بمجرد إعلان القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (يساري ورمزه الوردة) لحبيب المالكي ترشحه لمنافسة نفسه على الظفر بمقعد رئاسة البرلمان المغربي الإثنين، تعالت الضحكات داخل قاعة الجلسة، والسبب بسيط هو أن المباراة محسومة النتائج بشكل مسبق، وكان معروفا قبل جلسة التصويت بأسابيع أن المالكي الذي ختم عقده السابع هو مرشح وحيد وبالتبع هو رئيس البرلمان دون منافس، وهي العملية التي اعتبرها كثيرون تمت على حساب الديمقراطية المغربية الناشئة، وأنها جزء من عملية الانقلاب على النتائج التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية المغربية في السابع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
عبثية عملية انتخاب رئيس البرلمان المغربي واستحقاقها لوصف المسرحية، نابع أولا من كون هذا الأمر أعلن سلفا في لقاء تم في اليوم الموالي لنتائج الانتخابات البرلمانية، حيث اجتمعت عدة أحزاب واتفقت على أمور عدة للانقلاب على نتائج الانتخابات، منها منح رئاسة البرلمان لحزب الوردة، وهو الأمر الذي فضحه وانسحب منه حميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال المغربي وأعلنه لاحقا، وطبعا دفع وما يزال ثمن شجاعته غاليا، كما سبق لعبد الإله ابن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية (إسلامي ورمزه المصباح) أن أكده بدوره، هكذا عمدت سبعة أحزاب إلى التكتل في جبهة واحدة وإعلان ستة منها عدم تقديمها لأي مرشح بشكل أصبحت معه الطريق معبدة لحزب الوردة باعتبار أن ذلك التكتل الحزبي يساوي 209 برلمانيا/ صوتا من أصل 395 مقعد بمجلس النواب (الغرفة الأولى) وهو ما يعطي للمالكي الفوز برئاسة البرلمان وهو ما حصل بالفعل.
في الصف الثاني نجد أحزاب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية، وحيث أن مجموع أصواتهم لا يتعدى 183 صوتا، فإن العملية كانت محسومة سلفا من خلال تكتل حزبي غير مسبوق في المغرب، ولذلك انسحب حزب الاستقلال من الجلسة وصوت حزب العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية بالورقة البيضاء، كل ذلك لاعتبارات مختلفة أهمها عدم إضفاء المصداقية على عملية التصويت لأن كل المؤشرات تؤكد أنها عملية أشبه للمسرحية ولذلك تركوا مرشح ما يسمى في المغرب بأحزاب الإدارة أو من التحقت بها من الأحزاب، يتقدم دون منافس حتى لا تسجل بصمة للأحزاب الأخرى على السكينة التي ذبحت بها الديمقراطية.
من مؤشرات عبثية عملية انتخاب رئيس البرلمان المغربي أيضا، أن العادة جرت في المغرب منذ أول دستور بأن لا ينتخب رئيس الغرفة الأولى إلا بعد أن تحدد بشكل واضح الأحزاب التي هي في الأغلبية من التي في المعارضة، كما جرت العادة أن تكون رئاسة مجلس النواب ضمن مفاوضات تشكيل الحكومة التي تخضع لعملية عرقلة ممنهجة منذ أزيد من 100 يوم، وحيث إن الهدف هو الانقلاب عن نتائج الانتخابات وتقزيم فرص نجاح وتفوق حزب العدالة والتنمية الذي تصدر الانتخابات ب 125 مقعدا، فإن هذا العرف تم خرقه لمنح رئاسة البرلمان (ثالث منصب في الدولة) لحزب حل في المرتبة السادسة في الانتخابات بعدد مقاعد لم يتعدى 20 مقعدا.
عناصر العبث تدلل عن نفسها أيضا عندما نعلم أن الاتحاد الاشتراكي الذي سارع إلى الإعلان عقب نتائج انتخابات 25 نونبر/ تشرين الثاني 2011 أن مكانه الطبيعي هو المعارضة "احتراما للاختيار الشعبي الذي منحه حينها 39 مقعدا"، ولنا أن نتساءل، كيف نظر حزب الاتحاد الاشتراكي حينها إلى أن 39 مقعدا تلزمه بالمعارضة لأن من صوت من الشعب لم يمنحه لا الرتبة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة"، فكيف تغير هذا المنطق اليوم 180 درجة ليصبح الحزب الذي حل سادسا في ترتيب نتائج انتخابات 2016 وبعدد مقاعد لا يتعدى 20 مقعدا، يرى نفسه أحق بالمشاركة في الحكومة أو على الأقل قرصنة رئاسة مجلس النواب الذي يعادل وزارتين في منطق التفاوض حول الحقائب الحكومية.
من دلائل أن عملية التصويت تمت على أنقاض الديمقراطية، ما تعرفه عملية تشكيل الحكومة الثانية لعبد الإله ابن كيران، من عرقلة ممنهجة وهو ما توضحه أمور عدة منها تغير رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار لرئيسه في ظرف وجيز وبشكل استثنائي ليصبح رجل الأعمال عزيز أخنوش رئيسا لحزب الأحرار ويقوم بمفاوضة رئيس الحكومة باسم ثلاثة أحزاب، في تكتل لا يصل حد الاندماج لكنه اعتبر حالة شاذة في الممارسة السياسية المغربية. فهي جملة إذن من الشروط التعجيزية والتي تتجاوز المناورات السياسية إلى حد النيل من قيم ومبادئ وإرادة شعبية لطالما أكد حزب العدالة والتنمية أنه لا يقبل التلاعب بها، وهو ما دفع ابن كيران إلى إصدار بلاغ تاريخي أعلن فيه "انتهاء الكلام" مع حزبي الأحرار والحركة الشعبية مسجلا وكما كان معروفا أنهما يتحدثان بلسان آخر وكما خاطبهما بالقول "إنهم في وضع لا يملكون معه الإجابة على أسئلته وعروضه". هكذا ورغم تصدر العدالة والتنمية للانتخابات، وتعيين الملك لرئيس الحكومة تفعيلا للدستور، فإن ما حدث من تلاعب بالديمقراطية الإثنين الماضي أعاد مفاوضات تشكيل الحكومة إلى النفق المسدود.