مقالات مختارة

بيان طمس الحقيقة

1300x600
أكثر ما يلفت الانتباه في إعلان قمة عمان أن اللغة فيه انفصلت عن الحقيقة، حتى أزعم أن نتائج اللقاءات الثنائية الجانبية ربما كانت أفضل بكثير من اللقاء الذي عقده القادة العرب مجتمعين. أقله لأن اللقاءات الثنائية - بين الرئيس السيسي والملك سلمان مثلا - مدت جسورا وأحدثت تفاهمات ما كان لها أن تتم إلا إذا فتح كل طرف قلبه للآخر بدرجة أو أخرى. أما البيان الذي صدر موجها إلى الأمة فلم يتوافر له شيء من هذا أو ذاك. إذ إلى جانب أنه خطاب من طرف واحد فقد روعي فيه أن يرطب الجوانح ويجبر الخواطر ويطمئن الجميع إلى أن القادة لا يزالون عند حسن الظن بهم، ولم يقصروا في القيام بما يجب. والبيان المعلن شاهد على أنهم وفوا وكفوا، ولن يسألهم أحد في شيء مما قالوه.

خذ مثلا ما قيل في الشأن الفلسطيني الذي كان محوره الدعوة إلى إطلاق مفاوضات السلام مع الإسرائيليين للتوصل إلى حل على أساس المبادرة العربية التي تبنتها قمة بيروت عام 2002، وذلك إلى جانب إدانة الخطوات الإسرائيلية الأحادية التي تستهدف تغيير الحقائق على الأرض من خلال التوسعات الاستيطانية، وذلك كلام طيب، ليس فيه حرف واحد جديد، لكن الجديد أنه يتناقض مع الحاصل على الأرض. فرئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يرفض التفاوض مع الفلسطينيين يريد أن يبدأ بما أسماه «التسوية الإقليمية» التي دعا إليها، وأيدها الرئيس الأمريكي الجديد. ثم إنه وكل الائتلاف الحاكم في إسرائيل يرفض المبادرة العربية التي أعلنت القمة التمسك بها ويشترط تعديلها، إذ يعتبر الجميع أن العودة إلى خطوط الرابع من يونيو 1967 لم تعد واردة، بل صارت تاريخا لا مجال للحديث فيه، فضلا عن أنهم أضافوا شرط الاعتراف بيهودية الدولة. والمتواتر الآن في الصحافة الإسرائيلية أن الاتصالات الجارية لم تبدأ إلا بعد الاتفاق على تعديل المبادرة بحيث تلبي ما يريده الإسرائيليون ولكن بصياغات جديدة تحقق المراد دون أن تصدم المواطن العربي. وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد أحمد أبوالغيط قد تحدث صراحة عن ذلك بل قال إن هناك مشروعا فلسطينيا جديدا للحل في حواره الذي نشرته جريدة «الشرق الأوسط» يوم 23 مارس الماضي. وما عاد سرا أن اجتماع العقبة السري الذي عقد قبل عام ناقش تلك الأفكار التي لا علاقة لها بالبيان الرسمي الذي أعلن. ومعروف أن الرئيس السيسي حضره وشارك فيه نتنياهو والملك عبدالله وجون كيري وزير الخارجية الأمريكي في حينه.

من ناحية أخرى فإن حل الدولتين الذي يتحدث عنه الجميع جرى نسفه بالخطوات التي كان آخرها قرار الحكومة الإسرائيلية الذي أجاز المشروع الاستيطاني الذي يربط القدس بمستوطنة «معاليه أدوميم» الواقعة شمال شرق المدينة المقدسة. ولا ينسى في هذا الصدد أن مصر كانت من قدم قرار إدانة المستوطنات إلى مجلس الأمن باسم المجموعة العربية، ثم سحبته بعد ذلك. وإن اضطرت إلى التصويت لصالحه حين أصرت دول أخرى على تقديمه.

فضلا عما سبق فإن أكثر ما يبعث على الحيرة والقلق أن يعول العرب على دور للإدارة الأمريكية الجديدة في الموضوع، في حين أن الجميع يعلمون أن ثمة تطابقا في المواقف والمعتقدات بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

(عن صحيفة الشرق القطرية)