الهدوء النسبي الذي يقدمه المجتمع الدولي تجاه القضية اليمنية يمكن حمله على وجه الايجابية؛ إذ سكت الصوت الغربي المتوعد بإصدار قرار جديد بوقف الحرب، والعودة إلى مربعات الحوار السياسي، والتسليم بالحلول المطبوخة غربيا ، وفق ما تشتهيه الذائقة الحوثية.
لم يعد لذلك الصوت أثر في اللحظة الراهنة، صحيح أن الحامل السياسي له "إدارة أوباما" قد انتهت مهمتها في البيت الأبيض، لكن لم يكن غيابها هو كل السبب، فالدبلوماسية اليمنية هي الأخرى صنعت تحركا نوعيا ، وحراكا كبيرا في أوعية صنع القرار الدولي، وأضافت بذلك نجاحا جديدا لإدارة الدولة الشرعية، والشواهد عديدة على ذلك.
فتحرك السيد عبد الملك المخلافي وزير الخارجية اليمني في أروقة الأمم المتحدة بجانب أشقائه الخليجيين أمكنهم من إيقاف مشروع قرار بريطاني يطالب بالوقف الفوري للحرب، والذهاب نحو التنفيذ الكلي لرؤية اللجنة الرباعية للحل (أمريكا، بريطانيا، السعودية، الإمارات) وهو حل يؤسس لحرب طائفية تمتد لعقود، ويجبر القيادة الشرعية على التسليم بسلطة الأمر الواقع الانقلابية، وتقاسم السلطة والقرار مع الانقلابين، وبالتأكيد أن رؤية "الرباعية" للحل حمل وجهة نظر إدارة أوباما، وبذكاء تساوقت معها الدبلوماسية السعودية، حتى لا تستثير النسر الأمريكي في أواخر أيامه الرئاسية، وتركته يقرر ما يراه، وهي تدرك أنه ليس في حوزته من الوقت ما يكفي لتنفيذ ما يُريد.
وفي جنيف حققت الدبلوماسية اليمنية نجاحا أخر قاده الوزير المخلافي من خلال إقرار مشروع قرار المجموعة العربية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، وهو نجاح تم تداركه في اللحظات الأخيرة من التصويت لصالح مشروع القرار الأوروبي.
ولجم عنفوان الدب الروسي تجاه القضية اليمنية، وخلق تواصل إيجابي مع موسكو كان عملا ايجابيا بامتياز، والشهر القادم سيتم التصويت في مجلس الأمن لصالح تمديد العقوبات المفروضة على الخمسة المجرمين بحق الوطن والشعب، وهم صالح ونجله أحمد وعبد الملك الحوثي وشقيقه عبد الخالق والقائد العسكري الحوثي أبو علي الحاكم.
انزعاج إيران من التحرك الايجابي للدبلوماسية اليمنية دفعها لتحريك أدواتها الناعمة في كل اتجاه، خاصة في جبهة الإعلام، وهنا سمعنا الأصوات المأجورة تتعالى، والمداخن تنفث دخانها الأسود لحجب الحقيقة، ووجدنا من يشكك بقيادة الشرعية اليمنية، ورجالها وأدواتها، رأينا من ينتقد عدم بقاء وزارة الخارجية في عدن، في لحظة نحن أحوج ما نكون فيها إلى التحرك النوعي في كل العواصم، الالتقاء بسفراء الدول الفاعلة والمؤثرة في الملف اليمني الذين يتعذر وجودهم في الداخل لأسباب أمنية بحتة.
تلك الأصوات لم تنس في ذات اليوم أن تطعن في نزاهة قناة الجزيرة التي خرجت بسبق صحفي من خلال حصولها على تقرير لجنة العقوبات الفاضح للتحويلات المالية لصالح ونجله في تمويل العنف والإرهاب في اليمن... قالت الغربان أن "الجزيرة" تهدف إلى التغطية على انتصارات الشرعية في ميناء المخا!
لقد جرحها الحديث عن فضائح وجرائم مولها صالح، وهو المنفق السخي على المعارضة التي صنعها لنفسه في شوارع لندن في فترة ما بعد حرب 94م، وإلا فما تفسير سكوتها عن جرائمه 20 سنة، ثم خروجها اليوم تنتقد كل خطوة ناجحة لرجال الدولة الشرعية، ألم يكن الأولى بها الحديث عن إيجابيات الانتصارات والتحسن الملحوظ في إدارة مؤسسات الدولة، وكشف اختلالاتها الحقيقية، وتتبع شبكات الفساد، وفي مقدمتهم تجار الحروب والمهربين للأسلحة والمشتقات النفطية إلى الانقلابين؟!