أثار تصريح الرئيس
التونسي، الباجي قائد
السبسي، حول مسألة إلغاء عقوبة السجن لحيازة مادّة القنّب الهندي (الزطلة وفق المُصطلح الدّارج في الشارع التونسي)، جدلا مُضاعفا حول الموضوع الذي تعيش عليه تونس منذ أسابيع.
وقال السبسي في حوار على قناة "نسمة" الخاصة، الأحد، إنه سيجمع المجلس الأعلى للأمن التونسي وسيطالبه بعدم تتبع الشباب مستقبلا من أجل استهلاك "الزطلة"، إلى حين إيجاد حل جذري والمُصادقة على مشروع تعديل القانون من قبل البرلمان.
وكانت وزيرة الصّحة التونسية، سميرة مرعي فريعة، قد بيّنت الثلاثاء، خلال جلسة استماع أمام لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب، أن مشروع القانون يهدف أساسا إلى ملاءمة التشريع في مجال مكافحة
المخدرات مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها تونس، وتدعيم الجانب الوقائي.
يُذكر أن القانون 52 المتعلق بالمخدرات، والذي يعود تاريخ اعتماده لسنة 1992 خلال عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، يلزم القاضي بفرض عقوبة بالسجن لمدة لا تقل عن سنة على كل من يُدان باستخدام أو حيازة مخدر غير قانوني، ويفرض عقوبة بالسجن تصل إلى خمس سنوات على كل من يعود إلى ارتكاب هذه الجريمة من جديد.
وكانت الحكومة قد أودعت لدى مجلس نواب الشعب مشروع قانون لتعديل هذا الفصل في بداية شهر كانون الثاني/ يناير، ليتواصل النّقاش فيه حتى الآن، خاصة مع ما رافقه من تباين في وجهات النّظر بين الكتل البرلمانية.
ليس كل المُستهلكين ضحايا
من جهته، قال المُحامي ورئيس تحرير صحيفة عين، عبد اللطيف دربالة، إن مشكلة المخدّرات في تونس هي مشكلة خطيرة ومحيّرة ومعقدّة، لافتا إلى أن هناك آلاف الموقوفين سنويا بسبب المخدرات، حيث أن الإحصائيّات تُؤكّد بأنّ ثلث المساجين في السجون التونسيّة تهمتهم هي استهلاك المخدّرات.
وأضاف لـ"
عربي21"، أنه يتفهّم أنّ هناك الكثير من الحالات الاجتماعيّة لشباب صغير في السنّ ولتلاميذ وطلبة أوقفوا وسجنوا من أجل استهلاك "الزطلة"، التي ينظر إليها باعتبارها المخدر الأخف تأثيرا والأقلّ ضررا والأكثر انتشارا، وأن السجن أثّر سلبا على حياتهم ومستقبلهم، حيث نسبة منهم تحولوا إلى مجرمين بعد دخولهم للسجن.
وبينما أكد دربالة على أن القانون أصبح في حاجة إلى "مراجعة أكيدة لإدخال المرونة والنجاعة عليه (..) وجعله أكثر إنسانية"، لكنه تابع قائلا: "إلا أنني ضدّ الرأي الذي ينادي برفع العقاب عن مستهلكي الزطلة تماما باعتبارهم ضحايا والتشديد فقط على المروّجين، لكونه من غير العقلاني أن يعتبر المُشرّع أنّ استهلاك مواطن لمادّة معيّنة هو عمل قانوني ولا يشكّل جريمة وغير موجب للعقاب، واعتبار توزيع وترويج تلك المادّة عملا غير قانوني ويشكّل جريمة تستوجب العقاب"، وفق تقديره.
ورأى أنّه "لا يمكن اعتبار جميع مستهلكي الزطلة مرضى وضحايا، لأنّ الكثير منهم على اطلاع كامل بأضرار المخدّرات على صحّتهم وعقلهم وجسمهم وشخصيّاتهم وعلى أموالهم ومكانتهم الاجتماعيّة ومستقبلهم".
وأضاف: "هم على دراية بعواقبها وبكونها عملا غير قانوني، وقد يؤدّي بهم إلى السجن، ورغم ذلك يختارون استهلاكها عن وعي وقناعة ورغبة، دون إكراه ودون ضعف أو جهل بالأمر"، بحسب تعبيره.
ويرى دربالة أن مراعاة ظروف بعض المستهلكين ووضعيّتهم الاجتماعيّة وضرورة الحفاظ على مستقبلهم وإعطائهم فرصة أخرى للتدارك، خاصّة بالنسبة لمن يقبض عليهم للمرّة الأولى، ضرورية، ولكن دون أن يكون ذلك بإعفائهم تماما من العقاب والسجن.
وقال: "إذا ما علمنا أن آلاف الموقوفين والمسجونين سنويّا من أجل استهلاك المخدّرات لا يتجاوزون على الأغلب 5 في المئة من جملة المستهلكين الفعليّين للزطلة، أمكن لنا تفهّم وتوقّع ما سيشهده واقع استهلاك المخدّرات من انفجار عظيم في أعداد المستهلكين بفعل التطمين القانوني الجديد المقترح، وسيقفز بذلك رقم المستهلكين من مئات الآلاف إلى الملايين خلال سنوات قليلة فقط، بعد أن ينضمّ إليهم الراغبون سابقا في الاستهلاك ولكنّهم امتنعوا خوفا من العقاب"، وفق تقديره.
سلوك شخصي
وفي المقابل، قال الناشط حسام الحجلاوي، إنه يُطالب بإلغاء العقاب على استهلاك هذه المادّة المُخدّرة، "باعتبار أن معاقبة سلوك شخصي لا يسبّب أي مضرة للغير هو من النّاحية المبدئيّة شكل من أشكال الاستبداد".
ورأى أن الردع لم يحقق الهدف المعلن له، وهو الحد من الاستهلاك، وقال إن "القانون القديم أدى فقط إلى خلق جيل تحت الضغط وحطم عشرات الآلاف من الشباب الذين كان الاستهلاك الخطأ الوحيد الذي ارتكبوه".
وفي ردّه حول المتخوّفين من أن يُساهم إلغاء العقوبة في انتشار ظاهرة تعاطي
الحشيش، رأى الحجلاوي أن "العكس هو الصحيح، وهو ما تثبته الأرقام".
وتابع: "يكفينا الإطلاع على تجارب الدول التي ألغت
العقوبات لنفهم أن إلغاء العقوبة لا يعني استفحال الاستهلاك. والأهم هو إلغاء التعامل الأمني والجزائي حتّى تعود الدولة لدورها الحقيقي وهو التعامل مع المسألة على أساس أنها قضية صحة عامة تحتاج توعية وعلاجا، وهو ما يعطينا أملا للحدّ من الظّاهرة على عكس القانون الذي أدّى إلى العكس".
ورأى "التعامل مع الاستهلاك على أنه جرم، حتى بعد إلغاء العقوبة السجنية، يخلق فكرة مجتمعية تجريمية تعزل هؤلاء الشباب ويسبّب عواقب وخيمة تتجلّى في القطيعة التي يعيشونها من المُجتمع والتي يتسلّل عبرها التّطرّف"، وفق تعبيره.