بسرعة كبيرة تطورت الخلافات الأوروبية والأمريكية لتتحول من مجرد خلافات بسيطة إلى حروب واتهامات على ساحات الإعلام بين الجانبين.
"تيد مالوك" المرشح لمنصب السفير الأمريكي للاتحاد الأوروبي استهل الاتهامات المتبادلة عندما أعلن إمكانية انهيار العملة الأوروبية الموحدة "
اليورو" خلال 18 شهرا، مستخدما تعبيرات تتجاوز الأطر الدبلوماسية في توجيه تحذيرات إلى الاتحاد الأوروبي بتجنب إعاقة المفاوضات بين بريطانيا والولايات المتحدة، قائلا "إن ذلك سيكون أشبه بالزوج الذي يحاول منع زوجته من تركه".
وقرأ القادة الأوروبيون تلك التصريحات على أنها جس نبض من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لكيفية تفاعلهم مع رؤيته بشأن العلاقة بين الجانبين، فأسرعوا بالرد، وبعد ساعات من وصول رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي إلى البيت الأبيض، صرح الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بأن إدارة ترامب تمثل تحديا للاتحاد الأوروبي.
لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، إذا سكب بيتر نافارو المستشار التجاري للرئيس الأمريكي مزيدا من الزيت على النار، متهما ألمانيا باستخدام انخفاض قيمة "اليورو" من أجل استغلال شركائها التجاريين.
وفي تصريح لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، اعتبر نافارو اليورو عملة ألمانية في صورة أوروبية، مشيرا إلى أن العائق الأكبر أمام اعتبار اتفاق التبادل بين ضفتي الأطلسي اتفاقا ثنائيا هو ألمانيا، التي تواصل استغلال دول أخرى في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة باستخدام "مارك ألماني خفي" في إشارة إلى "اليورو" أدنى بكثير من قيمته.
واكتفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بتفنيد تلك التصريحات، لكن في ظل تلك التوترات والاتهامات
الاقتصادية، حسم دونالد تاسك رئيس المجلس الأوروبي المسألة، وكشف عن وجهة نظر القادة الأوروبيين الحقيقية لإدارة ترامب، ففي رسالة خصصها تمهيدا لقمة مالطا غير الرسمية حول مستقبل الاتحاد، التي ستعقد احتفالا بالذكرى السبعين لاتفاقية روما، قال تاسك "إن التصريحات المقلقة للإدارة الأمريكية الجديدة، تجعل مستقبلنا لا يمكن التنبؤ به. وإن إدارة الرئيس ترامب تمثل جزءا من التهديد الخارجي الذي نتعرض له من روسيا والصين".
وإذا كانت المشكلات بين ضفتي الأطلسي لا تزال تدور في إطار تصريحات إعلامية "عدائية" بين المسؤولين، فإن السؤال الأبرز حاليا هل يمكن أن تنتقل التصريحات إلى خطوات فعلية ملموسة تؤثر في حجم التبادل التجاري والاستثماري بينهما؟ وإذا ما حدث ذلك فما البدائل المتاحة لكل طرف من الطرفين؟
وكيف سينعكس ذلك على مسيرة الاقتصاد العالمي؟
البروفيسور أندروا ميلر رئيس قسم الاقتصاد سابقا في جامعة لنكستر والاستشاري في اللجنة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي يعتقد أن أغلب الظن هو أن الأمور ستتجاوز التصريحات العدائية، وستتخذ واشنطن إجراءات اقتصادية تضر بمصالح الاتحاد الأوروبي، ما يتطلب إجراءات أوروبية مضادة، وفي الأغلب إذا أكمل ترامب دورته الرئاسية، فسنشهد تصاعدا في حدة النزاعات التجارية بين ضفتي الأطلسي.
وتابع وفقا لصحيفة "الاقتصادية"، أنه بحكم الوضع الاقتصادي للطرفين، فإن النزاع التجاري سينعكس سلبا على معدل النمو الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي، وسيدفع التكتل إلى البحث عن قنوات تبادل تجاري واستثماري مع مناطق أخرى من العالم، أبرزها الصين والاقتصادات الناشئة، بحيث يمكننا القول حاليا إن الهيكل الراهن لمراكز التبادل التجاري العالمي، ربما تشهد تغيرات جذرية بنهاية السنوات الأربع لرئاسة ترامب إذا أكملها.
وعلى النقيض تماما من ذلك التحليل، تجد الدكتورة ساندي فريزر عضو حزب الاستقلال البريطاني والمدافعة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والإسراع بتوقيع اتفاقية تجارة حرة بين بريطانيا والولايات المتحدة، تجد أن هناك مشروعية تامة للهجوم الذي تشنه الإدارة الأمريكية الجديدة على الاتحاد الأوروبي.
وتؤكد أن الإدارة الأمريكية ليست فقط التي تؤمن بأن "اليورو" يتداول بأقل من قيمته، بل إن عديدا من الاقتصاديين الأوروبيين يرون ذلك أيضا، فسياسة التحفيز الكمي التي يتبناها البنك المركزي الأوروبي بدفع تريليونات من "اليورو" لشراء الأصول بهدف تحفيز التضخم ورفع معدلات النمو في منطقة "اليورو" التي تعاني ركودا اقتصاديا، يعد خفضا رسميا لقيمة "اليورو"، والمستفيد الأكبر من ذلك ألمانيا باعتبارها أكبر الاقتصادات الأوروبية، إذ تزيد بذلك صادراتها من السلع والمنتجات وتحقق فائضا تجاريا ضخما.
وحول الوسائل التي يمكن أن تلجأ إليها واشنطن لمعاقبة الاتحاد الأوروبي إذا أصرت على تمسكها بعدالة سعر صرف "اليورو"، تعتقد فريزر أن
أوروبا ليست بمنأى عن العقاب الأمريكي، فبمجرد رفع أسعار الفائدة الأمريكية وخفض
الضرائب ستنسحب رؤوس الأموال الأمريكية من الأسواق العالمية لإعادة التموضع في الولايات المتحدة، وذلك أن معدل الربحية في أوروبا أقل من البلدان الآسيوية جراء الركود الأوروبي.