بعد أن دمر مطعم عائلته خلال الأحداث الدامية في مدينة
حلب السورية، فرّ الشاب أنس قاطرجي إلى
غزة. في القطاع المحاصر والفقير، أنشأ مطعما مماثلا لذاك الذي خسره في حلب.
ووصل أنس (29 عاما) إلى غزة عبر أحد الأنفاق على الحدود مع مصر في العام 2013. وأنشأ مؤخرا مطعم "جار القلعة 2" في مخيم النصيرات للاجئين وسط القطاع الساحلي، على الطراز التقليدي الذي يمتزج بطابع شعبي ينسجم مع بساطة سوق المخيم.
على مدخل المطعم الملبس بحجارة رخامية ملونة، كتبت عبارة "معكم رايحين على حلب".
ويتميز المطعم المقام على مساحة نحو 50 مترا مربعة وبكلفة 50 ألف دولار، برفوف خشبية نقشت عليها بالخط الكوفي آيات قرآنية، ووضعت قطع نحاسية وفخارية قديمة يعود تاريخ بعضها إلى 500 عام، وفق ما يقول أنس الذي يشرح أنه تمكن من إحضار "عدد قليل من هذه القطع من المطعم القديم المدمر في حلب".
إلى جانب طاولة خشبية، وضعت على رفّ ثلاثة أباريق فخارية أحدها لصنع القهوة وقناديل وكؤوس نحاسية قديمة.
ويقول قاطرجي: "هذا المطعم نموذج آخر لمطعم جار القلعة الأول المشهور في حلب الذي كان يمتلكه والدي وعائلتي، الآن أشعر أن المطعم لم يندثر".
ويوفر المطعم الذي يعمل فيه 15 عاملا غالبيتهم من
الفلسطينيين وجبات سريعة بأسعار معقولة بالنظر إلى حالة الفقر المدقع والبطالة التي تزيد عن 40% في القطاع.
ويقدم المطعم الشاورما والكبة الشامية والمشاوي على الطريقة السورية لزبائنه السوريين والفلسطينيين.
ولجأ حوالي 150
سوريا إلى غزة خلال سنوات النزاع، ودخل معظمهم عبر الأنفاق قبل نحو ثلاث سنوات هربا من الحرب الدامية التي اندلعت في سوريا في العام 2011، وفق تقديرات فلسطينية.
ويؤكد رئيس تجمع العائلة السورية في القطاع وريف قاسم حميدو المتحدر من حلب أن "أوضاع السوريين اللاجئين هنا قاسية جدا. لا إمكانية لديهم لدفع إيجار المنازل ولا العلاج ولا أموال لديهم لتغطية التعليم الجامعي".
ويدير حميدو مطعم "سوريانا" في مدينة غزة، لكنه يشير إلى أن أربعة سوريين فقط نجحوا بفتح مشروعات صغيرة.
واصطف عشرات الزبائن من مختلف الأعمار قرب مطعم "جار القلعة" لشراء الشاورما السورية، فيما كان المطعم يغص بالزبائن.
وتقول نادين بركة (20 عاما): "أشعر أنني في سوريا، هذا المكان يشعرك وكأنك في مطعم أثري".
وتتابع الطالبة الجامعية، وهي من سكان مدينة خان يونس في جنوب قطاع غزة: "نريد أن نتضامن مع أهل حلب لأنهم عانوا ما عانيناه هنا في الحروب الإسرائيلية". وينجذب الزبائن إلى الزخارف التي تزين جدران المطعم واللباس التقليدي للعاملين في المطعم.
وأنشىء مطعم "جار القلعة" في حلب قبل أكثر من مئة عام، بحسب صاحبه، وكان يضم فندقا صغيرا وبئرا للمياه.
ويرتدي أنس الذي يحرص على إعداد الأطباق السورية بنفسه، الزي السوري التقليدي، وهو يؤكد أنه لا علاقة له بالسياسة ولا بأي فصيل فلسطيني أو أي جماعة في سوريا.
ويقول: "أنا أعرف أن الوضع خطير في غزة عدا عن الفقر والحصار، لكني لا أشعر بتاتا بأنني لاجئ هنا".
وتزوج أنس من فتاة من غزة يقول إنها شجعته على إنشاء المطعم، ويسكن في شقة مستأجرة في المدينة، ولا يفكر بالعودة إلى حلب في حال استقر الوضع في سوريا.
ويقول حميدو الذي تزوج من فتاة من غزة أيضا، إن العائلات السورية لجأت إلى غزة "لأنه لم يكن لها مكان آخر تلجأ إليه، ورغم كل المعاناة، يبقى هذا أفضل من الموت". ولجأ أيضا مئات الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في مخيمات اللاجئين في سوريا إلى غزة، بحسب المصادر الفلسطينية.
ولا يحصل
اللاجئون السوريون على خدمات صحية وتعليمية وسكن وغذاء من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) على عكس فلسطينيي سوريا الذين لجؤوا إلى القطاع.
ويقول الناطق باسم الأونروا عدنان أبو حسنة: "لا نتعامل مع اللاجئين السوريين لأن مفوضية اللاجئين هي المسؤولة عنهم، رغم تقديرنا لوضعهم الصعب".
ويعد حميدو برنامجا تلفزيونيا يسلط الضوء على معاناة وأوضاع اللاجئين السوريين ويتضمن تقديم أطباق شامية.
ويقول ماجد العطار (47 عاما) الذي وصل إلى غزة من دمشق في صيف 2012 عبر الأنفاق من مصر: "حضرت حربين في غزة حيث يمكن وصف الوضع بأنه ميت سريريا، نحن نعتاش على المساعدات بعض الأحيان".
ويتابع: "لا نجد عملا وننتظر للحصول حتى على عمل مؤقت. في غياب أي دخل، لا أستطيع دفع أقساط المدرسة لأبنائي والعلاج لزوجتي التي تحتاج لعملية في عينها".
ويضيف: "نطالب المفوض السامي لشؤون اللاجئين بأن يخرجنا من غزة إلى أي دولة أخرى لأن الوضع في غزة مأساوي ويزداد سوءا يوما بعد يوم".