أعلن جيش النظام السوري، مساء الخميس، استعادته كامل مدينة
حلب، ثاني أهم المدن السورية، معتبرا ذلك انتصارا للأسد، في المقابل أعلنت فيه فصائل
المعارضة أن انسحابها من حلب يعد خسارة كبيرة.
ويأتي إعلان جيش النظام بعد دقائق من انتهاء عملية إجلاء عشرات الآلاف من المدنيين والمقاتلين من آخر جيب كان تحت سيطرة الفصائل المعارضة، في عملية تمت بموجب اتفاق روسي
إيراني تركي، بعد نحو شهر من هجوم عنيف شنته المليشيات الموالية للنظام السوري وجيش النظام بدعم روسي من الجو والبحر على الأحياء الشرقية.
وجاء في بيان لجيش النظام: "بفضل دماء شهدائنا الأبرار وبطولات وتضحيات قواتنا المسلحة الباسلة والقوات الرديفة والحليفة وصمود شعبنا الأبي، تعلن القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة عودة الأمن والأمان إلى مدينة حلب، بعد تحريرها من الإرهاب والإرهابيين وخروج من تبقى منهم من المدينة".
الموالون يحتفلون
ومباشرة بعد الإعلان، نزل الآلاف إلى الشوارع في غرب مدينة حلب، وأطلقوا العنان لأبواق سياراتهم، منهم من رفع الأعلام السورية والروسية، وآخرون صور الرئيس بشار
الأسد، وأطلق البعض الرصاص في الهواء ابتهاجا.
وقال عمر حلي، أحد المحتفلين لفرانس برس: "فرحتنا كبيرة جدا"، مضيفا: "لا نحسب الخمس سنوات التي كان الإرهابيين فيها هنا من حياتنا، الآن عادت حلب".
وأكد بيان الجيش أن "هذا الانتصار يشكل تحولا استراتيجيا ومنعطفا هاما في الحرب على الإرهاب من جهة، وضربة قاصمة للمشروع الإرهابي وداعميه من جهة أخرى".
وتابع بأن "هذا الإنجاز الكبير سيشكل حافزا قويا (للقوات المسلحة) لمتابعة تنفيذ مهامها الوطنية؛ للقضاء على الإرهاب، وإعادة الأمن والاستقرار إلى كل شبر من أرض الوطن".
وشكلت مدينة حلب منذ العام 2012 مسرحا لمعارك عنيفة، تسببت بمقتل آلاف من المدنيين، وبدمار هائل في الأبنية والبنى التحتية في شرق المدينة.
وباتت المدن الخمس الرئيسية في البلاد، دمشق وحلب وحمص وحماة واللاذقية، تحت سلطة الحكومة السورية.
وتشكل استعادة حلب تحولا جذريا في مسار الحرب في
سوريا، وتعد الانتصار الأبرز لدمشق وحلفائها، الذين قدموا لها منذ بدء النزاع دعما سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا، أبرزهم
روسيا وإيران.
وهي تشكل في المقابل ضربة قاسية بالنسبة للمعارضة السورية، التي سيكون من الصعب أن تعوض خسائرها ميدانيا وسياسيا. كما أنها تعد خسارة للدول الداعمة للمعارضة، وتحديدا دول الخليج وتركيا ودول الغرب، التي رأت في المعارضة بديلا محتملا للنظام السوري.
انتصار لإيران وروسيا
واعتبر رئيس النظام السوري بشار الأسد، في وقت سابق الخميس، أن "تحرير حلب من الإرهاب ليس انتصارا لسوريا فقط، بل لكل من يسهم فعليا في محاربة الإرهاب، خاصة لإيران وروسيا".
ولفت إلى أنه "في الوقت ذاته انتكاسة لكل الدول المعادية للشعب السوري، التي استخدمت الإرهاب وسيلة لتحقيق مصالحها".
ومنذ تحول حركة الاحتجاجات في سوريا إلى نزاع مسلح في العام 2012، باتت حلب ساحة معارك بين طرفي النزاع، وانقسمت إلى أحياء؛ غربية تحت سلطة الحكومة، وشرقية تسيطر عليها المعارضة.
ومنذ ذلك الحين، باتت المدينة الجبهة الأبرز في النزاع السوري، والأكثر تضررا منه.
وبغطاء جوي من روسيا، التي بدأت حملة داعمة لدمشق اعتبارا من نهاية أيلول/ سبتمبر 2015، شنّ الجيش السوري خلال الفترة الماضية هجمات عدة على الأحياء الشرقية. وتمكن من فرض حصار مطبق عليها في تموز/ يوليو الماضي، ما فاقم معاناة سكانها.
وكان عدد سكان شرق حلب يقدر بـ250 ألفا قبل بدء الجيش هجومه الأخير منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر، الذي انتهى بسيطرته على كامل الأحياء الشرقية.
وشهدت حلب الخميس خروج آخر دفعة من مقاتلي المعارضة والمدنيين الراغبين بإجلائهم.
وأسفر الهجوم الأخير للجيش عن مقتل 465 مدنيا، بينهم 62 طفلا، في الأحياء الشرقية، و142 آخرين، بينهم 42 طفلا، جراء قذائف الفصائل المعارضة للأحياء الغربية، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
خسارة كبيرة
من جهتها، اعتبرت فصائل المعارضة انسحابها من حلب خسارة كبيرة.
وقال عضو المكتب السياسي في حركة نور الدين زنكي، أحد أبرز الفصائل المعارضة التي كانت موجودة في حلب، ياسر اليوسف، لوكالة فرانس برس، إن "خسارة حلب بالجغرافيا والسياسة هي خسارة كبيرة، وتعدّ في ما يتعلق بالثورة منعطفا صعبا على الجميع"، مؤكدا في الوقت ذاته أن "زخم مشروعية مطالب الشعب السوري لا يزال قائما، لن نتراجع عن مطالب إسقاط نظام القمع والفساد والتوريث الشمولي للحزب الواحد والعصابة الأسدية".
وأضاف: "الثورة حاليا في مرحلة انتكاسة عسكرية، وفقدت الكثير من زخمها العسكري لأسباب مختلفة، بينها ذاتية ودولية"، مشيرا في شكل خاص إلى ما وصفه بـ"التدخل الروسي الإيراني" الداعم لقوات النظام.
وتابع اليوسف: "لقد خسرنا الزخم السياسي بعدما تخلت عنا الدول، وخسرنا الزخم العسكري جراء الشروط الأمريكية التي منعت الأسلحة النوعية".
وطالما طالبت الفصائل المعارضة في سوريا الدول الداعمة بتوفير أسلحة نوعية لها تتيح لها التقدم ميدانيا في مواجهة الطائرات الحربية السورية والروسية التي تستهدفها.
وختم اليوسف: "بقي لدينا شيء واحد لم يفقد زخمه، وهو مشروعية مطالب الثوار".
بدوره، اعتبر المتحدث باسم حركة أحرار الشام، أحمد قره علي، أن "حلب باتت تحت الاحتلال الروسي والإيراني".
انعطافة خطيرة
وبهزيمتها في حلب، باتت الفصائل المعارضة تسيطر بشكل رئيسي على محافظة إدلب (شمال غرب)، ومناطق متفرقة في محافظة حلب وريف دمشق وجنوب البلاد.
ومع إحصاء المناطق التي تتحالف فيها مع جبهة فتح الشام، تسيطر الفصائل حاليا على نحو 15 في المئة من الأراضي السورية، وفق المرصد السوري.
ويقول الخبير في الشؤون السورية في معهد واشنطن للأبحاث، فابريس بالانش، إن بشار الأسد بحاجة إلى هذا الانتصار؛ لأنه لن يكون رئيسا فعليا من دون حلب.
ويوضح: "كان من الصعب عليه تولي زمام الأمور في سوريا مستقبلا من دون ثاني مدنها، وبالتالي بإمكانه من خلال هذا الانتصار أن يقدم نفسه على أنه رئيس سوريا بكاملها".
وتضع استعادة حلب النظام السوري على طريق تحقيق هدفه باستعادة كل المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة.
ويرى محللون أنه بات بإمكانه أن يمسك بمفاتيح مفاوضات السلام المحتملة، بعد فشل ثلاث جولات من المحادثات غير المباشرة السنة الحالية بإشراف الأمم المتحدة.