأوراق المالية أو أذون وسندات الخزانة أو الأدوات المالية قصيرة الأجل للاستفادة من سعر الفائدة المرتفع في مصر".
وأشار إلى أن الاقتصاد المصري غير مؤهل لتحويل هذه "الأموال الساخنة" إلى أموال منتجة يستطيع الحصول منها على أرباح تسدد الفائدة المرتفعة وتحقق أرباحا إضافية للاقتصاد.
اقرأ أيضا: رئيس الوزراء المصري مبررا رفع أسعار الفائدة: "إجراء مؤقت"
وقال أستاذ الاقتصاد في الجامعة العالمية للتجديد بتركيا، أحمد ذكر الله، إن قرار رفع سعر الفائدة كان مفاجئا وصادما، مؤكدا أن دلالات توقيت القرار توضح مدي انبطاح الحكومة والسلطة المصرية بالكامل لشروط
صندوق النقد الدولي، وعدم اهتمامها بالتداعيات السلبية التي سيحدثها هذا القرار على الشعب المصري، وبالتالي فهي تقدم بقائها في السلطة ومصالحها الخاصة على حساب البسطاء والفقراء من أبناء هذا الشعب.
وأضاف ذكر الله في تصريحات خاصة لـ
"عربي21": "هذا القرار له عدد من التداعيات السلبية منها ما هو سريع جدا في الظهور مثل التراجع الحاد الذي شهدته البورصة المصرية أمس بخسائر بلغت نحو15 مليار جنيه، وهو ما أضفي مناخا تشاؤميا على البورصة التي كانت تحاول البقاء مستقرة فوق مستوى الـ 13000 ألف نقطة، ولكن جاء هذا القرار ليطيح بهذه الآمال ويعيدها مرة أخري إلى ما دون ذلك، بل وسيؤثر سلبيا على مؤشرات البورصة في الأجل القصير".
وفي ما يتعلق بتداعيات القرار على الموازنة العامة للدولة، أوضح ذكر الله، أن رفع سعر الفائدة سيؤدي إلى مزيد من أعباء خدمة الدين والتي قدرت في موازنة 2018 بحوالي 380 مليار جنيه، مؤكدا أن هذه الأعباء سيضاف إليها الآن نحو 40 مليار جنيه فوائد جديدة، بما يعني أن فوائد الدين فقط في الموازنة العامة الجديدة للدولة ستصل إلى نحو 410 مليار جنيه، هذا بخلاف زيادة نحو 10 مليار جنيه في فوائد الديون فيما تبقى من العام المالي الحالي ( أي أن خسائر العام الحالي والقادم تلامس الـ 50 مليار جنيه نتيجة هذا القرار).
وأكد أن هذا القرار أيضا يطيح بالأوهام والخير الذي تنبأ به السيسي في العام المالي المقبل خاصة بالنسبة لتراجع الأسعار، قائلا: "من المعروف أن سعر الفائدة هو أحد بنود التكاليف والذي سيعمل رجال الأعمال بالطبع على نقله إلى المستهلك، لذا فإن أي تصريحات متفائلة بشأن التراجع في معدلات التضخم أتى عليها هذا القرار تمام، ولم يعد يوجد أي بصيص أمل بالنسبة للجماهير البسيطة بالنسبة لتراجع الأسعار مرة أخرى".
اقرأ أيضا: قرار مفاجئ لـ"المركزي المصري" برفع أسعار الفائدة.. لماذا؟
وأضاف ذكر الله أن هذا القرار سيؤثر سلبيا على مناخ الاستثمار خاصة بعد التفاؤل العام الذي حاول النظام أن يسوقه على خلفية صدور قانون الاستثمار الجديد، مستطردا "رغم كل عيوب قانون الاستثمار ورغم محاباته لرجال الأعمال على حساب الفقراء ورغم تمييزه للأجانب على حساب المصريين، إلا أنه أتي القرار ليقضي على أي أمل في زيادة الاستثمار، لاسيما الاستثمار الذي يعتمد على التمويل المحلي، فأي رجل أعمال عاقل سيقترض بفائدة أكثر من 18% فمن أين سيربح في ظل الركود الاقتصادي ويعيد هامش التكلفة إلى البنوك مرة أخرى".
وأكد أن حالة التشاؤم الشديد التي عبر عنها الكثير من رجال الأعمال والتجار والمستوردين الذين فوجئوا بالقرار كلها تعكس انتباههم للآثار والتداعيات السلبية على مجمل الاقتصاد.
وأردف: "السلطة الحالية تتخذ من البنك المركزي أداة تنفيذية لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب الشعب وبالتالي هي تقضي بذلك على ما تبقي من استقلالية البنك المركزي الذي نص عليها القانون رقم 8 لسنة 2013، الخاص بالبنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد، وبذلك يقضي النظام على استقلالية مؤسسة أخري بجوار القضاء على استقلال مؤسسات أخرى مثل القضاء بصدور قانون الهيئة القضائية في الأسابيع الماضية".
وأشار إلى أن البنك المركزي يدرك تماما التداعيات السلبية لقرار رفع سعر الفائدة على الاقتصاد المصري، لكنه ورط نفسه في السياسة التنفيذية، أجبر على اتخاذ القرار من خلال الصندوق والحكومة.
أوضح ذكر الله أن قرار المركزي يتنافى مع تصريح وزيرة الاستثمار بعدم رفع سعر الفائدة، وهذا مؤشر على أن التنسيق الحكومي في إدارة السياسة النقدية والاقتصادية في مصر أصبح أكبر من مستوي الوزراء ولا يتدخل فيه وزراء المجموعة الاقتصادية.
اقرأ أيضا: كيف تسببت سياسات "المركزي المصري" في تدمير الاستثمارات؟
ولفت أستاذ الاقتصاد في الجامعة العالمية للتجديد بتركيا، خلال حديثه لـ
"عربي21"، إلى وجود أدوات وآليات ومقترحات لا يستخدمها البنك المركزي، موضحا أن أدوات السياسة النقدية بالكامل غير مفعلة، إلى جانب أدوات أخرى كان يجب أن تتخذها الحكومة، منها تشجيع الإنتاج، بفرض أسعار فائدة تميز بين سعر الفائدة لمشروعات معينة على حساب سعر الفائدة لمشروعات أخرى، كالمشروعات الصغيرة مثلا.
واستطرد: "التضخم في الحالة المصرية هو تضخم من جانب التكاليف وليس تضخم من ارتفاع الأسعار فقط، بمعني ارتفاع تكاليف الإنتاج كلها التي جاءت بسبب مجموعة من القرارات الغير مدروسة وأدت إلى مزيد من التضخم، وبالتالي لكبح جماحه كان يجب أن يكون بخفض سعر الفائدة وليس رفعها".