قدم التدخل
الإيراني العسكري المباشر في بؤر الصراع المشتعلة في كل من العراق وسوريا واليمن أدلة وبيانات صريحة على جدية "الخطر الإيراني" المحدق بالعالم العربي وفقا لباحثين ومراقبين.
وارتفعت أصوات هنا وهناك تحذر من الخطر الإيراني الداهم، وتطالب بضرورة مواجهته بكل السبل الممكنة والمتاحة، باعتباره الخطر الأكبر الذي يهدد الوجود العربي السني برمته، مستشهدين بالجرائم الدموية التي ترتكبها ميليشيات الحشد الشعبي، وغيرها من الميليشيات الشيعية الأخرى في مناطق السنة العرب.
وفي غمرة المواجهات المفتوحة مع "الخطر الإيراني"، وقع ما وصفه مدير عام وكالة قدس برس، حسن حيدر بـ"محاولة تأخير خطر الاحتلال الصهيوني، وتقديم ما بات يعرف بـ"الخطر الإيراني"، معتبرا ذلك "من أخطر ما يواجه القضية
الفلسطينية هذه الأيام".
وأشار حيدر إلى أن "سلطة الاحتلال الصهيوني بدأت في الوقت الراهن بطرح نفسها كجزء من "التحالف السني" ضد "التحالف الشيعي" بقيادة إيران.
وجوابا عن سؤال "
عربي21": "هل يعني ذلك أن الخطر الإيراني ليس خطرا حقيقيا على العالم العربي؟"، قال حيدر: "بالتأكيد توجد إشكاليات حقيقية مع إيران، وهي مشاكل سياسية، يمكن حلها بالحوار، وإيران دولة قديمة في المنطقة، لكن دولة الاحتلال طارئة، ولا يمكن التعامل معها إلا بإزالتها من المنطقة".
وأكدّ حيدر أن "خلافاتنا الحالية مع إيران خلافات سياسية في الأساس، وليست خلافات مذهبية عقائدية، والتخوف من انتشار المذهب الشيعي الاثنا عشري في أوساط أهل السنة مخاوف وهمية".
وأضاف: "المخاوف التي تُثار من تشييع أهل السنة مبالغ فيها جدا، وغير حقيقية، فالتشيع بالمعنى الديني العقائدي نادر الوقوع، وإن كان ثمة تشيع سياسي نظرا لموقف إيران الداعم لحركات
المقاومة، لكن الأحداث الأخيرة ساهمت في تغيير مواقف الكثيرين".
وأوضح أن كثيرا من المؤيدين لمشاريع إيران السياسية في المنطقة ليسوا من الإسلاميين، بل هم من اليساريين العرب، ومواقفهم تلك ليست دينية مذهبية.
وحذر حيدر من أنه "لا خطر ولا تحدي يواجه حضارتنا العربية، بل والحضارة الإنسانية برمتها، كخطر احتلال الحركة
الصهيونية لفلسطين، وأن أي محاولات لخلق أعداء وهميين، هي جزء من مشروع تطبيعي خطير مع الاحتلال".
وتابع: "وهو حرف للبوصلة، وأن أخطر ما يطرح في حكاية "الخطر الإيراني" هو الخطر على "عقيدة أهل السنة""، لافتا إلى أننا "لو أردنا فتح النقاش في هذه القضية بشكل جدي فسنجد أنظمة عربية "سنية" أكثر تورطا من إيران"، على حد قوله.
برؤية مغايرة رأى رئيس وحدة الدراسات الإيرانية بمركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية، نبيل العتوم أن الخطر الإيراني بات يوازي الخطر الصهيوني، بعد التدخل الإيراني العسكري المباشر في الصراعات العسكرية المشتعلة في المنطقة.
وأوضح العتوم لـ"
عربي21" أن "إيران باتت صاحبة نفوذ كبير في المنطقة، ولها مشروعها الذي تسعى من خلاله لإقامة دولة إقليمية عظمى، بعد دخولها للعالم العربي من باب الأزمات والتنظيمات مستغلة جملة من المتغيرات الإقليمية".
وذكر العتوم أن إيران استغلت سقوط العراق واحتلاله عام 2003، ونتيجة تفاهماتها مع أمريكا، قدمت لها الأخيرة العراق على طبق من ذهب، ما جعلها تتعامل مع العراق وكأنه تحت وصايتها، الذي اتخذته منطلقا لتهديد الأمن العربي القومي".
وأضاف الخبير الأردني في الشؤون الإيرانية: "استغلت إيران الأزمات الإقليمية، ودخلت إلى المنطقة عبر تلك الأبواب، ووقفت إلى جانب النظام السوري، في رحلة العبور إلى المتوسط لإحكام قبضتها على المنطقة، وتحقيق طموحها بمشروعها الإقليمي التوسعي".
وبيّن العتوم أن إيران استغلت بقوة الحرب المعلنة على الإرهاب، وخاصة تنظيمات السلفية الجهادية المختلفة، للدخول كشريك في تلك الحرب، مما أعطاها حضورا قويا، ومكنها من القيام بدور فاعل ومؤثر.
وحول مدى تأثير "الخطر الإيراني" على المنطقة، وتداعياته على القضية الفلسطينية كقضية مركزية في العالم العربي، أكدّ العتوم أن الخطر الإيراني الداهم أفضى إلى تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية عربيا، لمواجهة ذلك الخطر المحدق بالدول العربية بشكل جدي وحقيقي.
وحذر العتوم من طبيعة العلاقة التي تقيمها إيران مع فصائل المقاومة الفلسطينية، لأنها في النهاية تريدها أن تبقى تحت جناحها، وتنفذ ما تمليه عليها من سياسات وتوجهات، لافتا إلى مطالبة إيران للفصائل الفلسطينية بالانخراط في القتال مع النظام السوري، وهو ما رفضته حركة حماس، ما أثر سلبيا على علاقتها مع إيران.
وتحدث العتوم عن أن إيران طالبت بإحداث تغيير في حركة حماس، لإقامة علاقات جديدة معها، مشيرا إلى أنها في سبيل ضغطها على حماس زادت دعمها لحركة الجهاد الإسلامي نكاية بحماس.
ووفقا للعتوم فإن إيران في سياق ضغطها على حماس، باتت تبحث عن إيجاد بدائل أخرى، كإنشاء كيانات تنظيمية جديدة، كحركة الصابرين، وحزب الله الفلسطيني، كحركات موازية لحركة حماس.
وردا على سؤال: "هل الخطر الإيراني سيسهل مهمة إسرائيل في المشاركة بـ"التحالف السني" لمواجهة "التحالف الشيعي"؟"، قال العتوم: "بدأت أمريكا مؤخرا بالحديث عن التحالف السني لمكافحة الإرهاب، وفي الوقت نفسه لمواجهة الخطر الإيراني في المنطقة".
بدوره رأى الباحث في الشؤون الإسرائيلية، صالح النعامي أنه "لا مقارنة بين الخطر الإيراني والصهيوني، إذ إن الخطر الإيراني على الرغم من مفاعيله السيئة جدا في
سوريا والعراق واليمن، إلا أن دوافعه بالأساس جيواستراتيجية، مع توظيفه بالطبع للبعد المذهبي".
وفي سياق حديثه لـ"
عربي21" عن أسباب نجاح إيران اعتبر النعامي "استغلال إيران للفراغ الذي تركته القوى العربية "السنية"، أحد الأسباب المهمة.
وأشار إلى وجود نقاط ضعف كثيرة لدى إيران، من أهمها أنها مستنزفة بسبب مواجهتها لتحديات كبيرة، أزمة اقتصادية، اضطرابات داخلية، والأهم من ذلك تربص غربي، وتحديدا أمريكا، مما يقلص من قدرتها على المناورة.
وأرجع النعامي أسباب تقاطع إيران مع قوى المقاومة "بشكل حقيقي" إلى البعد الرسالي الذي تتشبث به إيران، من خلال استنزاف الجهود الصهيونية، لافتا إلى "أن البرنامج النووي الإيراني يعد بحسب التقدير الإسرائيلي التحدي الاستراتيجي الأكبر، حيث تعتبر مواجهته التحدي الذي يستقطب معظم الأمني والاستخباري الصهيوني"، طبقا لوصفه.
ووفقا للباحث الفلسطيني في الشؤون الإسرائيلية فإن "إيران بفعل "البعد الرسالي" تقدم عونا حقيقيا للمقاومة الفلسطينية".
ومن واقع معرفته بالمشروع الصهيوني، ذي الطابع الإحلالي الذي قام على اغتصاب فلسطين، قال النعامي: "إن أخطر ما في الأمر أن الصهاينة يرون في كل مشروع نهضوي للأمة، يمكن أن يمتلك أي من مقومات القوة (بصرف النظر عن توجهات القائمين عليه: إسلامية، علمانية، سنة، شيعة) يشكل تهديدا مباشرا لهم".
وبناء على ذلك، بحسب النعامي "قصف العراق سابقا، وهو يتربص بإيران ويضغط لمنع تزويد السعودية والإمارات بسلاح أمريكي نوعي".
ورأى النعامي أن "مواجهة الخطر الإيراني لا تبرر للعرب التعاون مع الكيان الصهيوني، لأنه يوظف هذا التعاون في التشبث بالاحتلال، وتهويد الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة".
وخلص النعامي إلى القول "إن أخطر ما يعكسه التعاون العربي مع إسرائيل في إطار ما يعرف بـ"المحور السني"، أن مفاعيله لا تقتصر على إيران وحدها، بل تتجلى على أشدها ضد قوى المقاومة العربية السنية، لا سيما حركة حماس.