هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
إن التشريع الإسلامي فيما وضع له من ضبط لحياة الإنسان وتوجيها لما فيه خيره يندرج ضمن التدبير الإلهي للكون الذي بمقتضاه يتحرك هذا الكون بكلّ ما فيه على أساس من الحكمة والقصد في اتجاه غائي هادف، وهو ما صوره قوله تعالى: (الأنبياء،16)؛ ولذلك جاءت أحكام الدين مبنية على مقاصد تهدف إلى تحقيقها، مثل كل مخلوقات الكون وحركاته في انبنائها على الحكمة..
يشهد علم المقاصد الشرعية طفرة فكرية وبحثية هامة خلال العقود القليلة الماضية تتجه إلى مزيد من البلورة والتخصص والتعميق تعبر عن ذلك تعدد الكتابات والأبحاث المقاصدية من جهة وتزايد الاهتمام بهذا العلم في الجامعات والمؤسسات العلمية في مختلف المجالات..
اتفقت كلمة المحققين من العلماء ـ سلفا وخلفا ـ على أن اعتبار المقاصد والكُليات في مناهج الاستدلال والاستنباط والإفتاء، هو نزولٌ عند مراد الشارع من بعثة الرسل وتشريع الأحكام، وعدّها كثيرٌ منهم شرطاً من شرائط الاجتهاد، حتى وسمها الإمام الغزالي رحمه الله، بـ"قبلة المجتهدين" التي لا يستقيم استنباطُهم إلا إذا ولوا وجوهَهُم شطرَها..
من الصعب الحكم على مستقبل المقاصد في فكر الإسلاميين، وذلك لتباين تجاربهم، ولعدم التساوي بينهم في تشغيل العقل المقاصدي، فضلا عن تسويغ الحاجة للنظر المقاصدي. لكن مع ذلك، يمكن أن نرصد بعض العلامات الفارقة في توجهات الإسلاميين المنهجية والأصولية، سواء على مستوى معرفي، أو على مستوى حركي سياسي.
ما من شك أن للجوء للمقاصد سياق فكري وسياسي لا يمكن أن تخطئه العين، فقد ارتبط من جهة بالتخلص من إرث فكر سيد قطب وتداعياته السياسية، كما ارتبط من جهة أخرى بخيارات الحركة الإسلامية السياسية وتوجهها نحو المشاركة السياسية، وما تطلبه ذلك من إعداد تأهيل فكري للمنظومة الفكرية والسياسية للإسلاميين.