أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء النسخة السنوية من الكتيب الإحصائي "مصر في أرقام"، وقد كشفت بيانات هذا الكتيب عن الانهيار الذي أصاب قطاعات النشاط الاقتصادي المختلفة في ظل حكم العسكر. وهو يعكس نتاج سياسة عبد الفتاح السيسي القائمة على تجريف موارد البلاد، وتخدير الشعب بمشروعات وهمية أو قليلة العائد باهظة التكاليف، وتوريط الجيل الحالي والأجيال القادمة بديون لا قبل لهم بها دون تنمية تذكر، ظهرت آثارها في تردي الخدمات العامة وضياع الحماية الاجتماعية، وتراجع معدلات النمو.
لقد كشف بيانات الكتيب عن تراجع معدلات النمو حيث انخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي من 3.45% عام 2014-2015 ليصل إلى 2.3% عام 2015-2016، وأظهرت بيانات الكتيب كذلك تراجع الموارد الدولارية من إيرادات الصادرات والسياحة وقناة السويس والعاملين بالخارج تراجعا ملحوظا، فقد انخفضت الصادرات من 195.276 مليار جنيه عام 2014-2015 إلى 168.077 مليار جنيه عام 2015-2016، في الوقت الذي زادت فيه الواردات من 523.361 مليار جنيه عام 2014-2015 إلى 568.944 مليار جنيه عام 2015-2016، وهو ما نجم عنه زيادة عجز الميزان التجاري من 328.085 مليار جنيه عام 2014-2015، ليصل إلى 400.867 مليار جنيه عام 2015-2016. كما تراجعت السياحة بصورة كبيرة، حيث انخفضت الإيرادات السياحية من 7.371 مليارات دولار عام 2014-2015 إلى 3.768 مليارات دولار عام 2015-2016 بنسبة انخفاض بلغت 49%. وفي المقابل زادت مدفوعات السفر للمصريين من 3.338 مليارات دولار عام 2014-2015، لتصل إلى 4.091 مليارات دولار عام 2015-2016، بزيادة بلغت 325 مليون دولار عن عائدات السياحة في نفس العام. كما حققت إيرادات قناة السويس تراجعا لاسيما منذ افتتاح السيسي التفريعة الجديدة وتضخيم شأنها، فقد انخفضت تلك الإيرادات من 5.362 مليارات دولار عام 2014-2015 لتصل إلى 5.122 مليارات دولار عام 2015-2016، بنسبة انخفاض بلغت 4.5%. وفي اتجاه الانخفاض أيضا سارت تحويلات المصريين العاملين بالخارج حيث انخفضت من 19.33 مليار دولار عام 2014-2015، لتصل إلى 17.077 مليار دولار عام 2015-2016 بنسبة انخفاض بلغت 12%.
كما كشفت بيانات الكتيب عن انخفاض في الخدمات الصحية والتعليمية وخدمات النقل، ففي مجال الصحة انخفضت نسبة الإنفاق على قطاع الصحة إلى الإنفاق العام من 5.37% عام 2015- 2014 إلى 5.2% عام 2015-2016. وقد بدا ذلك واضحا في انخفاض عدد الوحدات الصحية بأسرة، وعدد الأسرة، فقد انخفض إجمالي عدد الوحدات الصحية بأسرة من عدد 2062 وحدة عام 2014، إلى عدد 1662 وحدة عام 2015 بنسبة انخفاض بلغت 20%، (نتيجة لانخفاض عدد الوحدات الصحية بأسرة من القطاع الخاص من 1403 وحدة عام 2014 إلى 1002 وحدة عام 2015 بنسبة انخفاض 29% خلال عام واحد). كما انخفض عدد الأسرّة في القطاع الحكومي من 97826 سريرا عام 2014، إلى عدد 93267 سريرا عام 2015، بنسبة انخفاض 5%، (وانخفض عدد الأسرة في القطاع الخاص من 33074 سريرا عام 2014 إلى 31094 سريرا عام 2015 بنسبة انخفاض 6%). كما كشف عن تردي الخدمات الصحية الزيادة في معدل الوفيات من 6.5 لكل ألف من السكان في عام 2015، مقارنة بمعدل 6.1 متوفون لكل ألف عام 2014، وزاد معدل وفيات الأطفال الرضع إلى 15.7 لكل ألف من المواليد عام 2015، مقابل معدل 14.6 لكل ألف عام 2014.
وفي مجال التعليم انخفضت نسبة الإنفاق على قطاع التعليم إلى الإنفاق العام من 12% عام 2014-2015، إلى 11.5% عام 2015-2016، بينما زادت كثافة الفصول التعليمية في المراحل المختلفة في العام 2015 عنها في عام 2014. وانخفض عدد الطلاب المقيدين في الجامعات من 1918197 طالبا عام 2014-2015 إلى 1835015 طالبا عام 2015-2016 بنسبة انخفاض بلغت 4.3%. بينما انخفض عدد الطلاب المقيدين في الجامعات الخاصة من 111602 طالبا عام 2013-2014 إلى 83423 طالبا عام 2014-2015 بنسبة انخفاض بلغت 25.3%، وهذا نتاج طبيعي للظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها أبناء المجتمع المصري من ناحية، فضلا عن اتجاه المصريين لتعليم أبنائهم خارج مصر في الدول ذات التكلفة التعليمية الأقل والجودة الأعلى، وخوفهم على أولادهم من بطش العسكر بهم، لاسيما أن مصر احتلت المركز قبل الأخير عالميا في التعليم.
وفي مجال النقل لا تخفي بيانات الكتيب ما آل إليه هذا القطاع من تهالك يعكسها أهم مؤشراته ممثلا في زيادة حوادث القطارات، والتي زادت من 447 حادثا عام 2012، لتصل إلى 781 حادثا عام 2013، ثم إلى 1044 حادثا عام 2014، ثم إلى 1235 حادثا عام 2015، بنسبة زيادة بلغت 18.3% عن العام السابق، و58% منذ الانقلاب العسكري.
إن المخرجات ما هي إلا انعكاس للمدخلات، وهذه الأرقام الرسمية فيض من غيض لما آل إليه وضع مصر الاقتصادي من تردي مزمن في عهد العسكر، بعسكرتهم الاقتصاد وسيطرتهم على مفاصله، ومزاحمتهم القطاع الخاص، وهو ما انعكس سلبا في كافة القطاعات. والاقتصاد لا ينمو حقيقة إلا في ظل حرية تدفع للعمل والابتكار، وترسخ لمفاهيم المنافسة الشريفة، وتقدر قيمة الإنسان الذي بات في عهد العسكر مهان الكرامة مسجون الإرادة ومعرضا للقتل والإبادة بالليل والنهار.