يواجه الجنرال المنقلب على رئيسه عبد الفتاح السيسي خيارات صعبة وأخرى مستحيلة في ظل وجوده على رأس السلطة المغتصبة منذ ثلاث سنوات.
لم يعد الأمر مجرد حملات سياسية أو دعائية من جانب الثوار أو مؤيدي الشرعية بل بات واضحا أن وجود عبد الفتاح السيسي في السلطة في مصر يكلف مصر والإقليم وربما العالم كلفة مرتفعة جدا.
الكلفة مرتفعة سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو المجتمعية أو حتى الفكرية والثقافية والدينية التي لم تسلم هي أيضا من عبث الجنرال المنقلب.
ما حدث قبل يومين (يوم الأحد الأسود 10 إبريل 2017) لن يكون الأخير كما بشر السيسي أتباعه عقب كل تفجير أو عمل ارهابي أو مصيبة تحل بالبلاد، ولا أظن أن السيسي يمكنه أن يعيش بدون هذه الأحداث التي جاء بها أو صنعت من أجل بقائه وهي في الحقيقة سر بقائه.
عقب كل مصيبة يخرج السيسي مكفهر الوجه، مقطب الحواجب، مرتديا بزته السوداء مكررا نفس عباراته القديمة "احنا كنا عارفين.. أنا قلت لكم يا مصريين".. وهكذا من هذه الترهات التي لا يسعفه قاموسه التعليمي إلا بها.
في عام 2017 وخلال مائة يوم فقط وقعت 42 حادثة "إرهابية" في سيناء، وهذا الرقم وفقا لرصد قمنا به في برنامج (مع زوبع) من خلال متابعة صفحة المتحدث العسكري للانقلاب. هذا الرقم يفوق عدد العلميات التي وقعت في سيناء خلال عامي 2015 و2016 (مجموع العمليات 37 عملية).
ورغم ذلك خرج الجنرال قبل أن يحج للبيت الأبيض معلنا أن الوضع تحسن في سيناء، ثم عاد ليمن على المصريين عقب حوادث الأحد الأسود 10-4-2017 أن نجاح الشرطة والجيش في سيناء هو الذي دفع بالعناصر الارهابية لاستهداف المدن، ثم يفاجأ الرأي العام المصري والعالمي يوم الاثنين 10-4-2017 أي عقب تصريحات الجنرال الكاذبة بيوم واحد بوقوع حادثة جديدة في مدينة العريش في سيناء قتل على إثرها سبعة من الجنود والضباط المصريين.
نعود إلى الإجراءات التي عادة ما يتخذها السيسي بعد كل عملية من هذا النوع، وتتلخص في الظهور الإعلامي والتنديد والوعيد وربما البكاء والعويل، والتهديد والتنديد بالأزهر ودوره المتراجع في مقاومة الإرهاب أو تجديد الخطاب الديني، ثم تذكير الناس بدور الجيش والشرطة في تلقي الضربة نيابة عن الشعب دون إجراء أي تحقيق لأي من تلك الحوادث التي تكررت وتتكرر بشكل غير مسبوق.
جزء من فلكلور ما بعد التفجيرات هو تصفية الشباب المحتجزين في السجون وأقسام الشرطة عقب هذه الأحداث، أو تغليظ الأحكام على المعتقلين أو تحريك بعض نواب برلمان الدم من أجل إصدار قوانين جديدة لتسريع الحكم على الأبرياء وتقليص فرص الاستئناف والنقض على الأحكام الجاهزة الصنع.
الجديد في هذا الفلكلور هو الهجوم المباشر على شيخ الأزهر ليس من قبل علماء السلطة وحسب ولكن من قبل إعلاميين مسيحيين متعصبين مثل المذيع أسامة منير الذي اتهم شيخ الأزهر بالتقصير وربما بالتآمر بتركه المناهج بدون تعديل أو تصويب، والقس عبد المسيح بسيط الذي ظهر على الشاشات مرددا نفس كلام المذيع أسامة منير بينما شنت لميس الحديدي وأحمد موسى حملة شعواء على شيخ الأزهر شخصيا.
السؤال المحير مرة أخرى: لماذا تتكرر الحوادث ذات نفسها وبنفس الطريقة في عهد رجل ينتمي إلى المؤسسة العسكرية ووصفه أتباعه بأنه دكر وقوي وشجاع ووعد هو بنفسه بالقضاء على الإرهاب في ظرف زمني قصير؟ هل هو حقا عاجز رغم الدعم الأمني الهائل المقدم له من دول لها باع في القضاء على المعارضة السياسية مثل روسيا أو لديها تقنيات مختلفة في مكافحة الإرهاب مثل بريطانيا وأمريكا وحتى دول الخليج التي لديها خبرة في هذا المجال وخصوصا السعودية؟ أم إن السيسي يلعب بالورقة التي يملكها وهي ورقة تجديد أو إصلاح الدين ومجابهة الإرهاب كما يحلو له تسمية الموضوع؟
الواضح أن السيسي ليس لديه، ولم يكن في يوم من الأيام لديه وربما أجزم بأنه لن يكون لديه في مقبل الأيام خطة لبناء مصر ونهضتها ، وربما كان التفسير التآمري هنا أقرب للواقع فالسيسي لا ينفك في أحاديثه وحواراته عن الحديث في الإرهاب والدين والكيان الصهيوني، ولم تلحظه عيوننا ولو مرة يتحدث عن بناء دولة حديثة، بل لو قمت بتفكيك كل خطاباته فإن ما يزيد على تسعة وتسعين في المائة منها يدور في فلك الكلمات الثلاث: الدين والإرهاب والكيان الصهيوني.
لو تابعت تحركات السيسي الداخلية ستجده برفقة الجنرالات دائما، وأحيانا يضاف لهم رئيس جهاز المخابرات العامة أو رئيس جهاز الرقابة الإدارية وكلهم أيضا يحملون رتبا عسكرية، وفي زياراته الخارجية والتي من المفترض أن تحمل أجندة تعاون من أجل التنمية نجد وزير المخابرات العامة هو رقم واحد في الوفد المرافق له.
تراجعت السياحة وتضاءل الأمل في جلب الاستثمارات الأجنبية وبيعت الجزر وجف النيل أو كاد يجف وتراجع الإنفاق على الصحة والتعليم وازداد حجم الديون المحلية والخارجية، ولم ينتج الجنرال سوى الخراب، لذلك فلا خيار أمامه سوى الاستمرار في تبني نفس الاستراتيجية الفاشلة لعلها تنتج تعاونا دوليا قد ينتهي باحتلال مصر أو جزء منها.
خيارات السيسي قليلة ولعل أهمها هو الاستمرار حتى تقع مصر فريسة للحرب الأهلية ويتم استدعاء الخارج أو تتخلص من المؤسسة العسكرية ضمن صفقة إقليمية لا تتيح للشعب أن يحكم نفسه أو تكون له إرادة أو أن يستمر السيسي لثلاثين عاما مقبلة وتتخلف مصر قرونا عدة.
ربنا يستر.