إن لم تتحرك عند انعدام الأمل فلن تتحرك عند حلول القدر؛ فسنن التاريخ تجري ليس وفق الطلبات والآمال، بل وفق قوانين وسنن ثابتة لا تتغير، منها: "ما أخذ بالخداع والمكر والعضلات لا يعود إلا بنفس النوع من المكر والخداع والعضلات".
عندما تخسر المعركة عليك أن تغير قواعد اللعبة لا اللعبة ذاتها.
وعليه، لكي نحقق ما نريده، ونمتلك ما نطلبه، ونجعل الأماني والأحلام والطموحات واقعا حقيقيا ملموسا نعيشه، وتعيشه الأجيال التي تأتي من بعدنا، علينا أن نعرف أن كل تغيير يحدث في المجتمع لا بد وأن يعقبه تغيير في المطالب: الاقتصادية والسياسية، سواء كانت هذه التغيرات سلبا أو إيجابا. على سبيل المثال المبسط، احتياجاتك وأنت أعزب تختلف عن احتياجاتك وأنت متزوج، كما أنها تختلف عن احتياجاتك وأنت أب لطفل أو طفلين، وتزداد حدة كلما كبرت الأسرة من ناحية العدد والعمر، فاحتياجات الأطفال تختلف عن احتياجات الشباب، تختلف عن احتياجات الكهولة. وكذلك الدول والأنظمة، كلما حدث اختلاف أو تغير سريع أو بطيء في عنصر من العناصر المكونة له تطلب تغيرا حتميا في النظام ذاته، فتغير عدد السكان أو تغير نسبة الشباب الذكور المتعلم من نسبة السكان، أو تغير نوعية الثقافة التي يحملها، أو تغير التكنولوجيا، أو ارتفاع أو انخفاض البطالة، كذلك زيادة أوقلة الفقر، كل ذلك يعقبه تغير حتمي في النظام سلبيا أو إيجابيا، والنظام الذي لا يستطيع القيام بعمليات تكيف وتصحيح يواكب بها هذه التغيرات يسقط، ولا بد؛ لعدم ملاءمته للتغيرات التى حدثت.
ومن المقطوع به لدى كل علماء النظم السياسية أن أبسط نظام سياسي هو الذي يصنعه شخص واحد، أو يقوم لصناعة شخص واحد، لكنه في نفس الوقت هو الأقل تكيفا مع التغيرات الاجتماعية والثقافية والتكنولوجية، كما يعتبر هو الأقل استقرارا بصفة حتمية.
فسرعة استجابة النظم القائمة على فرد بالنسبة لسرعة التغيرات الاجتماعية ضعيفة جدا، وقد شاهدنا ذلك في كافة ثورات الربيع العربي، فـــ#بن_على و#مبارك كانت استجابتهم أبطأ بكثير من الحركة التي حدثت في المجتمع، لذلك كانت سرعة سقوطهم أمرا مؤكدا.
وفي ظل عصر المعرفة والحرب غير القاتلة، كان علينا تغيير التصورات والمفاهيم القديمة للثورات. فلقد ولى عهد الثورات الراديكالية التي يجتث فيها النظام ككل بأشخاصه ومؤسساته وتشريعاته. إننا في زمان ومكان يستلزم منا أن ننشئ نوعية جديدة من الثورات: ثورة تتماشى مع حجم ما نملكه من معارف وتكنولوجيا ووسائل اتصال ومواصلات وآلات إعلامية متنوعة وضخمة، ثورة نحشد فيها الأفكار وتغيير العقول، وتتحفز الهمم، ثورة تشمل تغيير - إن استطاعت - أفكار القادة العسكريين دون تغيير أشخاصهم. علينا أن نتوجه إلى كافة القيادات في الساحة
المصرية بخطاب ووسائل تجبرهم على اعتناق أفكار الحرية والتداول السلمي للسلطة، وإلا سيتجاوزهم الزمان والمكان.
إن زمن حشد الأجسام والأجساد في الميادين قد ولّى، ولا أقلل من أهمية الحشد، ويجب ألا يتوقف، لكن ليس هو الأهم، إن أي نظام قادر على تدمير مئات الملايين من البشر في لحظات، فالقدرة التدميرية والقدرة على القتل قد وصلت في زماننا هذا الى أقصى مدى، وفي أسرع وقت يكفي لقتل الآلاف بضع طائرات محملة ببضع براميل متفجرة.
لذلك علينا أن ندير معركة عميقة وممتدة مع النظام
الاستبدادي الانقلابي، نصل فيها لعمقه الاستراتيجي: الجيش، والشرطة، والقضاء، ورجال الأعمال، والمؤسسة الكنسية، برسائلنا فيها للقيادات الوسطى والدنيا، ولو أمكن القيادات العليا.. ليس لنا عداء معكم كأشخاص، إنما عداؤنا مع الاغتصاب للسلطة والفساد المستشرى والحريات والحقوق المنعدمة.
إن علينا أن نحرم النظام من الوصول للأجيال القادمة في مكوناته الصلبة، علينا أن نبدأهم بالتغيير قبل أن يمتلكهم النظام الاستبدادي.
إن لدينا شبابا يربو على المليون قد ضحى بنفسه، إما معتقل، وإما مطارد، وإما مشرد، وإما مهاجر، لكنه لم يجد من يحسن توظيف أو يضع ما لديه من إمكانات موضع الاستغلال الجيد والتوظيف الأمثل لصالح
الثورة، ولإسقاط الاستبداد ولبناء الدولة.
إن مؤسسية الثورة تحتم نفسها منذ اللحظة الأولى، والآن أشد إلحاحا. إننا في حاجة لمؤسسات ثورية حقيقية تستوعب هذا الكم الهائل من الشباب الثورى المفعم بالحيوية، قبل أن تنطفئ جذوته وتخمد حرارته أمام العجز الذي يواجهه، من عدم قدرته على تقديم شيء لبلاده أو لإخوانه.
إننا في حاجة ماسة لمؤسسات ثورية، تقوم بتخطيط محكم لتحقيق الأهداف، والتدريب للوصول لهذه الأهداف، والتنسيق الدقيق بين الأهداف الثورية والنشاط، والتصريحات السياسية، والحركة الشعبية، والتغطية الإعلامية.
إن علينا أن نمتلك زمام المبادرة، زمام المبادأة، علينا أن نقصف باستمرار وبدقة نقاط ضعف النظام الاستبدادي الانقلابي.
إن التجنيد الإجباري (هذا النظام اللاإنساني)، والعلاقات المالية المشبوهه، والفساد الإداري، والعلاقات مع الكيان الصهيوني، والمطالب الحياتية للمواطنين، هي أهم نقاط ضعف النظام، وهي مقتله.
إن كل نقطة من هذه النقاط لو تم التركيز عليها وأخذت حقها من التخطيط، وتدريب الكوادر على التنفيذ بدقه، لكفيلة بإسقاط النظام، علينا أن نصنع الحدث ونوجهه.
خلاصة ذلك: نحن أمام نظام الفرد الواحد، وهو نظام هش، وأمام مجتمع قابل للتغيير، بل طالب له، ونملك من المعارف والتكنولوجيا ما لم يملكه غيرنا، ولدينا كم هائل من الشباب الفاعل، فعلينا أن ننشئ مؤسسات ثورية حقيقية قادرة على استيعاب هذا الكم الهائل من الشباب، قادرة على التبوؤ والتخطيط، قادرة على التدريب والتأهيل، لنمتلك زمام المبادرة، ونكون صانعي الحدث لا الحدث ذاته.
وقديما كانت العرب تقول: إذا طلبت عدوك بالقوة فلا تواجهه إلا عند ضعفه عن مواجهتك، وإذا طلبته بالمكيدة فلا يعظمن عندك قدره، فرب حيلة أقوى من قبيلة..