حراك متسارع شهدته الساحة السياسية الأردنية خلال الأيام القليلة الماضية، كان عنوانه الأبرز تعديل حكومي موسع على حكومة رئيس الوزراء هاني الملقي، وسبقه، الجمعة، حملة اعتقالات لناشطين سياسيين ومتقاعدين عسكريين، تزامنت مع توجه حكومي لرفع أسعار سلع وفرض رسوم جديدة.
وطالت التعديلات الحكومية وزارات "سيادية" ووزراء "عابرين" للحكومات، حيث شملت التعديلات التي أعلن الأحد؛ ستة وزراء، على رأسهم وزير الخارجية ناصر جودة الذي شغل المنصب على مدار تسع حكومات متتالية. ورجحت مصادر أن يكون سبب التغيير يعود لخلافات شخصية بين جودة والملقي في الفترة التي كان فيها جودة مسؤولا عن الملقي الذي شغل منصب سفير الأردن في القاهرة سنة 2011.
وخرج من التشكيلة الحكومية أيضا؛ نائب رئيس الوزراء ووزير التربية والتعليم، محمد ذنيبات، الذي نال نصيبا واسعا من النقد الشعبي، بعد أن عدلت الوزارة المناهج الدراسية للصفوف الابتدائية، وأزالت أحاديث وآيات قرانية من الكتب المدرسية، رغم أن الوزير يعتبر من الشخصيات المحافظة والمتدينة.
وتسلّم عمر الرزاز (ليبرالي) حقيبة وزارة التربية خلفا للذنيبات، في مؤشر لاستمرار
الحكومة الأردنية بتطبيق "استراتيجية محاربة الفكر المتطرف" التي وضعتها منتصف العام الماضي.
كما أطاح التعديل بوزير الداخلية، سلامة حماد، عقب انتقادات واسعة لأداء الأجهزة الأمنية خلال هجمات الكرك (جنوب)، في 18 كانون الأول/ ديسمبر، والتي قُتل خلالها، وما تلاها من مداهمات، 14 شخصا، أغلبهم من عناصر الأمن، وهي هجمات تبناها تنظيم الدولة.
ويرى محللون وسياسيون أن "أحداث الكرك سهّلت على الرئيس (رئيس الحكومة) التخلص من بعض الوزراء، وخاصة فيما يتعلق بحقيبة الداخلية، لكن
التعديل الوزاري أتى كمطلب للرئيس منذ اليوم الأول للحكومة"، وفق عضو حزب الوحدة الشعبية، فاخر دعاس.
ويضيف دعاس لـ"
عربي21": "الكل يعلم أن السواد الأعظم من التشكيلة الحكومية لحكومة الملقي الأولى أو الثانية؛ كان مفروضا على الرئيس الملقي، وكان هنالك أسماء اعتبرها الرئيس عبئاً عليه".
ويعتقد دعاس أن "التعديل الحكومي لم يتم استجابة لضغوطات الشارع، إنما كان انعكاساً للصراعات داخل الحلف الطبقي الحاكم، والذي كشفته أحداث الكرك والى حد ما القرارات الاقتصادية الأخيرة"، كما قال.
ويأتي التعديل على وقع اعتقالات سياسية قام بها جهاز المخابرات العامة، يوم الجمعة الماضي، طالت ناشطين ومتقاعدين عسكريين، وهي اعتقالات يرى فيها محللون "ضربة استباقية" لمواجهة أي احتجاجات قد تسبق قرارات حكومية برفع الأسعار.
ويقارب الناشط في حراك مدينة اربد، باسم الروابدة، بين الوضع المصري والوضع في الأردن، ويقول لـ"عربي21": "الوضع الأردني أصبح يشابه الوضع المصري، فلم تبق هناك أي قناعة لدى الشعب بأي مسؤول على المستويات كلها، سواء وزارات وأعيان وحتى النواب الحاليين"، بحسب تعبيره.
وحذّر الروابدة من "من انفجار الوضع" في حال استمرار سياسية الاعتقال، حيث يرى أن "الوضع الأردني عبارة عن شرارة واحدة تنطلق من جهة معينة، وبعدها الأمور لا تُحمد عقباها"، مضيفا: "الوضع خطير جدا.. الناس أصبحت لا تطيق السياسات الحكومية، وخصوصا الاقتصادية.. نحذر من ثورة جياع.. ثورة فقراء"، وفق قوله.
وطال التعديل الحكومي أيضا وزير الشؤون الاقتصادية، جواد العناني، "عرّاب الفريق الاقتصادي"، كما يطلق عليه، كما تم وإلغاء منصب وزير الدولة للشؤون الاقتصادية الذي كان يشغله يوسف منصور.
ولا يتوقع دعاس أن ينعكس هذا التغيير في الفريق الاقتصادي على القرارات الاقتصادية للحكومة، ورأى أن "التعديل لم يأت لتغيير النهج الاقتصادي، فمنذ حكومة فايز الطراونة، تم إغلاق ملف
الإصلاح الاقتصادي والانصياع لإرادة الشارع. وبالتالي، من حكومة فايز الطراونة مروراً بحكومات النسور وانتهاءً بحكومات الملقي، كلها تنفذ في الملف الاقتصادي ما يمليه عليها صندوق النقد الدولي دون أية اجتهادات"، على حد قوله.
أما على صعيد الحريات، فيقول دعاس: "أعتقد أننا مستمرون كذلك في نفس النهج، ومشروع قانون شبكات التواصل الاجتماعي سيكون خطوة أخرى نحو الردة عن الإصلاح، وورقة أخرى في يد الحكومة للضغط على الناشطين، وضبط الإيقاع الإعلامي بما يتناسب وأهواءها، خاصة بعد ضبط المواقع الالكترونية، ومن قبلها الصحف الورقية".
ويتفق أمين الحزب الوطني الدستوري، أحمد الشناق، مع دعاس؛ بأن التعديل "لن يغير شيئا في قرارات الحكومة الاقتصادية"، معتبرا، في حديث لـ"
عربي21"، أن "المملكة تدار من حكومات متعددة".
ويضيف: "هنالك أكثر من حكومة بالبلد، ولا تسطيع أي حكومة الخروج عن النص التي جاءت لتنفيذه، وهو السياسة المالية، فالرئيس المكلف يأتي لتنفيذ ما هو مكتوب له، وهذه اشكاليات كبرى بالحكومات الأردنية".
من جهته، يصف الكاتب الأردني سلطان الحطاب؛ التعديل الحكومي بـ"التكتيكي، لاحتواء الشارع الأردني"، معتبرا أنه "|خلو من وجود برامج عمل للحكومة، اذ يشكل الارتجال سيد الموقف في هذا التعديل".
ويقول لـ"
عربي21": "أنا أثق في ذكاء الرئيس، لكن الأزمة بين الحكومة والشارع أكبر من أن يحتويها التعديل"، على حد قوله.
من جهة أخرى، علمت "
عربي21"؛ أن تغييرات واسعة ستطرأ على مناصب مهمة في الأردن، في السلكين العسكري والمدني.
وكان العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، قد أصدر "إرادة ملكية" الخميس الماضي، بالموافقة على قرار
مجلس الوزراء بإحالة مدير الأمن العام، اللواء عاطف السعودي للتقاعد يوم الخميس الماضي، الأمر الذي ربطه محللون بـ"عملية الكرك".