تشيد الدول العربية بهدوء بوصول زعيم متشدد يعارض غريمتهم إيران إلى البيت الأبيض، حتى لو كانوا يشتبهون في أن طباع دونالد
ترامب الحادة وتغريداته على تويتر قد تسهم في بعض الأحيان في تأجيج التوترات في الشرق الأوسط الملتهب.
وبينما استمع الكثير من دول العالم بقلق لخطاب تنصيب ترامب، الذي شابته نبرة حمائية، بدا مسؤولون من دول خليجية عربية متفائلين. فهم يرون ترامب رئيسا قويا سيعزز دور واشنطن كشريك أساسي استراتيجي لهم في منطقة مهمة لأمن الولايات المتحدة ومصالحها في مجال الطاقة.
وفي عيون
دول الخليج العربية، يتضمن هذا فوق كل شيء كبح جماح ما ترى هذه الدول أنه تنامي الدعم الإيراني لحلفاء شبه عسكريين في سوريا والعراق واليمن ولبنان وللشيعة في البحرين والمنطقة الشرقية المنتجة للنفط في
السعودية.
كما يعني ذلك التجاوز على الأقل في الوقت الراهن عن التصريحات بشأن توحيد "العالم المتحضر ضد الإرهاب الإسلامي المتطرف" ضمن الخطاب، الذي قال منتقدون إنه أعاد إلى الأذهان حملة بوش "الصليبية" ضد الإسلام.
وتبدو السعودية على الأخص سعيدة لرحيل باراك
أوباما؛ إذ كانت تشعر بأنه يتعامل مع تحالف الرياض وواشنطن على أنه أقل أهمية من التفاوض لإبرام الاتفاق النووي مع إيران في 2015.
وهذه العلاقة هي أحد أعمدة التوازن الأمني في الشرق الأوسط، لكنها تدهورت بعد أن أبدت الرياض استياء مما رأت أنه انسحاب لإدارة أوباما من المنطقة وميلها نحو إيران منذ انتفاضات الربيع العربي عام 2011.
"رونالد ريجان آخر"
ثارت التوترات بشأن الوضع في سوريا، عندما تجاهل أوباما رغبات دول الخليج العربية الملحة في تقديم المزيد من الدعم لمقاتلي المعارضة الذين يحاربون الرئيس بشار الأسد الذي صمد بفضل الدعم من إيران وروسيا.
وقال عبد الرحمن الراشد، وهو محلل سعودي مخضرم: "الإدراك مهم: ترامب لا يبدو أنه النوع من الرجال الذي سيميل نحو إيران أو أي جهة أخرى".
وتابع قوله: "إذا تصرف مثلما يقول، فسنشهد رونالد ريجان آخر.. شخص ستتعامل معه كل القوى في المنطقة بجدية. للأسف هذا ما كنا نتفقده خلال الأعوام الثمانية الماضية".
ويشعر البعض بالقلق من أن عادات ترامب على تويتر -الرسائل المتلاحقة الجامحة بالثناء أو اللوم- تعني أنه ليس مؤهلا للتعامل مع تقلبات الشرق الأوسط.
وقال فيصل اليافعي، وهو كاتب صحفي في الصحيفة الوطنية، لأبو ظبي، إن من غير المرجح أن يتغير ترامب، رغم أن استخدامه لمواقع التواصل الاجتماعي قد يكون مشكلة.
وقال: "عند مرحلة ما سيحدث شيء في العالم يتطلب رد فعل متأنيا وسياسة حذرة، وسيكون رد فعل ترامب انفعاليا. سيكون هذا هو مصدر القلق دائما. لكن هذا هو سلوكه وهذا هو. من يحبون ترامب يحبون هذا الجانب من شخصيته".
ويرى بعض المحللين العرب تشابها سياسيا بين ترامب وريجان الذي رفع أيضا شعار "اجعلوا أمريكا عظيمة مجددا". وكان ريجان أيضا داعما قويا للجيش، رغم أن فترة حكمه بين 1981 و1989 شابتها أزمات مطولة في الشرق الأوسط تشمل إيران ولبنان وليبيا.
وفي حين أن قلة فقط في الخليج تتوقع أن يلغي ترامب الاتفاق النووي مع إيران، رغم أنه هدد بعمل ذلك، فإن معظمهم يريدون الضغط على طهران؛ لتحجيم ما ترى دول الخليج العربية أنه تخريب في الدول العربية من نظام ديني ثوري.
وقال رجل أعمال خليجي: "أعتقد أنه سيكون صارما جدا جدا مع إيران. سيكون حاسما"، مشيرا إلى أن رجل الصفقات ترامب سيطالب على الأرجح بشيء في المقابل.
السياسة الخارجية
بعد لحظات من خطاب ترامب، قال موقع البيت الأبيض إن إدارة الرئيس الجديد ستجعل من هزيمة "الجماعات الإرهابية الإسلامية المتطرفة" أهم أهدافها في السياسة الخارجية، وستطور نظام دفاع صاروخيا على أحدث مستوى؛ للوقاية من هجمات من إيران وكوريا الشمالية.
وستكون هذه على الأخص مهمة وزير الدفاع جيمس ماتيس، والمرشح لتولي وزارة الخارجية ريكس تيلرسون، والمرشح لتولي منصب مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مايك بومبيو، وجميعهم شخصيات معروفة لدى المسؤولين السعوديين.
وماتيس على وجه الخصوص -وهو جنرال متقاعد من مشاة البحرية معروف بأنه لا يثق في إيران- شخصية مألوفة لحكام دول الخليج العربية.
وكان ماتيس قائدا للقيادة المركزية التي تشرف على العمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا. وقال خلال جلسة التصديق على ترشيحه في مجلس الشيوخ هذا الشهر إن إيران هي أكبر "قوة تزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط، وإن سياساتها تتعارض مع مصالحنا".
مثل هذه المواقف تلقى صدى طيبا لدى حكام دول الخليج العربية.
وقال الراشد: "نأمل أن يصحح ترامب سياسة (أوباما)، ورغم أننا لسنا على ثقة من ذلك بعد، فإن اختياراته لتولي الإدارة تبدو جميعها ذات خبرة".
حشد عسكري
فيما يتعلق بسوريا واليمن والعراق والبحرين -وهي ساحات للتنافس على الهيمنة بين الرياض وطهران- بدت خيارات أوباما للحوار ضعيفة لبعض العرب في الخليج.
وقد تغير رؤية ترامب بشأن "السلام من خلال القوة" تلك الفكرة عن سلبية واشنطن، وتشجع حكام الخليج العرب على المضي قدما في الحشد العسكري الذي يعتمد بقوة على شركات دفاعية أمريكية وأوروبية.
لكن عددا من القضايا قد يسهم في توتر العلاقات، مثل القدس والسياسة النفطية، وما يبدو أنه تعصب ضد المسلمين، بالإضافة لقانون أمريكي يتيح رفع دعاوى قضائية ضد الرياض بشأن هجمات 11 سبتمبر/ أيلول.
وعلى رأس هذه القضايا مسألة تعهد ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس، وهو ما سيغير عقودا من السياسة الأمريكية، بالإضافة لتعيينه محاميا كان يجمع الأموال لمستوطنة يهودية كبرى سفيرا لإسرائيل.
لغة مثيرة للاستقطاب
قال مصدر خليجي على دراية بنهج التفكير الرسمي: "سيؤجج هذا الكثير من الفوضى، بل وربما انتفاضة جديدة"، مضيفا أنه سيتعين على ترامب أن يفكر مليا بشأن تحرك سيكون "عبئا ثقيلا على عملية السلام".
ومن القضايا الأخرى، مساعي ترامب لتدمير تنظيم الدولة. وتتفق معه دول الخليج العربية في هذا الهدف، لكن استخدام لغة مثيرة للاستقطاب ينظر لها كأنها تشيطن المسلمين، كما أن الاعتماد على القوة العسكرية فقط سيثير الاعتراضات.
وقد تؤجج هذه اللغة أيضا التشدد من خلال عرقلة المساعي الشعورية والعقلانية للتصدي للتفكير المسؤول عن العنف.
وقال داهم القحطاني، وهو محلل سياسي كويتي: "أسوأ ما في الخطاب أنه سيستهدف الإسلام كدين باسم محاربة ما أسماه بالإرهاب الإسلامي الراديكالي، وهي تسمية فارغة لا معنى لها".
وقال اليافعي: "إذا عاد إلى حقبة بوش وخطاب؛ إذا لم تكونوا معنا فأنتم ضدنا، هذه الفكرة المثيرة للاستقطاب، وأيضا فكرة أن القوات العسكرية بإمكانها حل الأمر، فأعتقد عندها أننا سنجد أنفسنا في وضع صعب للغاية في ظل حرب لن يمكن تحقيق النصر فيها".