نشر موقع "مركز كارنيغي الشرق الأوسط" مقالا للكاتب مهند حاج علي، حول طبيعة حكم
تنظيم الدولة في
سوريا، مشيرا إلى أنه لم يعد يختلف عن حكم نظام بشار
الأسد.
ويقول الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إن التنظيم منذ توسعه في سوريا عام 2014، أقام مؤسسات حكم قدمها على أنها نماذج مثالية في الشفافية والفعالية، بعد قرون من "الفوضى الهمجية"، مشيرا إلى أن الواقع أقل مما يتصوره الناس.
ويضيف حاج علي أن التجاوزات، لاسيما الواسطة، قوضت عمل هذه المؤسسات، وذكرت الكثير من السوريين الخاضعين لسيطرة التنظيم بسلوك النظام السوري.
ويتابع الكاتب قائلا إن "المحاباة وصلات القرابة والروابط الجغرافية والصداقة هي ما يميز عمل مؤسسات التنظيم في المناطق السورية، ويعتمد قادته على هذه الصلات لحل المسائل الأمنية، مثل الإفراج عن السجناء، أو الإفادة من خدمات معينة، وصار السكان، الذين أحبطتهم ممارسات المؤسسات الرسمية التابعة للتنظيم، يعتمدون على صلاتهم مع كوادر تنظيم الدولة لحل مشكلاتهم".
ويشير حاج علي إلى أن "التنظيم أقام هيكلية مؤسسية تتكون من ثلاث طبقات في جميع الأماكن التي يسيطر عليها، وأنشأ 35 منطقة إدارية (ولاية) في مختلف أنحاء العالم، 19 منها في سوريا والعراق، وأنشأ مجموعة من الدوائر المتخصصة (دواوين)، التي تمارس مهمة الوزارات تتبعها مكاتب محلية في مناطق سيطرته، بالإضافة إلى تأسيس شبكة من المؤسسات المستقلة المعروفة بالهيئات والمكاتب، التي تضم مكتب العلاقات العامة والعشائر، الذي يتولى عبر فرعه السوري شؤون القبائل في الرقة ودير الزور".
ويلفت الكاتب إلى قصة "خليفة"، بصفته صورة عن الطريقة التي باتت فيها القرابة تؤثر في عمل مؤسسات التنظيم، مشيرا إلى أن خليفة ناشط ينتمي لعائلة قبلية من الرقة، قامت كوادر التنظيم باعتقاله في حلب حيث يقيم، واتهم بالتعامل مع شبكة تلفزيونية مملوكة من المعارضة العلمانية، وأصدرت محاكم "الدولة" حكما بالإعدام عليه، وحاول شقيقه صقر الإفراج عنه، عبر الطعن بالحكم لدى أحد الفروع المحلية التابعة لمكتب العلاقات العامة والعشائر، ولم يلق التماسه إلا الرفض الشديد، ولم يكن أمام العائلة إلا الطرق غير الرسمية، حيث اكتشفت أن "واليا" ينتمي إلى المنطقة التي تنحدر منها، وتم الإفراج عن خليفة بعد تدخل والد "الوالي" في القضية.
ويجد حاج علي أن الإطار المؤسسي للدولة "الإسلامية" يجبر السكان للبحث عن الواسطة، تماماً كما كانوا يفعلون عندما كانوا خاضعين إلى سيطرة نظام الأسد.
ويقول الكاتب إن "
المحسوبية تنتشر داخل مؤسسات تنظيم الدولة، ولأنه لا يحبذ كلمة (الواسطة)، فإنه أطلق عليها اسم (تزكية)، وبموجب هذا الأمر يصبح لدى بعض الأفراد أفضلية داخل التنظيم، ففي بعض الحالات لو تدخلت قبيلة ينتمي عدد من أبنائها لتنظيم الدولة في قضية سجين ما فإن طريقة المعاملة تتحسن في معظم الأحيان، كما شاهد خليفة أثناء سجنه في بلدة الباب، حيث كان التدخل يعني معاملة جيدة، وطعاما جيدا للسجين، والسماح بالزيارات، ووقف التعذيب".
وينوه الكاتب إلى أنه "من أشكال المحسوبية لدى التنظيم تلك المتعلقة بطريقة توزيع مواد الزكاة، حيث يقول سكان كانوا في الرقة ودير الزور إن الأفضلية للتوزيع في الأموال المخصصة في (ديوان الزكاة) كانت لأقارب الموظفين وأبناء عشائرهم".
ويبين حاج علي أن "هناك شكلا من التمييز مرتبط بالعرق، فالقادمون من
العراق، حيث أبصر التنظيم النور، يحصلون على معاملة أفضل من السكان المحليين، وهذا يذكر بمعاملة النظام العلوي لأبناء بلدة القرداحة، التي جاءت منها عائلة الأسد، واحتلالهم مناصب أمنية وحكومية حساسة".
ويورد الكاتب أن "من الأمثلة عن هذا التمييز قصة مسؤول مكتب العلاقات العامة والعشائر في الرقة السوري توباد البريجي، حيث هرب والده خلال عهد الرئيس السوري حافظ الأسد، من حملة القمع التي شنها النظام ضد السوريين المناصرين للفرع العراقي لحزب البعث إلى العراق، ويعد السكان الروابط التي جمعت والد توباد بحزب البعث العراقي عاملا أساسيا في التحاق الابن بتنظيم الدولة في سن مبكرة، وصعوده في صفوف التنظيم، وييرز التأثير العراقي من خلال اللجنة المفوضة، التي تزرع الخوف، وتعد مكتبا تنفيذيا يمرر رغبات زعيم التنظيم أبي بكر البغدادي إلى المؤسسات المختلفة التابعة له".
ويشير حاج علي إلى قوة العامل العراقي من خلال قصة "مهاجر" تونسي من ديوان الحسبة أوقف امرأة؛ بسبب عدم ارتدائها النقاب الكامل، و"فيما كان الرجل التونسي يحاول إدخال المرأة عنوةً في السيارة، توقّفت سيارة أخرى ذات زجاج داكن اللون ولوحة تحمل (علامة نينوى في العراق)، كم كانت فرحة الموجودين كبيرة عندما ترجّل أحدهم من السيارة، وتبادل حديثاً مع التونسي لردعه وإقناعه بترك المرأة وشأنها، وعندما رفض التونسي الإذعان رفضا قاطعا، صفعه الرجل، فحُسِمت المسألة على الفور، وتعرّض المهاجر للإذلال".
وينقل الكاتب عن ناشط في دير الزور، قوله إنه من أجل كبح موجة الشكاوى والاستياء في أوساط السكان المحليين، فإن التنظيم فرض عام 2015 عقابا من مئة جلدة على كل شخص ينتقد العراقيين أو يُهينهم.
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن تنظيم الدولة استنسخ تجربة نظام الأسد، بدلا من أن يقدم بديلاً عنه، وفرض ممارسات تقوم على المحاباة والمحسوبيات، ما تسبّب بإضعاف مؤسساته.