عندما تستمع إلى "كيليان كونواي" مستشارة
ترامب، وهي تردد مقولة "الحقيقة البديلة"، لا بد وأن تسترجع بالذاكرة رواية "1984" التي كتبها "جورج أورويل" عام 1949، إلا أن الكاتب لم يختر الولايات المتحدة لتكون مسرحا لكتابه حول طغاة القرن العشرين، ولكن عندما تستمع إلى "كونواي" وهي تنبري دفاعا عن تضليل ترامب، تكتشف أنه كان أكثر واقعية لو سميت الرواية "الولايات المتحدة عام 2017" بدلا من 1984.
حق الشعب في اختيار رئيسه ليس منحة أو بدعة، وعادة ما يختار الشعب رئيسا أو زعيما يقود لمستقبل أكثر إشراقا، ولم يحدث يوما أن اختار شعب شخصية سلطوية لحكم بلاده، وذلك لأن الطغاة يصلون إلى السلطة عبر انقلابات عسكرية، وليس عبر صناديق الاقتراع، وأحدث مثال لذلك هو طاغية مصر "السيسي" الذي استولى على السلطة بالقوة، ثم خدع قطاعا من الشعب ورسم نفسه رئيسا عبر انتخابات شكلية.
قد يكون ذلك طبيعيا في بلد مثل مصر، كما في بلدان العالم الثالث، أن يتحرك قائد عسكري بمكالمة هاتفية من إحدى سفارات الدول الكبرى التي قد تقترح، بل أحيانا تصدر أمرا بعزل رئيس منتخب ديمقراطيا، فيعزل ذلك الرئيس الذي تم انتخابه في أول انتخابات ديمقراطية في تاريخ مصر، رئيسا انتخب بعد ثورة مثالية تحدث عنها العالم، مرت من خلال ميدان التحرير لتنهي سيطرة طاغية حكم مصر 30 عاما.
ولكننا لم نتوقع أبدا أن نرى طاغية يجلس على رأس السلطة في واشنطن في القرن الــ21 عبر صناديق الاقتراع؛ لأننا كنا نعتقد أن جورج بوش الابن هو أسوأ ما قد تأتي به ديمقراطية الولايات المتحدة، إلا أنه اتضح لنا الآن أن الأمر ليس كذلك، وإننا لم نر أسوأ ما في الانتخابات الغربية بعد.
ولكن هل مقارنة ترامب بالسيسي أمر منطقي؟ قد يكون تقييم المصريين للأمر كذلك، فبينما هم يقرؤون رواية "أورويل" كان السيسي يقوم بالاستيلاء التدريجي على مقدرات البلاد، حتى وصل الأمر وأصبحت قراءة "1984" مجرّمة في ظل نظام السيسي. وإن كانت نقطة انطلاق ترامب تختلف تماما عن نقطة انطلاق السيسي، ولكن بالتأكيد ستكون النتيجة هي نفسها إن لم تكن أسوأ.
عندما تلفظت "وزيرة الحقيقة"، المعروفة سابقا باسم وزيرة الدعاية، "كيليان كونواي"، بمقولة "الحقائق البديلة"، هي لم تخترعها، وكانت تدرك بلا شك أن مقولتها ستنقلنا لعصر "ويستون سميث". وإنها بذلك تبعث برسالة مباشرة للشعب الأمريكي، بل وللعالم أجمع، أن من يسكن البيت الأبيض الآن ليس رئيسا للولايات المتحدة وحسب، بل هو "الأخ الأكبر".
لم يكن من الغريب أن ترتفع مبيعات رواية "أورويل" وتصبح ضمن قائمة أفضل الكتب المباعة في الولايات المتحدة، مع تتويج نجم التلفزيون ترامب رئيسا، ومع بداية عصر كونواي- ترامب. إلا أنني تمنيت أن يقرأ الشعب الأمريكي هذه القصة قبل انتخاب ترامب وليس بعد تنصيبه، وليتنا نذكر كونواي وترامب أن "1984" كتبت لتحذر الشعوب من عودة
الاستبداد والطغاه، ولم تكتب كوصفة ارشادية لهؤلاء الطغاة.
لقد قال وينستون سميث، الشخصية الرئيسية في رواية أورويل: "إذا قبل الجميع الكذبة التي فرضها الحزب عليهم، وإذا رددت ذات الكذبة في كل المجالات، ستصير تلك الكذبة جزءا من التاريخ، وتصبح هي الحقيقة". وهذا ما يجب علينا رفضه، وتجب علينا مقاومة سيطرة الأخ الأكبر وحزبه وحاشيته.
فلن تكون "اثنان زائد اثنان يساوي خمسة" إلا في العقول المريضة لحاشية الرئيس، وستبقى "الحقائق البديلة" أكاذيب لن يقبلها الشعب الأمريكي ولا أي من شعوب العالم، وستبقى الحقيقة الوحيدة أن "اثنان زائد اثنان يساوي أربعة".
لقد مضى وقت طويل ونحن نبحث عن رئيس يضفي على الولايات المتحدة وجها إنسانيا، إلا أننا انتهينا برئيس أزال القناع الإنساني الذي أخفى الوجه الحقيقي للولايات المتحدة لفترة طويلة. فهل سيشرب الشعب الأمريكي من ذات الكأس التي أجبر العالم كله أن يتجرعها منذ عقود؟ هذا هو ما سنراه خلال هذه الحقبة.