قام متطرف يحمل شهادة "دبلوم صنايع" من مدرسة فنية بعملية إرهابية في القاهرة، فخرج الإعلام الموالي للرئيس السيسي عقبها مباشرة: هذا نتيجة مناهج الأزهر؟!، وحدث قبلها وبعدها عشرات العمليات الإرهابية، جميعها لأشخاص لا صلة لهم بالأزهر ولا مناهج الأزهر ولا شيوخ الأزهر، وكلهم من نتاج التعليم المدني الفاشل للحكومة، ومن نتاج الإعلام الرسمي الفاشل للحكومة، ومن نتاج الفن التخريبي المعتمد والمحبب للحكومة، ومن نتاج السياسات الأمنية الفاشلة المروعة التي تنتهجها الحكومة في مراكز الاحتجاز المختلفة وفي السجون، لكن كل تلك الحقائق لم تمنع أن تنشأ الغارة الإعلامية عقب أي عملية إرهابية لإدانة الأزهر بطريقة فجة وأحيانا بذيئة وتحميله المسئولية عما جرى.
الظاهرة الواضحة في مصر طوال السنوات الماضية هي البحث عن "شماعة"، عن "مشجب" تعلق السلطة عليه أخطاءها وفشلها وسوء إدارتها للأزمات، وتهرب من خلاله من المسئولية عن أخطائها تلك وتحملها لآخرين، وفيما يتعلق بالإرهاب استسهل كثيرون في مصر فكرة أن يتخذوا من الأزهر وشيخه شماعة.
والحقيقة أنه من الصعب أن تجد مبررا واضحا للخصومة التي تتخذها السلطة تجاه الأزهر وشيخه هذه الأيام، وطوال الفترة الماضية، لا يوجد أي سبب منطقي، فلا شيخ الأزهر يتقمص دور المعارضة، ولا الأزهر يتدخل في سياسات الدولة الرسمية تنديدا أو تشهيرا، ربما في موقف واحد فقط رأى الأزهر أنه يمثل خطأ من الناحية الدينية المحض، وهو المتعلق بالطلاق الشفهي، وهي مسألة غير مسيسة، وإن حاول البعض تسييسها، كما كان للشيخ الطيب موقفه المتحفظ والغاضب من الإيغال في الدماء الذي وقع عقب إطاحة الرئيس الأسبق محمد مرسي قبل أربع سنوات، وغير ذلك، فلا يوجد أي مبرر مفهوم لتلك الحملة على الأزهر، خاصة أن الأزهر تحدث مرارا عن قضايا الإرهاب وندد بها، وبرأ الإسلام من هؤلاء الذين يرتكبونها باسمه.
كما قدم الأزهر دراسات ومقالات وفتاوى كثيرة جدا على مدار السنوات الماضية كلها لتفكيك فكر التطرف والتكفير والإرهاب كما أنشأ مؤسسات تشاركية مع الكنيسة لاحتواء الأزمات الطائفية منع استغلالها سياسيا، وللأمانة فإن الأزهر هو أكثر مؤسسة مصرية واجهت الإرهاب، وهو أنشط مؤسسة مصرية قامت بدورها في هذا الصدد، ومع ذلك، يصر إعلام الرئاسة على الهجوم عليه وتحميله المسئولية عن أي طلقة رصاص يطلقها إرهابي في أي متر من أرض مصر.
معامل تفريخ الإرهاب في مصر يعرفها الجميع، ووضعت فيها آلاف الدراسات والأبحاث الأمنية والحقوقية، داخل مصر وخارجها، وهي "معامل" لا شأن للأزهر بها، فلا هو من المشغولين باستيراد تلك "الأجهزة" والأدوات ولا هو يشرف على السجون وما يجري فيها، والثغرات الأمنية التي يضرب من خلالها الإرهاب معروفة للجميع الآن، والأزهر غير مسئول عنها، والاقتصاد الضائع والمنهار وبؤس الحياة والفقر والإحباط والبطالة وغلق المصانع وإهدار مال الدولة في مشروعات فاشلة وغير مثمرة مما يمثل بيئة نفسية نموذجية مؤهلة لاستقطاب الغاضبين ومن ثم الإرهابيين ليس نتيجة لسياسات اقتصادية وضعها الأزهر، وإنما سياسات وضعتها وتشرف عليها مؤسسات أخرى تملك القرار والسلطة، والسياسات الإعلامية التي تخنق الرأي المعارض وتلاحقه، وتمنع ظهور أي قنوات أو منابر سوى ما تسبح بحمد السلطة والرئيس وتفجر الغضب والكراهية، لم يصنعها الأزهر ولم يضعها الأزهر، وإنما وضعتها السلطة التنفيذية وتغدق عليها، والإذاعة والتليفزيون والسينما التي تعمل تحت إشراف مباشر أو غير مباشر للسلطة وتطرد وتلاحق أي فنان أو سينمائي يقول : لا، كل منتجاتها التي تصنع العقول وتشكل الوعي والوجدان على مدار الساعة، ليست مسئولية الأزهر، وإنما مسئولية السلطة.
ماذا يفعل الأزهر أمام كل تلك السياسات الخاطئة والإهمال والفشل في مستويات عديدة للدولة، ماذا يفعل الأزهر إذا كان يبني وغيره يهدم ما يبنيه، ماذا يفعل الأزهر وشيوخ الأزهر إذا كانوا يجدون أنفسهم، هم أنفسهم، تحت التهديد والتشويه والملاحقة والاتهام والسفه الإعلامي والسياسي من بعض الجهلة والدهماء والتافهين ممن وسدوهم منابر إعلامية كبيرة.
للسيسي مقولة شهيرة أيام مرسي : الجيش نار لا تلعبوا بها ولا تلعبوا معها، وقد آن الوقت الذي نستعير فيه مقولته تلك، ولكن للتحذير من اللعب مع الأزهر أو اللعب به، فهو لعب بالنار، خطير للغاية، الأزهر هو "السد العالي" الديني في هذا البلد، الذي يحميها من الطوفان، وأي محاولة للعب به أو كسره أو إضعافه أو تفريغه من قوته الروحية والعلمية واستقلاليته يعني إغراق مصر في فوضى دينية واجتماعية لن تبقي ولن تذر، وتهدد مصر وجوديا، ولن تستطيع سلطة أن تعوضه ولا أن توقف توابع انهياره الرهيبة.
المصريون المصرية