قال مرصد "صحفيون ضد
التعذيب" إن المنع من التغطية الصحفية هو الانتهاك الأبرز لعام 2016 في
مصر بموجب 267 انتهاكا من أصل 727 انتهاكا، وذلك وفقا للتقرير السنوي للمرصد، مثلما كان الأبرز أيضا خلال عام 2015، مؤكدا أن المنع من التغطية يعد انتهاكا صارخا لحق الحصول على المعلومات المنصوص عليه دستوريا في المادة 68.
وتنص المادة 68 من الدستور على أن "المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها".
وأضاف المرصد – في تقرير له، الأربعاء، بعنوان "
سرية الجلسات المعلومات في قبضة السُلطة"-: "المثير للانتباه أكثر طبيعة الجهات التي تقوم بمثل هذه الانتهاكات، حيث أنه يتكرر بشكل كبير وقائع منع التغطية التي يقررها القضاة في جلسات المحاكم التي تعتبر علانيتها من أبسط قواعد المحاكمة العادلة، ويصبح من حق الصحفيين أو غيرهم حضورها للتغطية".
وتناول التقرير كل التفاصيل القانونية الخاصة بأحقية منع التغطية الصحفية للجلسات والانتهاكات، التي رصدها من جانب الجهات القضائية بخصوص حضور الصحفيين الجلسات وتغطيتها.
وتناول التقرير أيضا في شقه الثاني "
البرلمان بين القوانين المنظمة لعلانيته وبين سياسة البرلمان في التعامل مع وسائل الإعلام على أرض الواقع، حيث أن البرلمان كجهة منتخبة للمواطنين له الحق في الاطلاع على أعماله، إلا أن الواقع يشهد حقائق مغايرة".
كما تناول المرصد بالأرقام ما رصده من انتهاكات من جانب البرلمان ضد الصحفيين، أو لنقل ضد التغطية الإعلامية بوجه عام.
علانية جلسات المحاكمات
وأشار المرصد إلى أنه يقصد بمبدأ "علانية المحاكمات" أو علانية الجلسات تمكين جمهور الناس بغير تمييز من الاطلاع على إجراءات المحاكمة والعلم به، فالعلانية لا تعني حضور الخصوم من مُشتك ومُتهم ومُدع بالحق المدني ووكلائهم، فهو أمر أساسي لا يمكن انتقاصه من المحاكمة بأي شكل.
وشدّد على أن "قرار المحكمة بجعل الجلسة سرية غير مخالف للقانون في شيء، حيث أن لها الحق في ذلك بموجب هذه المادة وتقرير السرية خاضع لتقديرها؛ فمتى رأت أن المحافظة على الحياء أو مراعاة الآداب يقتضي ذلك فلا سلطان لأحد عليها وليس من حق المتقاضين أمامها مناقشتها في ذلك".
وقال إن "الأصل في القانون هو علانية الجلسات؛ حيث أنها من أهم ضمانات المحاكمة العادلة وهو من المعايير الدولية المتفق عليها بشأن ضمان عدالة سير المحاكمات، وهو حق نصت عليه المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي صدقت عليه مصر وأصبح له قوة القانون، وما غير ذلك يعد استثناء إلا أنه مؤخرا توسع استخدام هذا الاستثناء ضد الصحفيين تحديدا بشكل كبير، حيث يتم منعهم من حضور الجلسات العلنية".
وأضاف: "منعت الجهات القضائية الصحفيين من تغطية 81 جلسة خلال عام 2016، ناهيك عن صدور قرار بحظر النشر في 11 قضية لعام 2016 في قضايا سياسية أثارت الرأي العام؛ مما يعد تجنيا من نوع آخر على حق الحصول على المعلومات".
علانية جلسات البرلمان
وبالنسبة لعلانية جلسات مجلس النواب، أكد المرصد أن هذه هي القاعدة العامة، ومثل هذا الإجراء ليس رفاهية، فهو "حق للمواطنين لا يجوز انتقاصه إلا بالاستثناء المنصوص عليه في الدستور، وعلى الرغم من أن المادة لم تحدد الحالات الاستثنائية التي بموجبها يكون هناك حق في عدم علانية الجلسات، إلا أنه يمكن أن نستشف أن هذه الحالات تتعلق بالقضايا التي تمس الأمن القومي".
وأضاف: "علانية جلسات البرلمان ذات طبيعة مختلفة عن علانية المحاكمات، إذ أن أبواب المحاكم مفتوحة أمام المواطنين لحضورها إذا رغبوا، وكما أوضحنا في الجزء الخاص بها يُسمح للإعلام والصحافة بحضورها، إلا في حالة الانتهاكات التي تم رصدها، لأن بث جلسات المحاكمات هو أمر خلافي إلى حد كبير؛ نظرا لأنه قد يضر بسير المحاكمات والمأخوذ به في أغلبية الدول عدم بثها، وأقيمت العديد من الدراسات التي توضح خطورة هذا الإجراء".
وتابع: "أما جلسات البرلمان، فلا يمكن للمواطنين حضورها ويكون بثها إعلاميا الوسيلة الوحيدة التي يمكن لجميع المواطنين الاطلاع عليها، وإذا أدت العلانية إلى المزيد من التحمس من جانب النواب نظرا للظهور الإعلامي أمام ناخبيه، فهو أمر محمود بعكس المحاكمات التي يحدث بها أي استعراض يضر بسير المحاكمة، وأيا كانت التغطية الإعلامية الصحفية من خلال المحررين البرلمانيين، فإنها ليست كافية للمواطنين لمراقبة أداء ناخبيهم أو معرفة كيف تدور المناقشات بينهم".
"علانية" الجلسات في الواقع
وقال: "جاء قرار مجلس النواب بتاريخ 11 كانون الثاني/ يناير 2016، بوقف بث جلساته على الهواء فضائيا وإذاعيا بعد بث جلستين فقط منذ انعقاده، جاء هذا القرار تغولا من جانب سلطة البرلمان على الحق الدستوري الذي يعطي الحق بالعلانية، وإطاحة بالاحترام الواجب من المنتخبين تجاه الناخبين، وحقهم في الحصول على المعلومات".
واستطرد قائلا: "هذا القرار جاء بعدم بث الجلسات بشكل مطلق، وليس بشكل محدد لجلسات معينة في مواضيع معينة وبدون تحديد إطار زمني لهذا القرار، ويتعارض ذلك تعارضا سافرا مع المادة 120 من الدستور، التي جعلت عدم العلانية استثناء لجلسة واحدة بإجراءات معينة".
وأردف: "أما أن يصدر قرار واحد بعدم إذاعة جميع الجلسات هو قرار يفتح باب الحديث عن عدم دستوريته، بالإضافة إلى عدم توضيح المبررات عن هذا القرار وجاءت بعض التصريحات بأنه حفاظا على هيبة المجلس، مما يثير تساؤلات عن طبيعة المناقشات أو ما يحدث داخل المجلس التي قد تضر بهيبة المجلس، وجاءت الآراء مرجحة أن سببه ما وقع في الجلسة الافتتاحية من مخالفات من بعض النواب وتناول وسائل الإعلام والمواطنين، عبر وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأحداث بالنقد، ولكن أليس من المفترض أن هذا النقد هو دور المواطنين في الرقابة على ناخبيهم في سبيل تحسين أدائهم؟".
وأكمل: "كان من المتوقع عقب هذا القرار أن يحترم نواب البرلمان أصوات الناخبين، ويتم على الأقل إصدار نسخ مُمنتجة من الجلسات بعد ضبطها في المضبطة في سبيل الحفاظ على هذا الحق، إلا أن علانية الجلسات اقتصرت على حضور الصحفيين والمحررين البرلمانيين، وقصور ما يحصل عليه المواطنين من المعلومات على الأخبار التي يتم تغطيتها، وحتى حق التصوير أصبح غير مسموحا به بموجب قرار تم تعليقه بغرفة الإعلام بالمجلس من تاريخ 23 كانون الثاني/ يناير 2016، بمنع الصحفيين من التصوير بكاميرا الفيديو أو الموبايل، أو أي كاميرا أخرى من داخل شرفات الصحافة العلوية، واقتصار التغطية الصحافية على الكتابة فقط".
ونوه إلى أنه يتم منع الصحفيين في بعض الأحيان من تغطية جلسات الاستماع في الجلسات العامة، مثلما قررت النائبة مي البطران رئيسة لجنة الاتصالات بإخراج المحررين البرلمانيين من جلسة الاستماع التي عقدتها اللجنة لممثلي قطاع الاتصالات في مصر حول مشروع القيمة المضافة، المنعقدة بتاريخ 2 آب/ أغسطس، وادعت النائبة أن ذلك بناء على طلب الحكومة، إلا أن نائبة وزير المالية لوَّحت نفيا، وقالت إنه بناء على رغبة اللجنة.
وأشار إلى أن هناك إجراءات أقرها مجلس النواب للتضييق الإعلامي على الصحفيين بشتى الطرق؛ بداية من قرار عدم البث إلى عدم التصوير مرورا بالتصديق على مادة باللائحة الداخلية تمنع الصحفيين من حضور اجتماعات اللجان النوعية، توحي بقصدية البرلمان في الابتعاد عن الظهور الإعلامي، ومحاولات مستمرة تجلت في غير موضع توحي برغبتهم في حجب ما يدور داخل أروقة البرلمان.
وتابع: "مما لا خلاف عليه، أن مثل هذا التعتيم هو مؤشر مخيف خاصة من مجلس مُنتخب من المفترض أن يكون قد اكتسب ثقة الشعب في إدارة أموره وإصدار التشريعات التي تعبر عن مصالحهم، ليكون الشعب مطلعا على الكيفية التي يناقش بها نوابه أمر يقوم بتطوير عامل الرشادة لدى المواطنين؛ لتطوير الحياة الديموقراطية".
توصيات
وأوصى "المرصد" السلطتين القضائية والتشريعية بحماية الحق في الحصول علي المعلومات من خلال إجراء تعديلات تشريعية تتعلق بتحديد الحالات والقضايا التي تستوجب سرية الجلسات في المحاكم، حيث يتم تحديدها على سبيل الحصر وليس على سيبل المثال، وتعديل تشريعي يحدد بوضوح الحالات التي تستوجب أن تأمر المحكمة بعدم دخول الصحافة ووسائل الإعلام في الجلسات العلنية احتراما لحق الحصول على المعلومات ودور الصحافة وأهمية النشر.
وطالب باحترام
القضاء ورجال النيابة لحق الصحفيين في ممارسة عملهم وفي حضور الجلسات ونشر مجرياتها، مشدّدا على ضرورة إلغاء قرار البرلمان بعدم بث الجلسات احتراما للمادة 120 من الدستور وحق الحصول على المعلومات المنصوص عليه دستوريا.
ودعا "صحفيون ضد التعذيب" إلى إنشاء موقع إلكتروني يقوم بتجميع وأرشفة جلسات البرلمان بعد المضبطة للتسهيل على المواطنين الحصول على المعلومات، مؤكدا على احترام حق الصحفيين في تغطية الجلسات والسماح بوجود مصورين لجلسات البرلمان.
كما أوصى بتعديل اللائحة الداخلية للبرلمان للسماح بعلانية اجتماعات اللجان النوعية وبالتغطية الصحفية، وتعديل تشريعي بحق الصحفي في حضور الجلسات المتعلقة بالرأي العام وتغطية جلساتها، وذلك في غير أحوال الحظر، مضيفا: "سرية جلسات البرلمان استثناء يتم تحديد حالاته بوضوح وليس قاعدة عامة".