أثار موقف
مصر من التصريحات الأمريكية والإسرائيلية بخصوص مبدأ حل الدولتين، والحديث عن خطة تبادل أراض بين مصر وفلسطين و"
إسرائيل"؛ العديد من علامات الاستفهام حيال طبيعة دورها في عملية السلام.
والتزمت مصر الصمت حيال تلك التصريحات لمدة يومين، ولم يقطعها سوى نفي رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مناقشة فكرة إقامة دولة
فلسطينية في شمال
سيناء، مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بقوله "إنها لم تكن واردة"، وفق قوله.
وفي بيان مقتضب، الخميس، أكدت الخارجية المصرية أن موقف مصر من رؤية حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية واضح ومعروف. ولكنها لم تتطرق إلى تصريحات الوزير الإسرائيلي، أيوب قرا، حول فكرة تبادل الأرضي، لإقامة دولة فلسطينية على قطاع غزة وجزء من شمال سيناء.
إفراط السيسي وتفريطه
في هذا الإطار، أكد أسامة سليمان، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشعب سابقا، أن "السيسي الذي فرّط في تراب وسيادة مصر بعد انقلابه لا يعنيه حل القضية الفلسطينية على أي مبدأ".
وقال لـ"
عربي21": "لقد ألغى السيسي، خلال حكمه، كل الثوابت المصرية والتاريخية، من أجل البقاء في سدة الحكم، والحفاظ على رقبته من المحاكمة، بإرضاء أي طرف يمنحه شرعية زائفة"، على حد وصفه.
وأشار إلى أن "السيسي الذي فرّط في جزيرتي تيران وصنافير، وضيّع حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، وفرّط في ثروة مصر من الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، لا يبالي بالتخلي عن أجزاء من سيناء لإسرائيل"، لافتا إلى "دور إسرائيل الداعم للانقلاب، وحرص السيسي على إرضائها، وهو ما تؤكده الشواهد وتصريحاته السابقة برغبته في إقامة سلام دافئ".
وعدّد سليمان الإجراءات التي اتخذها السيسي باتجاه التمهيد لهذه الخطوة من خلال "إقامة منطقة عازلة شمال سيناء، وهدم الأنفاق، وغلق المعابر (مع غزة)، وتهجير السكان، والبدء في اصطناع حرب طويلة الأجل يموت فيها الكثير من الجنود والضباط المصريين؛ بحيث لا يقبل أحد بتعمير سيناء، إرضاء للأجندة الإسرائيلية"، كما قال.
ولكنه رأى أن "ردود فعل الشارع المصري الغاضبة تجاه التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير؛ لم تمنحه الطمأنينة الكافية، وكان يمكن أن تكون البوابة للتنازل عن جزء من سيناء، كما أن التوتر بين بعض الأجهزة السيادية وتوجهات السيسي في العديد من القضايا حال دون المضي قدما في العديد منها"، وفق تقديره.
أكاذيب إسرائيلية
في المقابل، وصف طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية وخبير الشؤون الإسرائيلية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، تصريحات الوزير الإسرائيليا بـ"الأكاذيب الإسرائيلية".
وقال لـ"
عربي21": "الفكرة برمتها إسرائيلية وليست مصرية، وطرحها منذ سنوات مستشار الأمن القومي الإسرائيلي جيورا أيلاند، والباحث الإسرائيلي عوزي أردا، وتقوم على أساس تبادل الأراضي"، مشيرا إلى أن ما يحدث في شمال سيناء "ليس إخلاء، وإنما إقامة منطقة عازلة؛ بهدف القضاء على التنظيمات الإرهابية"، بحسب تعبيره.
وأشار إلى أن "مصر رفضت هذا الطرح منذ عهد مبارك، وإلى الآن، بل ولم أعلم بأنه تمت مناقشته على أي مستوى مصري، منذ خوضي هذا المعترك منذ عشرين عاما"، مضيفا: "كل ما في الأمر هو طرح فكرة تبادل الأراضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعندما سألت أبو مازن (الرئيس الفلسطيني) عن حجم التبادل أكد لي أنهما بين 3 إلى 5 في المئة، ويسمى التوطين المتبادل، ومصر غير معنية به"، على حد قوله.
وفيما يتعلق بدلالة إثارة هذه القضية، قال: "إنها محاولة تشويش على المواقف المصرية العربية، وإظهار أن الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي سيحلون قضيتهم على حساب مصر، وهو أمر غير صحيح ولا يستند على أي أساس، فمصر ترفض أن تدفع ثمن السلام أو إقامة أي دويلة على أي مستوى"، كما قال.
دلالات تورط السيسي
من جهته، رأى الباحث في العلاقات الدولية والدراسات الإسرائيلية، أبو بكر خلاف، أن تصريحات قرا يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، في مثل هذا التوقيت.
وقال لـ"
عربي21": "صاحب التصريح هو دبلوماسي إسرائيلي بمنصب وزير بدون حقيبة ضمن فريق حكومة نتنياهو، وهو ما يعني أهمية ما أدلى به من تصريحات، لقربه من صناع القرار في الكيان الصهيوني".
وأضاف: "مما يدلل على صحة هذا السيناريو، هو ما يقوم به نظام السيسي حاليا على أرض الواقع، والتي تؤكد توافقه مع هذا الطرح، ويتضح من خلال تهجير المصريين من الخط الحدودي مع إسرائيل، وعمليات الهدم الممنهجة للبيوت والمنشآت، وتجريف الأراضي الزراعية"، وفق تأكيده.
كما أدرج في هذا السياق "الفرض المستمر لحالة الطوارئ، والتضييق على حركة المواطنين فيها، ما يجبرهم على الخروج. وأخيرا، عزل سيناء، وعدم السماح بدخولها إلا بتصاريح أمنية لغير سكانها أو العاملين بها".
واعتبر أن نفي نتنياهو مؤخرا لسيناريو توطين الفلسطينيين بسيناء "لا يعني شيئا، فالطرف الإسرائيلي اعتاد الكذب والمراوغة واستغلال الفرص"، لافتا إلى أن "الجميع يعلم أن تل أبيب تقوم بعمليات عسكرية في سيناء، وهو ما يهدر معاني السيادة على الأرض"، بحسب تعبيره.