نشرت مجلة "إيكونوميست" في عددها الأخير، تقريرا عن عمليات إعمار الحرم المكي وتوسعته، التي تقوم بها السلطات
السعودية، مشيرة إلى أن أكبر مشروع بناء في الشرق الأوسط يقوم بمحو 1400 عام من التاريخ.
وتقول المجلة: "كما كان أمير منطقة
مكة خالد بن فيصل آل سعود قادرا على التعويض عن مظاهر القصور الأولى، فإنه جاء إلى منطقة مكة في عام 2007 من منطقة عسير، حيث لم يحقق خططه ببناء أبراج في مدينة أبها، لكنه نجح بمحو مدينة أبها القديمة ذات العراقة المتميزة، التي كانت بيوتها المخروطية تشبه خلية النحل والمبنية من شجر السنط، واستبدلها ببيوت حديثة من طابق واحد، ولم تظهر فيها عمارات عالية".
وتضيف المجلة: "واليوم في مكة المعروفة ببيوتها القديمة، ذات الشرف والأقواس، فإن الأمير يشرف على أضخم مشروع توسعة في الشرق الأوسط، وترتفع ناطحات السحاب فوق أقدس بقعة في الإسلام، ما يجعلها تخيم على الكعبة ذاتها، وتقوم الحفارات بتسوية التلال والجبال، التي كانت تنتشر عليها يوما بيوت زوجات النبي وأصحابه والخلفاء الراشدين، وتنتشر الطرق السريعة من
التوسعة الجديدة للحرم".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "الشركات المحلية ترغب بالبناء مثل الحكومة، وتقوم شركة مشروع تطوير جبل عمر، وهي مجموعة مكونة من عائلات مكية عريقة، باستثمار ملايين الدولارات، لبناء برجين من 50 طابقا على المكان الذي كان فيه بيت الخليفة الثاني، وهذا هو المدى الذي وصلت إليه المدينة المقدسة، التي أصبح فيها الشعار هو البلدوزر".
وتورد المجلة نقلا عن مسؤولين، قولهم إن عمليات الهدم هي الثمن الحتمي للتوسعة، ففي عام 1950، وقبل أن تبدأ هذه العمليات طاف حول الكعبة 50 ألف حاج، وفي العام الماضي زار الكعبة 7.5 ملايين، مشيرة إلى أن السلطات تخطط لمضاعفة هذا الرقم الكبير على مدى ثلاثة أعوام.
وينقل التقرير عن المعماري أنس السيرافي، وهو أحد أفراد شركة تطوير جبل عمر، قوله: "لا يوجد حل آخر"، ويضيف: "كيف يمكننا استيعاب ملايين الحجاج؟".
وتعلق المجلة قائلة إن "الضحايا هم، وبشكل مؤسف، نتاج لهذه العمليات، ففي أيلول/ سبتمبر 2015، وقعت أكبر رافعة متحركة في العالم على الحرم، وقتلت 107 حجاج، وبعد أسبوعين قتل أكثر من ألفي حاج أثناء تدافع، ما يسلط الضوء على المخاطر الناجمة عن نقص المساحة".
ويلفت التقرير إلى أن "خادم الحرمين الشريفين
الملك سلمان بن عبد العزيز يرى في التوسعة زيادة في مكانته وفي الموارد المالية، فبناء على خطة التوسعة، فإن الموارد المالية من الحج ستنافس الموارد المالية من النفط، حيث تم إنفاق المليارات من الدولارات على خطوط سكك حديدية وموقف للحافلات يتسع لحوالي 18 ألف حافلة لنقل الحجاج إلى الفنادق المزينة بالثريات المطلية بالذهب، فيما تلمع أقواس (ماكدونالدز) الذهبية خارج بوابات الحرم".
وتذهب المجلة إلى أن "عملية محو التاريخ عميقة لدرجة يبدو فيها آل سعود اليوم مصممين على إكمال ما بدئ في القرن الثامن عشر، عندما خرجوا من قلب الجزيرة متحالفين مع القبائل ضد العثمانيين، وأعلنوا الجهاد، وحاربوا الدولة العثمانية، وسيطروا على مكة عام 1924، حيث التزموا بمبادئ الدعوة السلفية المعروفة بالوهابية".
وينوه التقرير إلى أن التنوع المذهبي اختفى من المدينة، وفرض على السكان نمط معين من الممارسة، وقام الحكام القبليون الجدد بإعادة تشكيل المجال الحضري بشكل جرده من الماضي، مشيرا إلى الإجراءات التي اتخذت من تغيير الشكل والممارسة، حيث لم يبق من معالم المدينة التاريخية والدينية سوى الكعبة.
وتقول المجلة: "الآن وقد ذهب كل شيء، فإن البعض في مكة يتحدثون بتذمر، حيث يقول أحد السكان: (لقد حولنا تاريخنا، الذي يعود إلى النبي إبراهيم إلى محطة بنزين)، ويقول المعماري السيرافي إنه قام ببناء خريطة افتراضية تحتوي على كل المواقع التي اختفت وعلى البيوت والأماكن للخلفاء الأوائل".
ويتساءل التقرير عما إذا كانت الحكومة في ظل ولي ولي العهد الأمير
محمد بن سلمان، تدعم بعض ملامح الحفاظ على التراث وترميمه، خاصة أنه تحدث في خطة التحول عن ملامح من السياحة، ووعد بمليارات لدعم مشاريع التراث، لافتة إلى أن الأمير ابن سلمان هاجم في مقابلة مع وزير الإعلام عادل الطريفي "المتشددين والإرهابيين"، الذين يريدون تدمير الثقافة"، وقال: "الناس الجميلون والأديان حافلة بالثقافة والموسيقى والرقص والتقاليد، وكلها دمرها الإسلام السياسي".
وتختم "إيكونوميست" تقريرها بالإشارة إلى أن "إعادة منابر الكعبة، التي استبدلها الوهابيون بمنبر واحد، قد تكون بداية صحيحة لحماية التراث".