إيران تنتظر قدوم المهدي، ولكن ليس على حصان أبيض، قد يأتي على دبابة، أو في طائرة، حتى على حصان، أبيضَ كان أو كميتاً، تستطيع أن تأخذه إلى الساقية، لكن لا تستطيع أن تجعله يشرب، كما يقول المثل الإنكليزي، فقد يكون صائماً، والحيوانات تصوم عن الطعام، وأحياناً عن القتل.
وفي الأفلام الإيرانية، وهي أفلام رقيقة، نالت جوائز عدة من غير مشاهد ساخنة، متقنة الصنعة، سوى في النهاية و الخاتمة و المصير. عادة ما يأتي الحسين على حصان، تسمع أصوات سنابكه فوق الغيوم، فيعيد الحياة للموتى، والحق للمظلوم.
الخاتمة هي أهم من كل شيء. اللهم إنا نسألك حسن الختام.
وفي الأفلام الأمريكية المدبلجة بالفارسية، الكاوبوي مثلاً، يصرخ البطل، وهو يرفع المسدس في وجه الخصوم ويرديهم صرعى، ويصيح بالإنكليزية: "شيت" أو "ماذر فكر"، ويترجم الإيرانيون العبارة هاتفين: يا هوسين!
قد يقال لي أنت تبالغ: أقول لهم: إنّ الدم أحمر، والمية تكدّب الغطاس، لكن الدم لا يكذب، وقد يكذب كما في قصة يوسف، وبالأمس القريب زوّروا خطاب محمد مرسي، وهو رئيس جمهورية وضيف.
غدروا بالضيف، وضعوا له السم بالترجمة، ثم غدروا بالشعب المصري كله.
وكان حزب الله قد زعم أن المهدي انتصر لهم على إسرائيل في الحرب الأخيرة، لكن شبعا، وهي قطعة أرض مساحتها صغيرة، لا تزال محتلة! أما القدس، فيجري البحث عن طريقها بين حلب ودرعا، الجولان تعيش أنت.
"العراضة"، أي الحفلة، كبيرة هذه الأيام في إيران، واسم المهدي لا يغيب عن الصحف. والانتخابات قادمة. وهو المزكي الأكبر، أو في ظله تجري الترشيحات، وهو أكبر مصوّت أيضاً. صحيفة كيهان قالت: سيظهر هذا الأسبوع!
ربما كان مانشيتاً للإثارة!
ثقافة المخلّص موجودة لدى كثير من الشعوب، وهو أحياناً يلتبس بشخصيات أخرى، مثل الخضر، وفي الحكايات الكردية التي تحكيها الأمهات للأطفال كان اسمه ميرو، وقد يصير أوجلان المهدي المنتظر، أو هو كذلك، لكن في إهاب عقيدة ستالينية مادية، لكنها في إيران، ولدى الشيعة الفارسية عقيدة أصلية.
ولا يعرف أحد عدد الذين ادعوا شخصية المهدي حتى الآن، فهم كثر، ولا يعدهم حصر، وأشهرهم حالياً، مهدي من بلاد الهند، ادعى أنه المسيح والمهدي المنتظر، "اثنين في واحد" كما تقول العبارة التجارية، والمسيح المخلّص سيأتي ليكسر الصليب ويقتل الخنزير، كما في الحديث الشريف، لكن خليفته السادس يقيم في رعاية بلاد الصليب، والخنازير تسرح وتمرح وتسمن وتعلف، وهي طعام أثير على موائد بريطانيا ولحم أكتافه من خيرها!
ويروي جان ماري غوستاف لوكليزيو، أن عقيدة المخلص أو ما يحفّها من عقائد هي التي قضتْ على حضارة الهنود الحمر في أمريكا، وقد استطاع بضعة عشرات من المجرمين، أطلقتهم ملكة بريطانيا لاكتشاف أرض الحليب والعسل، القضاء على حضارة من أكثر الحضارات اهتماماً بالزينة الفردية، ومن أكثرها حباً للسلام، كما يروي محمد العكش في كتابه "أمريكا والإبادات الجماعية- حق التضحية بالآخر".
الحضارة الأصلية بقبائلها وثقافاتها كانت قائمة على التضحية القربانية، بالعذارى، أو بالأطفال، أو بالشباب، لكن لم تكن قرابين إبادة وتطهير عرقي، كما فعلت أمريكا، والظلم يجر الظلم جراً من عرقوبه.
وكان صمويل بيكيت صاحب مسرح العبث، ينتظر غودو المخلص، والسنّة لا ينكرون المهدي، والمنهج الوسطي يهمله، ويهمشه، ولا يعول عليه، فالتواكل يحف بهذه الأحاديث، كما السياسة. وأعرف اثنين من كبار دعاة المسلمين، يرتابون في أحاديث المهدي، هما محمد الغزالي والقرضاوي.
بهتَ الأمريكي الأصلي، بالأبيض الغازي غير الأصلي، الصناعي، ولم يكن قد رأى جواداً من قبل، وكان يتفوق على الغازي الأبيض في علم الفلك، وفي فن النظافة، وفن الزراعة، وفي الأخلاق، لكن الأبيض كان يفوقه بجرأته على القتل، كان قد توصل إلى اكتشاف البندقية، وصنع سيفاً من الفولاذ، فلم تنفع الأمريكي الأصلي المقاومة والممانعة، ولا المال ولا البنون، عندما قرر أن يقاوم، وقد فتك الأبيض الغازي بالأمريكي الأصلي، بالجراثيم والفيروسات، على شكل هدايا، كانت البطانيات ملوثة بالجدري والسل، وشتى الأمراض الفتاكة، فدمّر حضارة كاملة.
وأمس فقط تابعت على الوثائقية في الجزيرة، فلماً حزيناً يوثّق جرائم الغزاة البيض عنوانه: "الزمن الأسود – مدارس كندا الداخلية". والأبيض "الواسب" يصنع أفلاماً جيدة عن الضحية، لينال بها جائزة، أو يكفّر بها عن أخطائه بعد موت الضحية وضمان أنه لن يستطيع المطالبة بحقه المهدور.
ولا مانع من انتظار المهدي على الطرقات، أو في البيوت، سنة، أو ألف سنة، لكن الصبر طيب، وجميل، وما يجري في سوريا تعجيل مخلّ بشروط الانتظار، وبغاية القادم الذي سينشر العدل.
المهدي رجل مقدس من آل البيت، فأعطوه حرية اختيار الموعد.
أوفسايد.
والأنباء تتوالى في صحف إيرانية مثل كيهان، وأخبار عن انتظار المهدي، وهجاء روحاني الإصلاحي، الذي سيؤخر قدوم المهدي، ويضع له العراقيل والشوك على الطريق، ولقاءات خامنئي مع المهدي في السرداب، والجامع الأموي الذي سيمتلئ مثل حوض بالدم انتظاراً للمهدي، وبشار الأسد الذي يمثل الحسين في خطبة معمم أيراني، كأنها عملية صيد أو استدراج للمهدي، الطعم فيها هو سنّة سوريا مذبوحين.
وشروط ظهور المهدي أصعب من تحويل الحديد إلى ذهب، أو تحويل الذهب إلى خشب، وتقول الشروط إنه لا بد من احتلال مكة، وفوضى غير خلاقة.. والتعجيل بظهوره يفسد الطبخة إلى حد الاحتراق، فألذّ أنواع الطبخ ما جرى على نار هادئة. ولا مانع من الدعاء بأن يعجل الله فرجه الشريف، لكن دعوته بالقوة، وبالرشوة، أو بالقرابين السنية، كأنه بوليس نجدة: ضلالة.
تذكر صحيفة الفهرنك، أي القاموس، ثلاثة شروط كلها شروط سورية شامية تقريبا: الشرط الأول: مائة ألف قتيل في الجامع الأموي، وقد قُتل أكثر من هذا العدد، و الثاني: أن السفياني سيظهر في درعا، و الثالث هو عن القادمين بالرايات الصفر.. ولهذا غضب الوفد السوري في أستانة احتجاجاً على رعاية إيران للاتفاق، ورفضها، فالروس غزاة بلا عقيدة أو ميراث انتقامي مثل الفرس.
وتقول أخبار كيهان، التي يرأس تحريرها حسين شريعت مداري، نائب خامنئي لشؤون الصحافة: إن خامنئي يلتقي بالمهدي في مسجد جمكران، وقد التقى به أكثر من 13 مرة.
وهذا رقم نحس في الثقافات العالمية.
كل هذا، والسعودية تحضّر لزيارة ترامب إلى أقدس مكان في الأرض، والفضائيات الرز تحتفل به وكأنه غودو المخلص!