كشفت كاتبة تقرير "مسلخ صيدنايا"، نيكوليت وولدمن، عن تفاصيل تقريرها الذي نشرته منظمة "العفو الدولية"، التي أكدت أن حكومة نظام الأسد أعدمت ما يصل إلى 13 ألف سجين شنقا، في عمليات إعدام جماعي، ومارست تعذيبا ممنهجا في سجن عسكري قرب دمشق.
وخلال مقابلة لها مع صحيفة "النهار" اللبنانية، قالت وولدمن إن الاستنتاجات في التقرير تستند إلى تحقيق مكثّف امتد على طول 12 شهرا، من كانون الأول 2015 إلى كانون الأول 2016".
وبينت أن "التحقيق شمل مقابلات وجها لوجه مع 84 شاهدا، كما استند إلى أدلّة قدّمها حرّاس ومسؤولون كبار في سجن
صيدنايا، غادروا مناصبهم بعد ذلك".
ولفتت إلى أنه "بغية التأكّد من المعلومات، أجرينا مقابلات مع 31 معتقلا سابقا في سجن صيدنايا، وقد شهد عدد كبير منهم بأم العين على الخطوات المختلفة في عملية
الإعدام. وأجرينا أيضا مقابلات مع سبعة قضاة ومحامين سوريين و17 خبيرا وطنيا ودوليا في شؤون الاعتقال في
سوريا".
وأوضحت أن منظمة العفو الدولية حصلت "من معتقلين سابقين في المبنى الأحمر في سجن صيدنايا على أسماء 59 شخصا رأوهم يُقتادون من زنزاناتهم عصرا، بعدما قيل لهم إنهم سيُنقَلون إلى سجون مدنية في سوريا. وتمكّنت المنظمة من تحديد مكان إقامة عائلات 17 من هؤلاء الأشخاص الـ59. وفي جميع تلك الحالات، لم يتلقَّ أفراد العائلات أي خبر عن مصير أحبابهم أو مكان وجودهم".
وأضافت: "لقد أوردنا في التقرير أن السبب وراء إخفاء هوية هذا العدد الكبير من الشهود هو لأنهم طلبوا منا عدم ذكر أسمائهم؛ خوفا على سلامتهم أو سلامة أفراد عائلاتهم. وفي إطار السياسة التي نتّبعها، احترمنا هذه الطلبات، ونزلنا عند رغبتهم، ونحن نعتبر أن مخاوفهم مبرّرة".
الطريقة العلمية
وكشفت وولديت أنه "في كل الحالات ما عدا حالتَين اثنتين، أجريت المقابلات مع كل شاهد على حدة. وفي حالات كثيرة، أجريت مقابلتان أو أكثر مع كل شاهد لتقويم صدق الشهادات وتماسكها. لقد استخدمنا أسلوب المقارنة؛ للتدقيق جيدا في كل الشهادات التي تلقّيناها، وتمكّنّا، من خلال عملية طويلة وشاقة من التقويم والتحليل، من تكوين صورة عما يجري في سجن صيدنايا".
وحول عدد الأرقام الهائل المنشور في التقرير مقارنة مع تقارير أخرى، قالت: "تتم عمليات الإعدام في سجن صيدنايا بطريقة سرية، ولا يعلم بها سوى الحرّاس والمسؤولين المباشرين، فضلا عن مسؤولين سوريين كبار. حتى الحراس الذين يشرفون على عمليات جمع السجناء وضربهم في المبنى الأحمر لا يدركون عادة ما يحلّ بالمعتقلين بعد نقلهم إلى المبنى الأبيض في منتصف الليل. لهذه الأسباب، لم يكن العالم الخارجي على دراية بحجم حملة الإعدامات الجماعية شنقا ونطاقها، والتي كشفنا عنها في تقريرنا".
وتابعت: "قال أشخاص كانوا جزءا من السلطات الآمرة في سجن صيدنايا، لمنظمة العفو الدولية، إن الإعدامات خارج نطاق القضاء على خلفية الأزمة في سوريا بدأت في أيلول 2011. منذ ذلك الوقت، تنوّعت الوتيرة التي تُنفَّذ بها تلك الإعدامات، وسلكت اتجاها تصاعديا. في الأشهر الأربعة الأولى، كانت ممارسة معهودة أن يُعدَم من 7 إلى 20 شخصا كل 10 إلى 15 يوما".
ولفتت إلى أنه "في الأشهر الأحد عشر اللاحقة، كان يُعدَم ما بين 20 و50 شخصا دفعة واحدة أسبوعيا، وكانت هذه الإعدامات تتم عادة ليل الاثنين. ثم في الأشهر الستة اللاحقة، كانت تُعدَم مجموعات من 20 إلى 50 شخصا مرة واحدة أو مرتَين أسبوعيا، وكانت هذه الإعدامات تتم عادة ليل الاثنين و/أو الأربعاء".
وبينت أنه "تشير شهادات السجناء إلى أن الإعدامات كانت تتم بوتيرة مشابهة -أو حتى أعلى- وصولا إلى كانون الأول 2015 على أقل تقدير. إذا افترضنا أن وتيرة الإعدام ظلّت على حالها، كما في المرحلة السابقة، تشير تقديرات منظمة العفو الدولية إلى أن ما بين 5000 إلى 13000 شخص أُعدِموا خارج نطاق القضاء في سجن صيدنايا بين أيلول 2011 وكانون الأول 2015".
وأوضحت أنه "ليست لدى منظمة العفو الدولية أدلّة عن عمليات إعدام بعد كانون الأول 2015. لكن لا يزال المعتقلون يُنقَلون إلى سجن صيدنايا، وتستمر "المحاكمات" في محكمة الميدان العسكرية، وليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن هذه الإعدامات خارج نطاق القضاء قد توقفت؛ لذلك غالب الظن أن آلاف المعتقلين الآخرين أُعدِموا شنقا منذ كانون الأول 2015".
وبينت الباحثة الأمريكية أنه "في منظمة العفو الدولية نواجه باستمرار خطر أن يؤدّي الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان وعن المخالفات للقانون الإنساني الدولي إلى إفساح المجال أمام المرتكبين للعبث بالأدلة التي تقدّم إثباتات عن الاستنتاجات في تقريرنا، أو طمسها. في هذه الحالة، شعرنا بأن الفائدة الإجمالية من ذكر موقع المقابر الجماعية في التقرير وتحاليل الأقمار الصناعية، التي تَشاركَها معنا شهود أساسيون، تتفوّق على الأثمان المحتملة التي يمكن أن تترتب عن عبث الحكومة بالأدلة".
وقالت: "نناشد الأمم المتحدة الشروع في إجراء تحقيق فوري، ونوصي بأن يُجرى من دون تأخير، ليس فقط بسبب حجم الاستنتاجات التي تم التوصل إليها وأهميتها، إنما أيضا لأنه من شأن المبادرة فورا إلى إجراء تحقيق أن تقلّل من احتمالات لجوء الحكومة إلى العبث بهذه الأدلة أو سواها من الأدلة عن ارتكاب جرائم دولية في سجن صيدنايا".
كما دعت الأمم المتحدة إلى الشروع فورا في إجراء تحقيق واسع ومستقل في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سجن صيدنايا. وبغية إجراء هذا التحقيق بفاعلية وتقويم ظروف السجون، يجب أن يُتاح للمراقبين الدوليين الوصول من دون أي عوائق إلى جميع السجون في سوريا.
وقالت إنه "ينبغي على مجلس الأمن الدولي أن يصرّ على وجوب قيام الحكومة السورية بتسهيل مهمة هؤلاء المراقبين ووصولهم إلى السجون. وعلى الولايات المتحدة، وكذلك روسيا التي تُعتبَر حليفة لسوريا، استخدام نفوذهما من أجل فرض التعاون من جانب الحكومة السورية".
وبينت في ختام مقابلتها أن "الدعوة الأساسية التي نوجّهها في التقرير هي إلى إطلاق تحقيق مستقل بقيادة الأمم المتحدة حول الجرائم الدولية المرتكبة في سجن صيدنايا. نتطلع إلى نتائج هذا التحقيق الذي نعتقد أن من شأنه أن يقدّم تحليلا وأدلّة أكثر تفصيلا عن الجرائم ضد الإنسانية".