نحن إزاء سيناريو كبير واحد مرجح هو التوصل لتفاهمات ما بين أنقرة وموسكو، ويتفرع عنه سيناريوهات أخرى فرعية يمكن اعتبارها الطريق أو الإرهاصات التي ستوصل إليها..
ذلك لا يعني أن مخرجات المؤتمر أتت تماماً وفق ما تريده أنقرة أو أنها تدعم مساعيها في ليبيا. فالمؤتمر قد عقد بشكل أساسي لإعادة الملف الليبي للوصاية الأوروبية قدر الإمكان، وسحب البساط من الثنائي الروسي- التركي، ومحاولة منع تركيا من إرسال قواتها لليبيا
الحسابات التركية إزاء عملية الاغتيال وما بعدها دقيقة وحساسة بين الشريك الاستراتيجي والجار اللدود، وهو ما دفع أنقرة لانتهاج مقاربة مكوّنة من عدة مسارات..
مهما تراجع الحزب الحاكم أو ضعف، فإن ذلك لن يؤدي لتغيرات كبيرة في المعادلة السياسية الداخلية طالما بقيت الرئاسة في يد أردوغان أو شخصية أخرى من نفس التيار أو قريبة منه في التوجهات والأفكار، من العدالة والتنمية أو من غيره من الأحزاب
مشهد مؤسف ظهر فيه حزب العدالة والتنمية الذي يقود البلاد منفرداً منذ 17 عاماً وكانت إحدى أهم ميزاته وحدة الصف وتماسك البنى، حين يتبادل كل من رئيسه المؤسس وقائده من جهة، ورئيسه الثاني وأهم منظرّيه سابقاً من جهة أخرى اتهامات تتعلق بالذمم المالية على الملأ
تتضمن زيارة أردوغان والقمة التركية-القطرية الأخيرة وما أبرم بين الجانبين من اتفاقات؛ رسائل واضحة للأطراف الخليجية المحاصرة أو المقاطعة للدوحة والمتستهدفة لأنقرة في المنطقة في عدد من القضايا والدول، بأن العلاقات مع الدوحة في أحسن حال..
استمرار العلاقات التركية- الأمريكية في المستقبل المنظور على ما هي عليه اليوم ومنذ سنوات عديدة، أي التأرجح بين التأزيم والانفراجات النسبية على قاعدة من فجوة الثقة المتبادلة والخلافات والاختلافات حول قضايا عديدة في السياسة الخارجية، وعدم مراعاة واشنطن لحساسيات أنقرة وتحفظاتها المتعلقة بأمنها القومي
إلى جانب المصلحة الروسية (وبشكل مشابه الإيرانية) الواضحة بفتح علاقات مباشرة بين دمشق وأنقرة، العاصمة الأخيرة تقريباً الداعمة للمعارضة السورية، ترى نسبة لا بأس بها من النخبة السياسية والإعلامية التركية، من أحزاب وسياسيين وباحثين أن مصلحة بلادهم تتلاقى مع مصلحة الأسد بإفشال مشروع الانفصال والتقسيم
المسار الهادئ للعملية التركية حتى اللحظة لا ينفي تماماً فرضية سيناريو الاستدراج للاستنزاف الذي تبقى احتمالاته قائمة، وإن كانت ضعيفة وفق المعطيات الحالية، وهي احتمالات ستزيد كلما طالت العملية وتعمقّت.
تبقى الورقة الأقوى والأنجع في يد أردوغان والعدالة والتنمية هي الورقة الداخلية، أي العمل على التجديد والتغيير بشكل حقيقي وملموس لدى رجل الشارع، على صعيد الأشخاص والخطاب والسياسات والتحالفات وغيرها..
حرص الزعماء الثلاثة على تقديم خطاب إيجابي ومتفائل، والتأكيد على توافقهم واتفاقهم وإنجاز القمة في ما يتعلق بالملف السوري، لكن المخرجات ليست بالضرورة متطابقة تماماً مع هذه الصورة
لم يعد الأمر محض تكهنات أو أحاديث خلف الكواليس، وإنما حقيقة ماثلة تنتظر الوقت المناسب: ثمة أحزاب سياسية ستخرج للعلن قريباً من رحم حزب العدالة والتنمية، الذي كان أكثر ما عُرف عنه لسنوات طويلة؛ وحدة الصف وتماسك جبهته الداخلية خلف زعيمه المؤسس رجب طيب اردوغان
الأوضاع في إدلب مرشحة للعودة إلى الحلقة المفرغة التي كانت عليها: قصف من النظام وروسيا، وصمود من المعارضة، وضغط على الحاضنة الشعبية، واستهداف للبنى التحتية ومقومات الصمود، واستمرار سيطرة هيئة تحرير الشام، في انتظار تغير جذري..