كشف أحدث تقرير صادر عن مؤسسة
الشفافية الدولية، أن
مصر أصبحت من الدول الأكثر فسادا حول العالم، مؤكدة تراجع تصنيف مصر على مؤشر مدركات
الفساد الذي يقيس مستويات النزاهة سنويا، في عام 2016 بمقدار درجتين.
وسجلت مصر 34 نقطة، مقابل 36 في عام 2015، كما احتلت المركز 108 من بين 176 دولة شملها المؤشر في 2016، بينما كانت تحتل المركز 88 من بين 168 دولة في 2015.
وأظهر التقرير استمرار تراجع تقييم مصر في ذات المؤشر، حيث تراجع عام 2015 إلى 36 نقطة بعدما كان 37 نقطة في 2014، وهو ما يعني أن الفساد آخذ في التزايد منذ انقلاب تموز/ يوليو 2013.
وقالت "الشفافية الدولية" إنه على الرغم من العديد من قضايا الفساد التي أعلنت الأجهزة الرقابية في مصر عن ضبطها مؤخرا، إلا أن الفساد ما زال مستشريا في البلاد بسبب غياب أي إرادة سياسية حقيقية وجادة لمكافحته.
ولفتت المنظمة إلى أن النظام قام خلال عام 2016 بالتعدي على الهيئات الرقابية المستقلة حين أقال قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل صدر حكم قضائي في كانون الأول/ ديسمبر الماضي بتأييد حبس جنينة سنة مع وقف التنفيذ بتهمة نشر أخبار كاذبة بعد أن قال إن حجم الفساد في البلاد بلغ 600 مليار دولار في السنوات الأربع الأخيرة!
وأضافت أن الحكومة المصرية تزعم مكافحة الفساد وتقديم مرتكبيه للقضاء، لكن الواقع يؤكد أنها لا تطبق بشكل جاد آليات مكافحة الفساد المعروفة دوليا ومنها وضع حد للفساد السياسي وضمان حرية الرأي والتعبير، وإيجاد إرادة سياسية فاعلة في تحقيق الالتزامات الدولية في هذا المجال، ووقف الضغوط على مؤسسات المجتمع المدني والنشطاء والمبلغين عن وقائع الفساد، وتعزيز استقلال القضاء، ومحاسبة المسؤولين الفاسدين.
باب خلفي للفساد
وفي تقرير سابق للشفافية الدولية، استنادا لاستطلاع للرأي أجرته المنظمة، نشرته في شهر آيار /مايو 2016 أكدت المنظمة أن نحو نصف المصريين يضطرون لدفع رشاوى للحصول على الخدمات الحكومية خاصة في المحاكم وأقسام الشرطة، وأن 61% يعتقدون أن الفساد يزيد في بلادهم.
وعلقت رئيسة مركز الحوكمة ومكافحة الفساد غادة موسى على هذا التقرير قائلة إن الفساد مستشرٍ في مصر منذ عقود طويلة، لكن مستوياته زادت أكثر في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك حيث أصبح الفساد أكثر تشعب في الجهاز الإداري المترهل للدولة.
وعن أسباب تزايد الفساد في مصر، أوضحت موسى، في تصريحات لـ "
عربي21" أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر تخلق مبررات للفاسدين حتى يتمادوا في فسادهم، خاصة في ظل الدخول المتدنية للموظفين مقارنة بباقي دول العالم وهؤلاء يتربحون من أموال مشبوهة لزيادة دخولهم، مضيفة أن البيروقراطية من الأسباب الرئيسية لاستمرار الفساد في مصر، حيث تؤدي إلى تعطيل مصالح الناس ومن ثم تخلق بابا خلفيا لدفع الرشاوى بهدف سرعة إنهاء إجراءاتهم، خاصة في المصالح الحكومية الخدمية.
نظام غير جاد
من جانبه، رأى أستاذ العلوم السياسية الدكتور سعيد عامود، أن الخلاف الذي حدث بين قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة زاد من تفاقم الفساد، موضحا أنه حينما كشف جنينة عن وجود قضايا فساد كثيرة في الدولة تزيد قيمتها عن 600 مليار جنيه أقاله السيسي مخالفا للدستور، وهو ما أعطى مؤشرا بالغ السوء لصورة مصر في الخارج وكشف عدم جدية النظام في مكافحة الفساد.
وأكد عامود، لـ "
عربي21" وجود مؤسسات ومناطق نفوذ في الجهاز الإداري للدولة لا يستطيع أحد الاقتراب منها أو محاسبة المسؤولين فيها، مشيرا إلى أن أصحاب هذه المصالح مستمرون في فسادهم دون أي رادع لهم.
وشدد على أن إنهاء الفساد في المجتمع المصري أمر صعب لأنه مستمر ومتوغل بسبب الفقر والظروف الاجتماعية الصعبة، فهناك آلاف الموظفين الصغار الفاسدين الذي يتلقون رشاوى صغيرة لإنهاء خدمات للمواطنين في المصالح الحكومية رغم وجود ترسانة من القوانين لردعهم.
وأشار عامود إلى أن الحملات الإعلانية التي تنفذها الحكومة مؤخرا لتوعية المواطنين بخطورة الفساد غير مجدية لأنها لا تتضمن خطة متكاملة لمحاربة الفساد، بل تترك الموظفين والعاملين بالأجهزة الرقابية يتحركون بوازع من ضمائرهم فقط لكشف هذا الفساد، مؤكدا أن الحل الوحيد هو في تشديد الرقابة على موظفي الجهاز الإداري وتقليل البيروقراطية.