نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا للكاتب إيغور كوسوف، حول المتطوعين العرب، الذين يعملون سرا لصالح قوات التحالف ضد
تنظيم الدولة، في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، ويخاطرون بحياتهم لأجل ذلك.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن عماد رشيدي، مستشار حاكم نينوى نوفل حمادي، قوله: "كان هناك أشخاص يتجسسون في
الموصل في غربها وشرقها.. وقمنا بالغارات الجوية بعد أن تأكدنا من المعطيات عن طريق المتطوعين".
وأضاف رشيدي: "كان رجالنا يتصلون بنا عادة بعد منتصف الليل، ولمدة خمس ثوان قبل أن يخرجوا شريحة الهاتف"، حيث حظر تنظيم الدولة استخدام الهواتف للاتصال بالخارج، وكانوا يعدمون أي شخص يستخدم شريحة هاتف، مشيرا إلى أن هؤلاء المخبرين لم يتلقوا أي نوع من التعويض مقابل عملهم السري لدعم المجهود ضد تنظيم الدولة؛ "لأنهم يحبون أرضهم".
ويكشف كوسوف عن أن المخبرين كانوا يوصلون معلوماتهم في العادة للقوات
العراقية أو الكردية، الذين يمررونها في العادة للتحالف، مشيرا إلى أن ملازما سابقا في الجيش العراقي، ونقيبا في البيشمركة، يطلق على نفسه اسم سوركسان ريكاني، قام بالتركيز على المعلومات المتعلقة بالمشاة، وقال إنه جند سبعة مخبرين.
وأضاف ريكاني أن الضباط الإيطاليين والألمان والأمريكيين كانوا يقومون بالتأكد من معلومات المخبرين، من خلال الطائرات دون طيار، أو يقومون بضرب الأهداف مباشرة، حيث أكد المتحدث باسم التحالف العقيد جون دوريان، أن قوائم الأهداف تصل للتحالف الدولي من مخبرين مدنيين من بين مصادر أخرى.
وتحدثت مجلة "فورين بوليسي" مع ريكاني وثلاثة مخبرين مدنيين كانوا يوفرون المعلومات له، وأدت المعلومات التي وفروها لمقتل أكثر من 100 مقاتل من تنظيم الدولة، وتدمير عدة مصانع أسلحة ومراكز تدريب، بحسب ما قال ريكاني والمخبرون.
ويشير التقرير إلى أن المخبرين رفضوا التعريف بأسمائهم؛ خوفا على عائلاتهم من هجمات انتقامية من الخلايا النائمة، ولم يقدموا سوى أرقامهم التي يعرفهم التحالف بها، لافتا إلى أن كلهم الآن في العراق خارج مناطق سيطرة تنظيم الدولة، حيث يعيشون في بيوت ساعدهم ريكاني في العثور عليها، وحاول المسؤول عنهم سابقا الحصول على معونة مالية لهم، لكنه لم ينجح؛ حيث قال له التحالف إن تمت مكافأة المخبرين نقدا فإنهم سيبيعون معلوماتهم لمن يدفع أكثر.
ويذكر الكاتب أن ريكاني التقى بالمخبر 45، وهو مخبر كردي، عام 2008، عندما كانا يخدمان في الجيش العراقي، واتصل المخبر بريكاني في آب/ أغسطس 2014، وقال له إنه يريد توفير معلومات، وقال المخبر 45 خلال مقابلة معه إن الدافع للمساعدة بسيط: "كان هناك سبب واحد، لا نحب تنظيم الدولة".
وتلفت الصحيفة إلى أنه كونه مصلح مولدات، فكانت تتاح له الفرصة ليتحرك في أنحاء المدينة، ويجمع المعلومات سرا حول حواجز التنظيم ومواقع تجمع مقاتليه، وكان يلاحظ تحركات سياراتهم، ويخطر التحالف بتحركات القوافل الكبيرة، حيث كانت أهدافا سهلة لطائرات التحالف.
ويكشف التقرير عن أن حياة المخبر 45 كانت خطرة، فكان يشعر بأن أحدا يلاحقه عندما كان يجمع المعلومات، وكان يتصل بريكاني في الليل مستلقيا على ظهره على سطح منزله، وكانت مكالماته قصيرة جدا، ثم كان يخبئ الهاتف في مخبأ في الحائط، وقال: "لا تزال عائلتي لا تعرف ماذا كنت أفعل"، حتى عندما هربوا من شرق الموصل مع دخول الجيش العراقي، فإنهم "لا يحتاجون أن يعرفوا، إن ذلك أفضل لهم".
وقال ريكاني للمجلة إن المخبر 40، الذي كان يعمل سائق سيارة أجرة "تاكسي" خلال سيطرة تنظيم الدولة، كان ربما أفضل مخبريه، حيث كتب تقارير مفصلة منذ عام 2015، وساعدت تقاريره التحالف في تدمير 14 هدفا رئيسيا، بما في ذلك اجتماع لقيادة التنظيم ومحكمة وعدة معامل تفخيخ سيارات.
ويذكر كوسوف أن ريكاني طلب من المخبر 40، وهو عربي من الموصل، بأن يتفحص مواقع محددة، وقام المخبر نفسه بالبحث عن مواقع أخرى، فعندما كان يرى عددا من السيارات الجميلة في مكان ما فإنه كان يحاول البحث عما يدور في ذلك الموقع، وكان يركب معه بعض الناس، ويتحدثون عما رأوا، وكان ركابه أحيانا من متطرفي التنظيم، حيث كان يسمع أحيانا حديثهم، ويقول: "كنت أخاف طبعا، لكن كان علي فعل شيء ما.. كان علي أن أساعد شعبي".
وتنوه المجلة إلى أن المعلومات التي قدمها المخبر 40 أدت إلى مقتل 87 عضوا في تنظيم الدولة، بمن فيهم ذوو مناصب رفيعة، وكان يقوم بتصوير الغارات الجوية على هاتفه، في الوقت الذي يقود فيه ابنه السيارة.
ويستدرك التقرير بأن هذا التصرف كاد أن يودي بحياته، حيث قام عناصر من تنظيم الدولة بتفتيش بيته، ووجدوا هاتفا ممنوعا مع زوجته، فانتظروا عودته، واعتقلوه وأخذوه للسجن، وبعد رؤية الفيديوهات المسجلة على هاتفه حكموا عليه بالإعدام، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي كان فيه مسجونا ينتظر الإعدام، فإن الجدار تفجر من غارة جوية استهدفت البناية المجاورة، فقام هو وستة من السجناء بالهروب من ثغرة تسببت بها الغارة.
وبحسب الكاتب، فإن المخبر هرب من الموصل للقيارة ثم للشرقات، حيث اجتمع بعائلته، لافتا إلى أنه من غير المعروف إلى الآن إن كانت تلك الغارة الجوية صدفة، أم كان الهدف منها إطلاق سراحه، وقال ريكاني أيضا إنه لا يعلم حقيقة الأمر.
وتبين المجلة أن المخبر 44 كان أيضا سائق سيارة أجرة "تاكسي"، وكان يخبئ شريحة هاتفه في حبة برتقال كان يقطفها من شجرة أمام بيته، وكان عمله يقتضي منه قضاء أوقات طويلة في ورشات تصليح السيارات في شرق الموصل، واستغل هذا العمل لجمع المعلومات حول مواقع تخزين الذخائر في المنطقة، وقال المخبر: "كنت أذهب الى منطقة ميكانيكيي السيارات، وأسأل عن الناس الغرباء الذين يعملون في المنطقة، وماذا قال زملائي، وكنت أذهب إلى منطقة المصانع وأتأكد بعيني"، وكان أحد جيرانه يعمل في أحد المصانع، ويمرر له المعلومات.
ويفيد التقرير بأن المخبر 44 يفتخر باكتشافه مسبحا كان يتدرب فيه حوالي 50 مقاتلا تابعا لتنظيم الدولة في المساء، مشيرا إلى أنه علم التفاصيل من خلال حديث مع موظف في المسبح، وأخبر التحالف عن المكان والوقت بالضبط لضرب المسبح، لقتل العشرات من مقاتلي التنظيم.
وينقل كوسوف عن المخبرين، قولهم إنهم فعلوا ما بوسعهم لمنع وقوع ضحايا مدنيين، مستدركا بأنهم لا يستطيعون القول بكل ثقة إنهم لم يتسببوا بسقوط ضحايا أبرياء، وقال ريكاني ورشيدي إن الطائرات دون طيار كانت في العادة تقوم بمراقبة الأهداف التي وفر
المخبرون معلومات عنها؛ للتأكد من كونها مواقع لتنظيم الدولة.
وتستدرك المجلة بأن "التنظيم اعتاد استخدام المدنيين المحليين دروعا بشرية، ومن المستحيل معرفة كم من غير المتطرفين قضوا في الغارات الجوية".
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أنه لدى سؤال المخبرين عما إذا كانوا مستعدين لتكرار ما فعلوه مرة أخرى، فإنهم قالوا دون تردد نعم، بالرغم من أنهم لم يقبضوا ثمنا، ولا حتى اعترافا رسميا بدورهم، فمكافأتهم كانت هزيمة تنظيم الدولة.