تواصل سلطات الانقلاب بمصر رفع أسعار الأدوية والمستحضرات الطبية، ما دفع نشطاء ومواطنين إلى التساؤل حول حقيقة وجود "
مافيا" تتحكم بتلك الصناعة، و"
لوبي" يحتكر سوق استيراد وتوزيع
الدواء، ويهدد حياة الملايين؛ في بلد يعاني 73 بالمئة من سكانه أمراضا مزمنة، بحسب منظمة الصحة العالمية.
وأعلنت وزارة صحة الانقلاب، الخميس الماضي، عن الزيادة الثانية في أسعار الأدوية خلال سبعة أشهر؛ لنحو ثلاثة آلاف صنف محلي ومستورد، أي ما يمثل 25 بالمئة من الأدوية المتداولة في السوق
المصري، منها 619 صنفا من أدوية الأمراض المزمنة؛ بنسب تزيد على 50 بالمئة.
إحدى صور الفشل
واتهم الأمين العام السابق لصيادلة الجيزة، وجيه عمر، السلطة الحالية بأنها "أوصلت البلاد إلى أزمات وكوارث وارتفاع في أسعار السلع والخدمات".
وقال لـ"
عربي21" إن "ما يحدث في
سوق الدواء؛ هو إحدى صور الفشل الذي نعيشه في ظل حكومة غير قادرة على تحمل دورها تجاه المواطن".
وأضاف عمر أن "قرارات الحكومة لم تعالج الخلل الاقتصادي، وإنما زادت معاناة المصريين، وطبيعي أن يصل فشلها لملف الدواء الخطر والأهم لدى الملايين، كما أن دوائر صناعة القرار يتحكم بها أصحاب المصلحة في سوق الدواء".
لوبي يصنع القرار
ورأى عضو نقابة الصيادلة السابق، وليد محمد، أن زيادة أسعار الأدوية "مبرَّر وطبيعي بعد كارثة تعويم الجنيه، وارتفاع سعر الدولار الذي تخطى حاجز الـ20 جنيها".
وأكد محمد "وجود لوبي في دوائر صنع القرار يخدم رابطة (مصنعي الدواء) التي تتشكل من الشركات المصنعة، والتي يترأسها صاحب سلسلة صيدليات شهيرة"، مبينا أن "ذلك اللوبي استغل قرار الانقلاب بتعويم الجنيه، وقام بشبه تحرير لسعر الدواء من خلال رفع 80 بالمئة من الأدوية، والبقية تأتي".
وقال لـ"
عربي21" إن هناك "انعداما لدور لجنة تسعير الأدوية بوزارة الصحة، والتي كانت تقوم بدراسة ما تقدمه الشركات من أسعار، وتحدد السعر العادل للبيع"، موضحا أن "الأسعار الحالية مبالغ فيها، ولا تخضع لأية قواعد أو لوائح".
شركات التوزيع
وتصنع الوجه الآخر للأزمة "شركات توزيع الأدوية التي تقوم بتخزين الدواء، وتقلل توزيعه للصيدليات حتى تبيعه بالسعر الجديد، في غفلة من وزارة الصحة العاجزة أمام هذا الاحتكار"، بحسب محمد.
وقال عضو "الصيادلة" السابق إن "الحلقة الأضعف في أزمة الدواء؛ هي الصيدليات الأهلية الواقعة بين سندان رقابة وزارة الصحة، وبين مطرقة المصانع والشركات وآلام الجمهور".
وأشار محمد إلى ما أسماه "حالة الفشل الذريع لنقابة الصيادلة في مواجهة الأزمة مع ذلك اللوبي"، معللا ذلك بعجز أعضاء النقابة الذين وصفهم بـ"الهواة الذين يتحكم بهم النقيب الدكتور محيي عبيد، ضابط الشرطة الذي ما زال يعمل بوزارة الداخلية"، على حد قوله.
وأكد أن "ما يكشف حجم اللعبة؛ أن شركات التصنيع العالمية الموجودة بمصر؛ على علم بقرار رفع أسعار الأدوية المعلن منذ فترة كبيرة، ما دفع تلك الشركات للإنتاج بأقصى طاقة، وبدون تسعير للعبوات، وقامت شركات التوزيع بشراء وتخزين الدواء بكميات كبيرة، وقامت الصيدليات بالفعل ذاته تحسبا لزيادة الأسعار".
وذهب محمد إلى القول إن "شركات مصر للمستحضرات الطبية، والقاهرة للأدوية، وممفيس للأدوية، والنصر للأدوية، والإسكندرية للأدوية، والنيل للأدوية، التابعة لقطاع الأعمال العام؛ يمكنها وقف ذلك اللوبي بإنتاج 50 بالمئة من احتياجات السوق، وتكون بذلك رمانة الميزان.. إلا أن سلطات الانقلاب تجاهلت دور هذه الشركات".
مافيا وأياد خبيثة
بدورها؛ أكدت الصيدلانية فايزة حسن أن هناك "مافيا وأيادي خبيثة من رجال الأعمال والمستوردين وشركات التوزيع؛ تتحكم في سوق الدواء، وتفتعل الأزمات، وتقوم بغلق الخدمة وفتحها وفق مصالحها".
وقالت لـ"
عربي21" إن شركات الإنتاج والتوزيع كانت ترغِّب الصيدلي وتقدم له العروض والتخفيضات، إلا أنها في الأشهر الماضية فرضت كوتا شهرية لكل صنف دوائي؛ لا يمكن للصيدلي تجاوزها، وهو ما يعني احتكار الدواء لتعطيش السوق، وبالتالي رفع أسعاره، وإنعاش السوق السوداء".
وأكدت أن المستفيد الأكبر من رفع أسعار الدواء بعد المستورد "هي شركات التوزيع، ثم المصانع، أما الصيدلي فأرباحه قلّت بشكل كبير؛ لأنه في السابق كان يجد حسما من شركات التوزيع يصل إلى 35 بالمئة، أما الآن فهامش الربح خمسة بالمئة، ولا يزيد على ثمانية بالمئة".