جمال عبد الستار: الحرب على الأزهر حرب على الإسلام

الخليج العربي كله مهدد باجتياح طائفي ليس عنه ببعيد

علماء السلطة صناعة أمنية ثقيلة تنفق عليها الملايين

لا يوجد ظاهرة إلحاد في مصر.. والنظام يحارب الدعاة

قال أمين عام رابطة علماء أهل السنة ورئيس الجامعة العالمية للتجديد، الدكتور جمال عبد الستار، إن "الحرب على الأزهر هي ذروة سنام الحرب على الإسلام"، مضيفا أن "أول من قاد حملة إسقاط الأزهر وتدميره؛ هو شيخ الأزهر أحمد الطيب، ومن معه، حينما ارتضوا أن يكونوا أدوات لسفك الدماء، وتحليل الإجرام، ومساندة الطغاة".

وتوقع في حوار خاص مع "عربي21" أن تدخل الأمتين العربية والإسلامية "في صراع دموي كبير لا ينجو منه أحد"، مشيرا إلى أن "الخليج كله مهدد باجتياح طائفي ليس عنه ببعيد".

وبيّن أن المسيحيين في مصر تم توريطهم بمواقف الأنبا تواضروس الثاني المساهمة في الاستبداد، مشيرا إلى أنهم "يعلمون أن العسكر وراء تفجير وإحراق كنائسهم، ولكن كثيرين منهم ارتضوا أن يعيشوا في كنف الاستبداد، فكان لا بد أن يذوقوا من ويلاته".

والى تفاصيل الحوار..

يرى مراقبون أن المجتمع المصري شهد منذ الانقلاب العسكري تحريفا للإسلام، تارة تحت شعار تجديد الخطاب الديني، وأخرى بذريعة محاربة الإرهاب، فما رأيك؟

المنظومة التي جاءت عقب انقلاب 30 يونيو لم تأت بالأساس ضد منظومة سياسية، وإنما جاءت لتفرض واقعا يفصل الأمة عن دينها وهويتها، فلم يحارَب في مصر شيء كما حوربت المساجد والمعاهد الدينية، ولم تغلق مؤسسات كما أُغلقت المؤسسات الإسلامية؛ من مدارس وهيئات خيرية وجمعيات إسلامية، ولم تحارب أصول فكرة ومبادئ منهجية كما حوربت أصول الإسلام ومبادئه ومناهجه.

ولذلك؛ من أول لحظة تراقص الانقلاب على ألحان أغنية "لينا رب.. وليكم رب" التي أصبحت شعارا للانقلابيين، والتي تقرر أنهم ينتمون إلى دين آخر من وجهة نظرهم، وأن نظرتهم للإسلام دخيلة على المجتمع المسلم.
 
والانقلابيون يريدون "إسلاما" يوافق أهواءهم، فيخطفون ويقتلون ويسرقون وينهبون تحت مظلة هذا الإسلام! ولذلك قاموا بمحاربة وتشويه كل ما له صلة بالإسلام الحقيقي، ومعاداة كل ما هو إسلامي، حتى حزب النور السلفي الذي وقف معهم في يوم من الأيام؛ حولوه إلى أوراق ذابلة ألقوا بها في سلة المهملات.

إن القاصي والداني يعلم أن ما يجري في مصر حرب على الإسلام، ولذلك كان من أول قرارات الانقلاب في مصر؛ إغلاق المساجد، وقتل الناس بها، وإعلان محاربة المقاومة الإسلامية في فلسطين لصالح الصهاينة، وكذلك في سوريا وليبيا واليمن، فهو أتى ليهدم قواعد الإسلام في المنطقة نائبا عن الاحتلال الصهيوني، كأحد أذرع الصهاينة لتخريب مصر والمنطقة.

الانقلابات العسكرية في العالم الإسلامي دائما تستهدف العلماء والدعاة، كما تستهدف المساجد، فما هو السر في هذا الامر؟

معلوم أن الأمة يقودها دائما العلماء والرواد والمفكرون، ولذلك فالانقلابات العسكرية الغاشمة والمستبدون دائما عدوهم الحقيقي هم العلماء والدعاة، ولذلك فإن أول خطوة يفكرون فيها هي خطف العلماء والمثقفين والمفكرين؛ لأنهم يقودون الأمة إلى الخير، ويحفظون للناس هويتهم ودينهم، ويبصرونهم بحقائق الطريق.

والانقلابيون في مصر أرادوا للناس أن يسيروا في طريق مظلمة، فحاولوا إخفاء النجوم التي تهدي الناس إلى طريق الخير، والعلماء هم شموس الأمم، ولذلك عمد الانقلاب والانقلابيون من أول لحظة إلى قتل واعتقال الرموز والعلماء والشيوخ والمفكرين، واكتظت السجون بعمداء الكليات الأزهرية والمفكرين والعلماء الكبار، الذين لم يقترفوا جريمة؛ إلا أنهم كانوا على الدوام حماة هذا الدين ودعاته، ويحفظون للأمة هويتها، ويحمونها من التشيع والتشدد والانحلال والإلحاد. ولأنهم المرآة الحقيقية التي تبصّر الأمة بدينها؛ فإن المنظومة الانقلابية لا تريد أن تُرى هذه المرآة مضيئة بعد ذلك.

بماذا تفسر الحملة الشرسة للنيل من الأزهر، وتحول في نظر إعلام السيسي بين عشية وضحاها من قلعة للوسطية إلى مفرخ للارهاب؟

الحرب على الأزهر هي ذروة سنام الحرب على الإسلام، وكان ذلك واضحا منذ بداية الانقلاب، ولكن للأسف الشديد؛ أول من قاد حملة إسقاط الأزهر وتدميره هو شيخ الأزهر أحمد الطيب، ومن معه، حينما ارتضوا أن يكونوا أدوات لسفك الدماء، وتحليل الإجرام، ومساندة الطغاة.

ما رأيك بالتفجيرات الأخيرة لكنائس المسيحيين في مصر؟ وكيف تنظر إلى هتافات بعض الشباب المسيحي ضد السيسي وداخليته، موجهين إليهما أصابع الاتهام؟

للأسف الشديد؛ تم توريط المسيحيين بمواقف الأنبا تواضروس الثاني المساهمة في الاستبداد، وحشدوا حشودهم في الوقوف مع الاستبداد الذي عانوا منه كثيرا، وهم يعلمون أن العسكر وراء تفجير وإحراق كنائسهم، ولكن كثيرين منهم ارتضوا أن يعيشوا في كنف الاستبداد، فكان لا بد أن يذوقوا من ويلاته.

وأذكر في ليلة صباح 30 يونيو 2013 كنت أمر من ميدان التحرير، فرأيت أن الوفود التي احتشدت ضد الشرعية غالبيتها من المسيحيين برعاية الكنيسة، التي تساند الباطل حتى هذه اللحظة، وعندنا في الأثر "من أعان ظالما؛ سُلط عليه".

كيف ترى مستقبل الأمة الإسلامية في ظل السعار الطائفي الذي تعيشه الأمة اليوم؟

أتوقع أن تدخل الأمة في صراع دموي كبير لا ينجو منه أحد، فالمسلمون يذبحون في سوريا والعراق، واليمن بأيدي شيعية، وهذه الأيدي هي ذاتها التي تسللت إلى مصر، وتعمل ليل نهار في كل مكان، ومعلوم أن الخليج كله مهدد باجتياح طائفي ليس عنه ببعيد، وأعتقد أن هذا لن يطول انتظاره.

بالإضافة إلى ما سبق؛ ستدخل الأمة في صدامات دموية مرعبة، لا سيما وأن العسكر نجحوا في إسقاط هيبة المرجعية السنية في نفوس الناس، كي يسيروا بلا هوية ولا غاية، كما ورطوا الأزهر ورموزه في مواقف انقلابية أسقطته من عيون المسلمين، وتم تغييب التوجيه الديني بإغلاق المساجد والقنوات الفضائية الدعوية، وأصبح الناس لا يجدون مأوى شرعيا يأوون إليه ويتعلمون منه، فأصبحت الساحة فارغة لأصحاب الأفكار الضالة والشاذة ومدعي العلم المفسدين.

ما حقيقة تنامي ظاهرة الإلحاد في المجتمعات العربية؟ وما أسبابها؟ وكيف نواجهها؟

أنا لا أُقر أن الإلحاد أصبح "ظاهرة" في المجتمعات العربية والإسلامية، والقول بأنها ظاهرة قد يسهل الإلحاد على الناس، والله تعالى نهانا عن إشاعة الفاحشة بين الناس، والإلحاد هو أسوأ أنواع الفاحشة، وهو نوع من الهزيمة النفسية للأمة.

ومن أسباب وجود الإلحاد في مصر؛ إسقاط المؤسسات الدينية الرسمية وبعض المنتسبين للعلم في مواقف مخزية ساهمت في تقليل هيبة الدين في النفوس، وأفقدت علماء الشريعة الثقة والاحترام، بالإضافة إلى جفاف الساحة الدينية وتصحرها، حيث أغلقت مراكز التوجيه، واعتقل كثير من المفكرين والعلماء، وكممت أفواه الدعاة، وغاب التوجيه الرشيد عن الأمة، فأضحت كَلاً مباحا لكل الأفكار الشاذة، دون أن تجد رعاية أو حماية.

وفي الوقت نفسه؛ فُسح المجال أمام أمثال مفتي مصر السابق علي جمعة، الذي لم يحصل على ثانوية أزهرية، وهو الأقرب للشيعة منه للسنة، وإسلام البحيري، والنائب أبو حامد، والشيخ ميزو، وغيرهم ممن تصنعهم أجهزة المخابرات، وتنفق على صناعتهم الملايين. وقد رأيت بنفسي كيف صُنع أسامة الأزهري وآخرون في مطابخ الأمن؛ صناعة ثقيلة تنفق عليهم أموالا طائلة، وتدفع لهم، ويتم تسكينهم في المقدمة لكي يبلغوا عن زملائهم في الجامعة.

وأنا أؤكد أن حظيرة الأمن مملوءة بأمثال هؤلاء، حتى إذا هلك أحدهم يأتي من هو أسوأ منه، بل إن بعضهم أحيانا لا ينافق، ويتكلم عن اقتناع، وفقا لما تربى عليه في الغرف المغلقة.