قال وزير الشؤون القانونية والبرلمانية
المصري الأسبق،
محمد محسوب، إن نظام
السيسي آيل للسقوط ويحمل سمات الفشل، ودعا إلى استغلال لحظة ارتباكه، مقدما مقترحا للخروج من الأزمة.
ودعا محسوب، لطرح بديل يطمئن إليه الشعب، مؤكدا أن هذا البديل لا يتعلق بطرح شخصية منافسة، وإنما هو رؤية شاملة لوقف التدهور وتأمين عملية انتقال آمن بأقل الخسائر، مشيرا إلى أنه حال تبلور وتوافر هذا البديل سينتصر الشعب له، مهما كانت قدرات القوى الاستبدادية على القمع.
وطرح، في مقابلة خاصة مع "
عربي21"، تصورا لإنقاذ مصر من خلال الاستفادة مما وصفه بحالة الارتباك والهشاشة والتخبط التي تعيشها سلطة الانقلاب، بالاتحاد وبناء رؤية على ما بين القوى الوطنية من مشتركات تؤدي لإنهاء القمع والانتقال لبناء دولة القانون.
ودعا محسوب إلى سرعة بناء ما وصفه بتحالف الخلاص الوطني الذي قال إنه سينقذ مصر من "السيناريو المخيف الذي ينتظرها حال استمرار الأوضاع وتأزمها أكثر"، مشدّدا على أن "الفرصة لا تزال قائمة أمام الجميع، قوى سياسية ومؤسسات".
وأشار إلى أن "مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، تُدرك أن لحظة قبولها بإرادة الشعب هي اللحظة التي تتوحد فيها القوى السياسية والمدنية على أهداف مشتركة".
وأكد أن "محاولة وضع الجيش على طريق اللاعودة بتصديره يوميا باعتباره هو أداة القمع الأولى، تستهدف منها السلطة القمعية أن لا تعطي فرصة للمؤسسة العسكرية للانحياز للخيار الشعبي في حالة تحقق الاصطفاف".
وفي ما يأتي نص المقابلة:
البعض يرى أن المعارضة المصرية تتشارك ونظام السيسي في حالة اللارؤية لإيجاد مخرج للأزمة.. فما تقييمك لمدى فعالية وتأثير المعارضة، سواء بالداخل أم بالخارج؟
يبدو لكل ذي عينين أن السلطة القائمة في مصر منذ 3 تموز/ يوليو 2013 لا تمتلك لا رؤية ولا أهلية لتحكم البلاد، وهي نفسها التي خلقت الأزمة ولا يمكنها أن تكون جزءا من الخروج منها. فرحيلها هو الخطوة الأولى لخروج مصر من أزمتها.
أما مساواة الرافضين للاستبداد بالسلطة الانقلابية فهو تجاوز للمنطق، فرافضو الاستبداد موزعون على كل سجون مصر وعلى المنافي الإجبارية في الخارج عدا من قُتل أو قضى في السجون تحت التعذيب أو بمنع الدواء.
أما من بقي منهم خارج السجون فهم تحت ضغط غير مسبوق، إما بتلفيق تهم لهم وجعلهم أمام تحقيقات ومحاكمات مفتوحة دائما ولا تبدو لها نهاية، أو أنهم محاصرون بقوانين تُجرم كل أشكال المعارضة من الكلمة التي يُمكن أن تقع تحت طائلة تعريف الإرهاب وفقا لقوانين مكافحة الإرهاب والكيانات الإرهابية، إلى التظاهر الذي أمسى محظورا وسُجن بسببه المئات. بل إن عدم إبداء الدعم للنظام القمعي بات سببا في التخوين والاستهداف بالحملات الإعلامية والقتل المعنوي.
ومع ذلك، فإن من بالداخل أو بالمنافي يسعون لإعادة ترميم الجماعة الوطنية وبناء صفها. رغم أن من خرج من مصر فقد عمله وصُودر ماله وربما فقد وثيقة سفره، ومن بقي يُعاني كل أنواع المضايقات، بالإضافة لتوزع من هم بالخارج على عدد كبير من البلدان، ومُنع من هم بالداخل من الالتقاء تحت طائلة التخويف والتهديد.
ولذا، عندما أؤكد لكم أنه رغم كل ذلك، فإن قنوات التواصل بين الجميع عادت، وأن النقاش بشأن وحدة الصف والمشتركات أصبح متواترا؛ فإن ذلك يُمثل نجاحا في مواجهة ظروف فرضتها السلطة القمعية لتمنع كل تواصل ولتجعل استعادة الجماعة الوطنية لحيويتها أمرا مستحيلا.
كانت لكم الكثير من الجهود لاصطفاف القوى الثورية والوطنية لكنها لم تكلل بالنجاح حتى الآن.. لماذا؟ ومن المسؤول عن ذلك؟
ليس جهدا شخصيا، وإنما هو اتجاه كامل في الحركة الوطنية المصرية يؤمن باستحالة هزيمة الاستبداد ومحو الفساد إلا باصطفاف الجميع.
أما تأخر نتائج هذه الجهود، فكما ذكرت سببه هو الظروف التي تعيشها القوى المناهضة للاستبداد في الداخل والخارج. ورغم ذلك فتأخر الإعلان عن نتائج لا يعني عدم تحقق أي نجاحات، فالتواصل والحوار بين القوى الوطنية القادرة على التواصل زادت وتيرته وأصبح منتظما أكثر، وانضمت له قوى كانت متباعدة، وهي اليوم أكثر إصرارا على الوصول لنتائج لحواراتها والانتقال من مرحلة التشاور إلى مرحلة التوافق على خطوات عملية خلال الفترة المقبلة.
وهذه الجهود لم تتوقف يوما، لكن الظروف الآن ربما أصبحت أكثر مواءمة، بسبب إدراك الغالبية العظمى من المناهضين للاستبداد لضرورة الاصطفاف إذا أردنا تحقيق أهداف ثورة يناير وإنقاذ مصر مما يحيط بها من كوارث بسبب أداء السلطة القائمة.
هل أنت متفائل بنجاح محاولات وجهود الاصطفاف الجارية؟
متفائل جدا، وقد أصبح أقرب من ذي قبل، فقد أدرك الشعب بعد تجربة السلطة القمعية الفاشلة الحالية أن التغيير ضرورة، فالفشل شمل الاقتصادي قبل السياسي والأمني قبل الاجتماعي، والأخطر أنه طال مصالح الدولة العليا وأرضها وسيادتها على حقوقها التاريخية مما يهدد بكارثة.
وأدركت القوى السياسية بتياراتها الرئيسية أنه لا غنى لها عن بعضها إن أرادت إنقاذ البلاد، ولا يؤثر في ذلك أصوات على أطراف كل اتجاه سياسي ما زالت تعيش روح الانقسام وتروّج له، فالمستقبل لا تصنعه القوى الهامشية، إنما التيارات الأساسية التي تستشعر الواجب الوطني.
كذلك، فإن مؤسسات الدولة المصرية أدركت في أغلبها – إذا استبعدنا القيادت المتكلسة والمنبطحة التي وُضعت على رأسها – أنها في نفس سفينة الشعب لا سفينة السلطة المستبدة، وأن التمييز بينها وبين السلطة ضرورة لإنقاذ الوطن، وأن من وقف منها بجوار الانقلاب خسر كما لم يخسر في تاريخه. وأن حماية حقوق المجتمع تضمن حماية حقوق الفئات والمؤسسات، أما التفريط في حقوق الشعب فسيؤدي بالتدريج لضياع هيبة وحقوق أي مؤسسة.
وبالتالي، فإن روح الاصطفاف الوطني أصبحت واقعا تفرض نفسها ويترجمها التواصل بين المختلفين بالأمس والذين لم تكن بينهم أي جسور للتواصل. ويترجمها كذلك التفاف الجميع حول قضايا كبرى أصبحت تحتل المساحة الأوسع في عقل الجماعة الوطنية المصرية، وهي حماية الحقوق والحريات والدفاع عن وحدة التراب الوطني وتحقيق استقلال الإرادة الوطنية بعد أن حوّل الانقلاب مصر لنموذج للفشل والتبعية والتفريط والقابلية لبيع أي شيء مقابل الدعم المالي، بيع الأرض أو القيمة التاريخية أو حقوق السيادة أو الكرامة التي ميّزت مصر منذ تاريخها.
وما تبقى هو تحويل هذا الاصطفاف الواقعي إلى شكل تنسيقي يوحد الجهود ويحدد الأهداف ويجمع شتات الشعب حول رؤية واحدة يتوافق عليها الجميع، وإن لم تُحقق لأي طرف 100% من أحلامه، طالما حققت لمجموع الشعب كل أحلامه في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
الخلافات بين القوى الثورية يبدو أنها كانت وستظل مستمرة ولن تنتهي.. فهل أنت مع تأجيل هذه الخلافات أم ضرورة حسمها قبل كسر الانقلاب؟
الخلاف هو طبيعة بشرية، ويزداد حدة في الفكر والدين، ويصل لأقصاه في السياسة. فالسياسة هي بذاتها فن إدارة الخلاف وليس القفز عليه أو إلغاءه.
وبالتالي، فإن الاصطفاف لا يعني إلغاء الاختلافات في الرؤى أو حتى في الأهداف، إنما يعني اصطفافا حول المشتركات وتحكيم الشعب فيما يُختلف فيه، فهدفنا هو بناء دولة قانون تسودها الحرية، ولذلك لا يوجد فرض للرأي وإنما توجد آليات لفض الخلافات.
أما انتظار أن ينزل فريق على رأي فريق آخر فهو تصور رومانسي لا يتماشى مع الطبيعة البشرية العامة ولا مع أجواء السياسة التنافسية.
وبالتالي، فالمشكلة كانت في إقناع الجميع بإمكانية الاصطفاف حول المشتركات والاختلاف في ظل معادلة للتنسيق والقبول بسعي كل طرف لإقناع الجمهور بوجهة نظره في الجانب المختلف عليه، مع تعهد الجميع للعمل على تحقيق المتفق عليه بضم الجهود وتوحيد الخطاب فيها.
البعض يقول إن الدولة لا تحتاج للمعارضة حاليا على الإطلاق إنما تحتاج مساندتها لأننا نعيش في ظروف غير طبيعية.. ما تعقيبك؟
المبدأ هو أن الأمم الديمقراطية وحدها هي القادرة على مواجهة الظروف غير الطبيعية والخروج منها أكثر قوة. أما الأنظمة المستبدة التي تصنع الأزمات ثم تتحجج بها لاستبعاد الديمقراطية وقمع المعارضة فتدخل الشعوب في دائرة مفرغة من الفشل الذي لا يؤدي إلا لفشل مع تجريم فضحه أو نقده أو طرح البدائل.
برأيك، هل صمت الشعب تجاه الأزمات العاصفة التي يتعرض لها بمثابة رضا وقبول بالنظام كما يدعي السيسي وأنصاره؟ ولماذا لا نجد احتجاجا واسعا؟
الشعب المصري هو أحد الشعوب التي تتسم بالحكمة والعبقرية التي امتلكها عبر تجربته التاريخية الفريدة، وبالتالي فإن تحركه لا يعتمد فقط على وجود المشكلات والمخاطر، وإنما يجب أن تتوفر لديه البدائل، فهو شعب لا يود التحرك في فراغ.
والمُسلم به أن قوى المعارضة دون أن تنتقل للاصطفاف العملي لن تكون قادرة على طرح البديل الذي يطمئن الشعب أنه سيمثل عملية إنقاذ مما تعيشه الدولة المصرية.
والبديل لا يتعلق بطرح شخصية منافسة مثلا، فهذا تصور ساذج. إنما البديل هو رؤية شاملة لوقف التدهور وتأمين عملية انتقال آمن بأقل الخسائر من الاستبداد لدولة القانون ومن الانهيار الاقتصادي إلى ازدهار مشمول بعدالة اجتماعية.
هذا البديل يجب أن تتوفر له عوامل النجاح، وأول تلك العوامل هو الاصطفاف. فلا يتوقع أحد أن الشعب سينهض ليُسقط مستبدا متماسكة جبهته، لأجل معارضة مختلفة مشتتة على جبهات مختلفة وتخاطب الشعب بلغة تشكك في بعضها وتسفه بعضها وتتوعد بعضها.
عندما نكون أمام جبهتين واحدة مستبدة والأخرى مطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، فإن الأخيرة ستنتصر، وسيكون الشعب حاضنها، مهما كانت قدرات القوى الاستبدادية على القمع.
المحلل السياسي عبد المنعم سعيد قال إن مصر هي الدولة الوحيدة القادرة على تلبية رغبة الغرب في تجديد الخطاب الديني.. كيف ترى هذا الأمر في ضوء ما يتعرض له الأزهر من هجوم شرس؟
لا أميل للتعليق على شخص بعينه. إلا أن التجربة القريبة تثبت أن السلطة تتحدث عن حرمة التراب الوطني وفي اليوم التالي تبيعه، ثم تتحدث عن إصلاح مليون ونصف فدان وهي قد تنازلت عن حقوقنا التاريخية في مياه النيل، وتتحدث عن القدرات الخارقة لمؤسسات الدولة ثم تسارع للانبطاح أمام كل من هب ودب. وليس ببعيد الصورة المهينة لرأس تلك السلطة وهو يصطف مع فريق موظفي البيت الأبيض خلف الرئيس الأمريكي في غياب العلم المصري بجوار علم الدولة المضيفة.
وبالتالي، فعلينا الانتباه أننا أمام خطاب يجري المتاجرة به لتحقيق أهداف تتناقض مع مغزاه، فتجديد الخطاب الديني هو مطلب عام يحمله الكثير من علمائنا ومفكرينا ويعملون لأجله منذ أكثر من قرن، لكن إذا تحدثت هذه السلطة عن تجديد خطاب ديني وهي من استعملت الدين لتمرير انقلاب دموي واستحلال لدماء مواطنين أبرياء، فإن علينا تناول الأمور بحذر، فتدمير مؤسسة الأزهر سيكون تدميرا لما تبقى له باعتباره واحدا من أهم مصادر القوى الناعمة للدولة المصرية.
كما أن محاولة تحويله لذراع للسلطة، سيعني زيادة مساحة الفراغ الديني بعد القمع الهائل الذي وُجه لحركات إسلامية كبرى كانت تعمل في المجال الدعوي بما فيها الإخوان المسلمون والجمعية الشرعية وغيرهما، وهو ما يفتح المجال أكثر أمام التطرف الديني أو التشويه الديني.
وهذه السلطة تتغذى على التطرف الديني وتسعى لجعله أساسا للمعركة التي تُديرها ضد شعبنا، وهي تستخدم في المقابل ما يمكن أن نسميه التشويه الديني، بتحويل الإسلام بل والمسيحية إلى خطاب للكراهية وتبرير لأعمال التصفية والقتل والإقصاء.
وبالتالي، ما نحن إزاءه ليس تجديدا للخطاب الديني، وإنما محاولة جديدة لتصفية الدين كعنصر اعتدال وتواصل بين أبناء شعبنا وتحويله لأحد أسباب الخصام والتطرف، ولذلك من غير الكياسة وضع ما تقوم به تلك السلطة في إطار تجديد الخطاب الديني أو مناقشته تحت هذا العنوان.
كيف تنظر لانتخابات الرئاسة المقبلة؟ وهل قد تحمل مفاجآت برأيك؟ وما هو موقفكم منها؟
السلطة لديها ثلاثة سناريوهات: إما تأجيل الانتخابات بصناعة كوارث جديدة تبرر ذلك، وهو ما بدأ بتفجير الكنيستين ثم حصد النتائج واستثمارها بفرض قانون الطوارئ..
وعندما نتحدث عن صناعة الكوارث كالعمليات الإرهابية لا نقصد به ضرورة أن تقوم به السلطة بنفسها أو بعملائها، فيكفي أنها تعرف أنه سيحدث في الزمان والمكان وفقا لقرائن واضحة، لكنها لا تتخذ إجراءات كافية لمنعه، لأن شعورها بأنها تحتاج إليه لتبرر به قمعها هو أكبر من حرصها على أرواح المصريين.
أما السيناريو الثاني، فهو التلاعب بالدستور الذي جرى تشويهه، بمزيد من التشويه لمد سلطة من هو برأس السلطة في ظل وجود مجلس نواب طيّع لا يمكنه أن يرفض أمرا من السلطة.
أما السيناريو الثالث، فهو أن تُجري هذه الانتخابات بصورة مزيفة لا تختلف عن انتخابات 2014 ولا تختلف نتيجتها عنها.
وبالتالي، فإن الانتخابات لن تكون مجالا للتغيير، لكنها قد تمنح المعارضة الفرصة لفرض التغيير، فالثابت أن عام الانتخابات تكون فيه السلطة في حالة من الارتباك محاولة صناعة التزييف بحيث تجري انتخابات شكلية مضمونة النتائج، وهو ما يجعلها متوترة، ومندفعة لمحاولة ترويض المؤسسات، بل وتستخدم العنف في مواجهة أي مؤسسة قد تمثل خطرا عليها.
وهو ما نراه باديا في مواجهتها للأزهر من ناحية، وللقضاء من ناحية أخرى، ومحاولة إنهاء أي قدر من الاستقلال تبقى لديهما.
وبالتالي، فإن تصورا أشبه بما جرى في انتخابات 2010 وبعدها، بحيث يجري الاستفادة من شره السلطة واستعجالها وسعيها لإنهاء مقاومة الجميع دفعة واحدة بتوحيد الجميع في مواجهتها، يُمكن أن يؤدي لتغيير كبير.
وهو التصور الذي أطرحه من خلال الاستفادة من حالة الارتباك والتخبط التي تعيشها السلطة.. وجودنا جميعا تحت القمع لنتحد ونبني رؤية على ما بيننا من مشتركات تؤدي لإنهاء القمع والانتقال لبناء دولة القانون.
هل تتوقع استمرار حالة الطوارئ بمصر لحين إجراء انتخابات الرئاسة؟
مصر تعيش في طوارئ منذ 3 تموز/ يوليو 2013، بل أكثر من الطوارئ، فلم تحدث مجزرة تشبه رابعة في ظل أي حالة طوارئ. وبالتالي سواء بقي قانون الطوارئ أم زال فإن مصر في ظل هذه السلطة لا يوجد فيها قانون ولا تُحترم فيها أية حقوق أو حريات.
وبالتالي، فإن الأجواء التي سُتجري فيها انتخابات 2018 لن تختلف عن أجوائها في 2014، بل ستكون أكثر قمعا. إلا في حالة بناء صف وطني واسع يستفيد من تلك الأجواء لفرض سيناريوهات مختلفة على السلطة ليس من بينها طرح مرشح للرئاسة، وإنما بالسعي لجعلها آخر مسرحية للرئاسة.
أستاذ العلوم السياسية حازم حسني قال إن "السيسي مش هايسيب الرئاسة غير بالدم".. إلى أي مدى تتفق مع هذه المقولة؟
تقديري للأستاذ الدكتور حازم حسني، وهو شخصية تحمل رؤية ثاقبة، لكني أعتقد أن اصطفافا وطنيا واسعا يُمكن أن يُقلل تكلفة إنهاء حقبة القمع التي نعيشها، فمؤسسات الدولة وعلى رأسها المؤسسة العسكرية تُدرك أن لحظة قبولها بإرادة الشعب هي اللحظة التي تتوحد فيها القوى السياسية والمدنية على أهداف مشتركة.
ولذا، فإن محاولة وضع الجيش على طريق اللاعودة بتصديره يوميا باعتباره هو أداة القمع الأولى، تستهدف منها السلطة القمعية أن لا تعطي فرصة للمؤسسة العسكرية للانحياز للخيار الشعبي في حالة تحقق هذا الاصطفاف.
وذلك بأن تخلق عداء لا يُمكن مداواته بين الشعب وجيشه، بحيث يكون الاصطفاف ضد السلطة القمعية لإسقاطها إسقاطا للجيش، فيفرض على الجيش مقاومة أي سعي للتغيير، ويجعل مصيره مرتبطا بمصير تلك السلطة.
إنها سياسة لم تتخلَ عنها أي سلطة قمعية وشمولية على مدار التاريخ، وأنا أؤكد أن الفرصة لا تزال قائمة أمام الجميع، قوى سياسية ومؤسسات، لبناء تحالف الخلاص الوطني الذي يُنقذنا من السيناريو المخيف.
بعض رؤساء الأحزاب التي يفترض أنها معارضة يؤكدون أنه لا يوجد أي منافس للسيسي.. ما ردكم؟
لا توجد أحزاب معارضة في مصر، فنحن أمام قوى سياسية تمتد من أقصى اليمين لأقصى اليسار ترفض السلطة القائمة وتتمنى تغييرا جذريا.
أما الأحزاب التي ما زالت تقف بصف تلك السلطة أو تمثل دور المُعارض لها، لكنها تُمارس الدفاع عنها بكل قوى، فهي لا تمثل أي حضور شعبي حقيقي، وهي ليست أكثر من ديكور وزينة في وسط مظاهر كارثة هائلة، تحاول أن تُصدر صورة أن ما نعيشه هو عُرس وليس انهيارا وقتلا على الهوية وتبديدا للثروات وبيعا للتراب الوطني.
كيف تنظر لتحركات بعض القوى المدنية التي تعتزم التعاطي بشكل إيجابي مع انتخابات الرئاسة وتدرس الالتفاف حول مرشح بعينه في مواجهة السيسي؟
أعتقد أن كل منصف لن يتأخر عن دعم أي مرشح تلتف حوله القوى الوطنية لو توافرت عناصر النجاح لهذا التصور، لكن للأسف نحن أمام تصور رومانسي يتجاوز حقائق الواقع مع تقديري لكل من يتبناه.
فسلطة ارتكبت مجازر مرعبة وتصرفت في الحقوق الوطنية تصرفها في أموالها الخاصة لا يُمكنها أن تنسحب من السلطة في سباق انتخابي.
ومع ذلك، فإني أنادي بتطوير هذا الجهد لما هو أبعد، فبناء صف وطني يستفيد من حالة الهشاشة التي تمر بها السلطة وحاجتها لشرعنة التخلص من الانتخابات أو شرعنة تمريرها، لفرض مطلب وطني بإنهاء القمع وفرض مسار سياسي حقيقي سيكون مجديا.
ورغم هذا، فسنكون مستعدين لنقاش أي سيناريو يحمل عناصر النجاح، شرط أن يأتي نتاجا لاصطفاف وطني حقيقي وليس تحركا انفراديا من أي طرف.
لكننا نؤكد على أن تحقيق حالة الاصطفاف الوطني هي الأساس الذي يُمكنه أن يحمل أي مشروع للإنقاذ ويُمكن أن يُؤدي لنجاح أي سيناريو، ويجب أن يكون هو الهدف الذي يشغلنا لأنه سلاح الحسم الذي لا نملك غيره.
ماذا لو أعلن المجتمع الدولي والأمم المتحدة إشرافهم على هذه الانتخابات.. هل سيتغير موقفكم منها؟
هذا فرض بعيد الاحتمال، فسوابق إشراف الأمم المتحدة على الانتخابات تُظهر أنه لا يكون إلا بطلب الدولة المعنية أو بعد نزاعات دولية تفرض فيه القوى المتحكمة في الأمم المتحدة إشرافا دوليا بفرض غياب سلطة متوافق عليها داخل هذه الدولة.
الوضع في مصر مختلف، فالسلطة لن تطلب، بل وستقاوم أي محاولة للإشراف على الانتخابات من أي جهة بما يؤدي إلى إضعاف تحكمها في نتيجتها.
ومن ناحية القوى المهيمنة على النظام الدولي فهي تميل لعدم الضغط على السلطة في مصر لأن هذه السلطة متماهية لدرجة الانبطاح مع القوى الدولية وتضع نفسها في خدمة مصالحها.
وبالتالي، فنحن أمام احتمال بعيد، فرغم عدد الضحايا الذين سقطوا جراء القمع وعمليات التصفية، فإن المجتمع الدولي لم يتحرك بشكل حقيقي ولم يُدن قمع السلطة إلا في بعض التصريحات الخجولة.
الحقيقة التي يجب أن نعترف بها قبل التحليق في الخيال، هي أن أي انتخابات بظل هذه السلطة لن تتوفر لها أي درجة من النزاهة أو الشفافية وفقا للمعايير الديمقراطية.
الكاتب الصحفي وائل قنديل قال إن الحالة المصرية لا تنبئ بخروج "سوار الذهب" من الجيش المصري.. هل تتفق معه؟
الأستاذ وائل قنديل من الرموز الوطنية الكبيرة التي وضعت قلمها لخدمة قضية الوطن، وأزيد على ما قاله أن الحالة المصرية لن يُصلحها "سوار الذهب"، بل ما سيصلحها هو "سوار" الجماعة الوطنية إذا امتلكت التواضع لتتوافق والعزم لتتحرك للأمام.
ولا أقصد بذلك أن أنفي أو أؤكد وجود وطنيين غيورين داخل مؤسسة الجيش ككل مؤسسة وككل فئات الشعب، وإنما ما أقصده أن مصر بلد كبير وأن التغيير المنتظر فيها هو تغيير جذري يصنعه كل الشعب ليكون أشد ثباتا في الأرض.
اتجاه الأوضاع الدولية نحو اليمين المتطرف، ما يجعل الاستبداد وفق مراقبين هو النموذج الأمثل لأجندتها في المنطقة.. ما هي انعكاسات ذلك على الأزمة المصرية؟
لا يُقلقني ذلك، فالسياسة الغربية تميل منذ قرن كامل إلى تفضيل الحكومات المستبدة في بلداننا، لكونها سهلة الاستجابة لتحقيق المصالح الغربية دون الدخول في التعقيدات التي قد تفرضها الديمقراطية.
فمثلا، ذكر لي مستشار لمسؤول كبير ببلد غربي أن مرور سفينة غربية تسير بالوقود النووي أو تحمل أسلحة نووية أو عبور طائرات عسكرية أجنبية عبر الأجواء المصرية لا يحتاج سوى لإخطار وتنسيق تقني. بينما لو وُجدت ديمقراطية في مصر فإن الأمور ستميل للتعقيد، لأن السلطة التنفيذية لن يُمكنها الإذن بالمرور أو العبور بسهولة دون العودة للبرلمان الذي ربما يحتاج لأسابيع لبحث أثر ذلك على البيئة أو السكان أو التحالفات المصرية مع دول الجوار إلى غير ذلك.
والمصالح الاقتصادية للنظام الدولي فرضت على مصر وضعا محددا بالنظام الدولي يجعل الاستبداد أكثر ملاءمة من وجهة نظر الحكومات الغربية، بغض النظر عن الميول السياسية للأحزاب التي تشكلها، سواء كانت يمينا أم يسارا أم يمينا متطرفا أم يسارا متطرفا.
إن إرادتنا الوطنية وحدها يُمكنها أن تبني نظامنا الديمقراطي، كما سبق وفرضت جلاء المحتل.
هل أصبحت المواقف الإقليمية والدولية جامدة وثابتة ولا فرص للثورة المصرية في التعاطي معها بشكل إيجابي؟
الثورة المصرية أشبه بالثورة الفرنسية، وظروفها التاريخية متشابهة، ومعاداة النظام الدولي ودول الإقليم لها والتدخل لإفشالها هو أمر حدث في الثورة الفرنسية.
لكن المسار الذي خطته الثورة الفرنسية منذ 1789 هو الذي ثبت في الأرض وأنتج الدولة الفرنسية الحديثة، رغم كثير من الأزمات والسقطات والانكسارات والعوائق بما فيها عودة الاستبداد لفترات.
والثورات الكبرى أشبه بتدفق مياه سيل يجرف كل شيء أمامه، فإذا أعاقه عائق التف حوله ثم يعود لمساره الأول، وثورتنا المصرية بدأت فقط في 25 يناير 2011، وكسبت جولة وخسرت أخرى، لكن ذلك لا يعني انهزامها كما يسوّق خصومها أو من يحملون روح الهزيمة.
البعض يتوقع أن يكون سقوط نظام السيسي مفاجئا ومروعا.. فكيف ترى سقوط النظام؟
السلطة القائمة تحمل كل سمات الفشل والسقوط، لكن المهم كيف نضمن أن لا يسقط الوطن بسقوطها. وما سيفرض سيناريو سقوط الاستبداد في مصر هو الجماعة الوطنية، فإما أن تتوافق وتصطف، وبالتالي ستضمن أن لا يجرنا رحيل هذه السلطة لكوارث جديدة، بل سيكون نهاية للكوارث وبداية للإصلاح أو أن تبقى على تشرذمها، فيصبح سقوط السلطة الحتمي بداية لنوع آخر من الكوارث.
الخلاصة؛ أن كافة الخيوط هي بيد الجماعة الوطنية التي عليها أن تُدرك واجبها التاريخي، وأن تُنحي ما بقي من خلافات جانبا، وأن يكون هدفها الواضح هو إنقاذ بلد كبير من سلطة تتلاعب به وبمستقبله.