نشر معهد واشنطن للدراسات تقريرا، تحدث فيه عن علاقة
السعودية بأمريكا في عهد الرئيس الجديد دونالد
ترامب.
وجاء في التقرير الذي كتبه ناثان فيلد: "كلّل الاجتماع الذي انعقد مؤخرا بين الرئيس ترامب وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد
بن سلمان في المكتب البيضاوي بنجاح كبير. وقد وصف السعوديون الاجتماع بأنه "نقطة تحوّل تاريخية" طبعت "تغيرا مهما في العلاقات في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية كلها".
وأضاف: "كوني أمضيت عامين في السعودية مستشارا، وراقبت ردود الفعل في أرجاء المملكة، أرى أنّ التفاؤل حقيقي. فإنّه لمن المنطقي تماما أن يبدأ ترامب ولايته بحكمة؛ من خلال إحياء علاقة ذات منفعة متبادلة مع الحكومة السعودية، بعد التدهور الذي شهدته خلال إدارة أوباما، نظرا إلى أنّ البلدين يتشاركان مصالح أساسية في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية".
سياسيا
وأشار إلى أن "السعودية هي نفسها ولم تتغير. ويمكن للولايات المتحدة أن تنتهج إحدى المقاربتين التاليتين تجاه الحكومة السعودية: فبإمكانها أن تعامل السعوديين على أنهم حليف أساسي، أو لا. لكن لا تخطئ في هذا الشأن، فأي من الخيارين يؤدي إلى نتائج متوقعة حول كيفية تفاعل السعوديين ومدى استعداداهم لمساعدة الولايات المتحدة".
وبين أنه "ومن خلال إحياء العلاقة التقليدية، يدرك الرئيس ترامب ما هو بديهي. المملكة هي البلد الأهم بين الدول العربية في الشرق الأوسط. ويُعزى ذلك جزئيا إلى دورها كمصدّر للنفط ونفوذها الذي يؤثّر على الاقتصاد العالمي. ويعود السبب في ذلك أيضا إلى هيبتها الدينية وتأثيرها؛ نظرا إلى أنها تسيطر على الأراضي المقدسة للإسلام، ما يجعل السعوديين قادة العالم المسلم السنّي بحكم الأمر الواقع. فضلا عن ذلك.
غير أنه خلال عهد الرئيس أوباما، في إطار مسعى إدارته إلى إبرام اتفاق نووي مع إيران، اعتمدت الولايات المتحدة موقفا معاديا أساسا للسعودية، كما يشير التقرير.
ويبين أنه من خلال اعتماد مقاربة أكثر براغماتية وتقليدية، يعني موقف الرئيس ترامب الجديد أن الولايات المتحدة على استعداد تام للحصول على تعاون أكبر بكثير في مسائل أساسية تعتبرها مهمة.
أمنيا
وفي ما يخص المسألتين الأمنيتين الأساسيتين اللتين تواجهان المنطقة، أي الإرهاب الجهادي والمقاربة العامة تجاه إيران، يبدو أن الطرفين على الموجة نفسها عموما.
ويشير التقرير إلى أن "السعوديين والأمريكيين على السواء يشكّلون أهدافا للجماعات الجهادية على غرار "داعش" و"القاعدة".
وحتى أن تعليقات ولي ولي العهد الأمير محمد، الداعمة لسياسة حظر السفر المؤقتة التي انتهجها الرئيس ترامب، لا يمكن أن تُعدّ مفاجئة. وقد أشارت القراءة إلى أن "الحظر لم يستهدف المسلمين". وحتى أنه تمّ وصف الرئيس ترامب على أنه "صديق حقيقي للمسلمين، وسيخدم العالم المسلم بطريقة لا يمكن تصوّرها".
وقال إن السعودية تدعم إلى حدّ كبير الرئيس ترامب لجهة موقفه من إيران. ولا شكّ في أنّ إدارة أوباما كانت مقتنعة حقا بأنّ إبرام اتفاق مع إيران سيحمل في نهاية المطاف بعض النتائج الإيجابية للمنطقة.
غير أن عملية محاولة إبرام اتفاق مع إيران لم تساهم في الاستقرار الإقليمي. ففي الواقع، حصل عكس ذلك. أولا، كانت الولايات المتحدة هي المصرة على إبرام الاتفاق أكثر من إيران. وقد دفع ذلك بطهران (وهي محقة) إلى الاعتقاد بأنها قادرة على تحدي حلفاء أمريكا في المنطقة من دون أن تترتب عليها عواقب كبيرة أو حتى أنها ستفلت من العقاب.
وما يكتسي الأهمية ذاتها، بحسب التقرير، هو أنه في سعيها إلى إبرام الاتفاق مع إيران، مالت إدارة أوباما إلى التغاضي عن مخاوف حلفائها منذ زمن بعيد، والشعور بانعدام الأمان الذي هيمن عليهم، لا سيما إسرائيل والسعودية.
وخلاصة القول أنه إن لم تشعر دول مثل السعودية بأن الولايات المتحدة تأخذ في الحسبان مخاوفها الأمنية، "فسوف تسير في طريقها" متجاهلة رأي واشنطن.
ويتابع التقرير: "يُعدّ اليمن المثال الأفضل على هذا، ولا يمكن فصله عن وجهة نظر السعودية المرتبطة بإهمال الولايات المتحدة في عهد الرئيس أوباما. أما الرئيس ترامب، فيدرك أن السبيل إلى ثني بلد مثل السعودية عن شنّ حروب ذات نتائج عكسية في اليمن يتمثل بالشعور "بثقة فعلية" ومعرفة أن الولايات المتحدة تسانده".
التعاون الاقتصادي
وفي المسألة الاقتصادية، يقول التقرير: "لقد أيّد الطرفان احتمال زيادة التعاون الاقتصادي بينهما. وكما كتبت لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى العام الماضي في مقال حمل عنوان إمكانات الإصلاحات الاقتصادية السعودية، يُعدّ التعاون في هذا المجال فرصة لتحقيق نمو حقيقي بين البلدين".
ويوضح أن خطة "رؤية 2030" تعد الشغل الشاغل للحكومة السعودية على المستوى المحلي، وهي مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية (وبالتالي السياسية) الطموحة التي تهدف إلى تحديث الاقتصاد وخفض معدل البطالة وبلوغ درجة معقولة من التنوّع بعيدا عن الاعتماد على النفط.
وقال إنّ نجاح السعودية في تنفيذ أجندة الإصلاح مساهمةٌ في قوى الاعتدال وفي هيبة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وبالتالي، يُعدّ الدعم الدبلوماسي لرؤية السعودية 2030 ونجاحها مصلحة مهمة للولايات المتحدة على المدى البعيد. ونظرا إلى تاريخه كرجل أعمال، وليس كزعيم سياسي تقليدي، فإنّ ترامب قادرٌ على فهم ما يحاول السعوديون القيام به في أجندتهم الإصلاحية الاقتصادية، ربما أكثر من سلفه.
الخلاصة
ويخلص الكاتب إلى أنه "لن تتفق السعودية وإدارة ترامب في كلّ المسائل. فمن المستبعد أن تكون واشنطن مناهضة لجماعة "الإخوان المسلمين" بالقدر الذي يرغب فيه السعوديون. كما أنّه من غير المتوقّع أن تحظى الرياض بالتعاون الذين تأمله في ما يخص قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" (جاستا)".
لكن في حال انتهجت الولايات المتحدة ببساطة موقفا براغماتيا حيال إيران، سيعتبر السعوديون أنّ إدارة ترامب تدعم مصالحهم بشكل أكبر من الإدارة السابقة. وفي المقابل، ستكون الولايات المتحدة مستعدة لتعاون ومساهمات أكبر من السعوديين، كما يقول التقرير.
ويوضح أن الرئيس ترامب بعث برسالة واضحة مفادها أنّ سياسته في الشرق الأوسط تقوم على إحياء التحالفات مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في المنطقة، والحدّ من خوض تجربة سنوات عهدي بوش وأوباما. بعبارة أخرى، إنها تتمحور حول التعامل مع العالم كما هو، والسعي فقط إلى جعله أفضل. ولغاية الآن، يبدو أن انطلاقته في هذا المجال جيدة.