نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للكاتب جيمس ماكولي حول
الانتخابات الرئاسية الفرنسية، يقول فيه إن هذه الانتخابات تمثل بالنسبة للبعض فرصة لتغيير مسار بلد يعاني من الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية، وأما بالنسبة لآخرين فإن هذه الانتخابات ستغير مسار قارة مضطربة، ما يشكل تحديا لفكرة التكامل الأوروبي.
ويقول ماكولي: "في
فرنسا ذاتها هناك شيء أقل نظرية وأكثر خصوصية على المحك، ففي بلد لا تزال رسميا في (حالة طوارئ) بعد موجة إرهاب غير مسبوقة في العامين الماضيين، فإن الانتخابات أصبحت أيضا استفتاء حول المسلمين ومكانهم فيما قد يعد أكثر المجتمعات متعددة الثقافات قلقا في أوروبا".
ويضيف الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، أن "كلا من المرشحين الرئيسيين الخمسة -من الطيف الأيديولوجي كله- شعروا بالحاجة للحديث حول (قضية المسلمين) وماذا يمكن فعله مع أكبر أقلية دينية في البلد، قبل الجولة الأولى من الانتخابات".
وتشير الصحيفة إلى أن مرشحة اليمين المتطرف مارين
لوبان أوضحت موقفها عندما أعلنت عن ترشحها، حيث انتقدت في شباط/ فبراير "العولمة الإسلامية"، ووصفتها بأنها "الأيديولوجيا التي ستجعل فرنسا تجثو على ركبتيها".
ويستدرك ماكولي بأنه "مع أن منافسي لوبان مختلفو المشارب، ولا يتفقون كلهم مع تطرف لوبان أو قناعاتها، إلا أنهم جميعا يتفقون على أن هناك ما يجب فعله عندما يتعلق الأمر بالمسلمين، حيث قال مرشح المحافظين فرانسوا فيون، في شهر كانون الثاني/ يناير: (أريد ضبطا إداريا قويا للديانة الإسلامية)، في الوقت الذي تحدث فيه المرشح المستقل إيمانويل ماكرون، الذي يحظى بشعبية جيدة، عن الحاجة الماسة (لمساعدة المسلمين لإعادة هيكلة الإسلام في فرنسا)".
وتلفت الصحيفة إلى أن مرشح جبهة اليسار جان لوك ميلانتشون، الذي يشجب
الإسلاموفوبيا، يريد في المحصلة أن يقضي على "الاستقلالية الطائفية"، وتحدث عن ضرورة "وضع حد للنفقة العامة على التعليم الخاص الطائفي"، مشيرة إلى أن المرشح الوحيد الذي كان يدافع دائما عن مصالح المجتمع المسلم في فرنسا هو المرشح الاشتراكي بونوا هامون، الذي يصر – في العام الذي أثيرت فيه فضيحة البوركيني– على أن يحمي القانون الفرنسي "كلا من الفتاة التي تلبس الشورت، وتلك التي تريد أن ترتدي غطاء على رأسها".
ويقول الكاتب إن الرأي العام أصبح كثير التشكك في السكان المسلمين الذين عاشوا في فرنسا على مدى قرون؛ لأن من قاموا بالهجمات الإرهابية يحملون جوازات سفر أوروبية، وينتمون لتنظيم الدولة، أو كان التنظيم ملهما لهم.
ويستدرك ماكولي بأنه "بالرغم من التنوع المعقد لذلك المجتمع، إلا أن هناك خوفا سائدا من أن فوز لوبان أو فيون سيؤدي إلى تدهو الوضع بشكل كبير، حيث يتوقع أن يحاربا الحجاب والمساجد والمنظمات الإسلامية باسم علمانية الدولة، بالإضافة إلى أن البدائل أيضا يتركون إحساسا بالاستسلام المر: فقليل من المسلمين الفرنسيين يرون مرشحا سيغير الوضع الراهن، الذي يراه الكثير غير قابل للاستمرار".
وتنقل الصحيفة عن لاورلا لوب، وهي مواطنة فرنسية من الجيل الخامس وأستاذة الأدب العربي في كلينتشي في إحدى ضواحي باريس، قولها: "ليست هناك حملة لأجلنا، لا أحد يفهم وضعنا"، وكانت تنتظر الدخول إلى اجتماع سنوي كبير للمسلمين الفرنسيين، يعقدونه في عدة مخازن كبيرة بالقرب من مدرج مطار لو بورجيه.
ويورد المقال نقلا عن حكيم الكاروعي، وهو مؤلف تقرير حول الإسلام في فرنسا عام 2016، الذي نشره معهد "مونتيغني" في باريس، قوله إن النتيجة هي أن الامتناع عن التصويت زاد بين المسلمين الفرنسيين، وأضاف أن السبب الرئيسي هو الموقف المتصلب "ضد الإرهاب"، الذي تبنته إدارة الرئيس فرانسوا هولاند، خاصة رئيس وزرائه السابق مانويل فالس، الذي اشتهر عنه اضطهاد البوركيني الصيف الماضي، ما أثر في الرغبة بين المسلمين الفرنسيين لدعم اليسار في انتخابات 2017، كما يفعلون في العادة.
ويقول الكاروعي للصحيفة: "كان اليمين دائما ضد المسلمين والمهاجرين.. لكن مع فالس يبدو الأمر وكأنه تخلى عن صورة حياد اليسار بين المسلمين، وأعطاه اسما ساما".
ويبين الكاتب أن "من بين أهم ما يقلق المسلمين قانون الطوارئ، الذي فرضه هولاند في اليوم الذي تلا هجوم باريس في تشرين الأول/ نوفمبر 2015، اسميا لمكافحة الإرهاب، ومن المفروض أن تنتهي فترة التدقيق مع نهاية الصيف، لكن القانون استمر لمدة أكثر من 16 شهرا ولم يقترح إنهاءه إلا واحد من المرشحين هو ميلانتشون".
وتنوه الصحيفة إلى أنه منذ فرض القانون فإنه سمح للسلطات الفرنسية بالقيام بأربعة آلاف تفتيش دون مذكرة محكمة في بيوت فرنسية، وتم وضع أكثر من 700 شخص تحت الإقامة الجبرية.
ويستدرك ماكولي بأن "الكثير من المسلمين يقولون إنهم كانوا مستهدفين دون وجه حق، وبحسب الجمعية الفرنسية ضد الإسلاموفوبيا، فإن 400 مسلم فرنسي أخبروها عن تفتيش بيوتهم عام 2016 دون أسباب واضحة، وحوالي 100 منهم فرضت عليهم الإقامة الجبرية، في الوقت الذي طلب فيه من 30 شخصا مغادرة البلد، وكانت النتائج للبعض رهيبة".
وبحسب الصحيفة، فإن دريسيا تروي أنها أفاقت الساعة الرابعة والنصف صباحا يوم 3 كانون الأول/ ديسمبر على طرق الباب، وعندما فتحته وجدت 10 رجال شرطة، ثلاثة منهم ملثمون قاموا بتفتيش شقتها حتى الساعة السادسة صباحا، وقالوا لها ولابنتها، التي تبلغ من العمر 7 أعوام، إن كل شيء على ما يرام، لكن كانت تلك هي بداية الكابوس، حيث تم فصلها بعد ستة أيام من عملها، الذي عملت به لمدة 15 عاما، منظمة لأمن حركة السير، وعلمت فيما بعد عن طريق محاميها بأن السبب هو أن أحد المسؤولين في المنطقة قال إن لديه معلومات سرية تثبت بأن بعض أقاربها يشكلون تهديدا لأمن الموظفين وسلطة "مونت بلانك" للمواصلات.
وينقل المقال عن دريسيا، قولها إنها لا تعرف من هؤلاء الأقارب، مشيرة إلى أنها كسبت القضية في المحكمة، لكن ذلك لم يمنع الصحف أن تكتب عنها عناوين جارحة، مثل "سلطة المواصلات تفصل موظفة متطرفة".
ويخلص ماكولي إلى القول: "مع أن المسلمين أصبحوا في قلب الحملات الانتخابية الفرنسية، إلا أنهم قليلا ما يشملون في المناظرات المتعددة التي يقيمها المرشحون غير المسلمين، الذين يسعون ليكونوا رؤساء لهم".