تتسارع يوما بعد يوم، وتيرة الخلافات
السعودية المصرية، التي طفت على السطح إثر تصويت مصر لصالح القرار الروسي في مجلس الأمن الدولي بشأن روسيا، لتتجلى بعد ذلك خلافات النظامين في عدة قضايا إقليمية، كالنزاع في اليمن، والموقف من إيران.
وقبل أيام؛ صبّت زيارة أحمد الخطيب مستشار العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز، على رأس وفد ملكي، لسد النهضة الإثيوبي، الذي ترفضه مصر؛ المزيد من الزيت على نار الخلافات، لتشن وسائل إعلام مصرية بعدها حملة شرسة ضد السعودية، وصلت إلى حد التهديد بدعم الأمراء المخالفين لسياسة الملك سلمان.
وأثارت هذه الخلافات حامية الوطيس؛ الكثير من الأسئلة حول مصير الرباعية العربية الداعمة للقيادي المفصول من حركة فتح
محمد دحلان، والتي تعد مصر والسعودية قطبيها الرئيسين، ومدى تأثر دحلان بهذا الخلاف؟
السعودية أضحت بعيدة
وقال الكاتب
الفلسطيني ساري عرابي، إن "الرباعية العربية كانت محورا متشكلا فعلا، ويحمل وجهات نظر موحدة في كافة قضايا المنطقة بما فيها فلسطين، منذ انقلاب عبدالفتاح السيسي وأيام حكم الملك عبدالله بن عبدالعزيز للسعودية، غير أنه منذ تولي الملك سلمان الحكم؛ ظهر ابتعاد السعودية عن الرباعية، واختلافها مع مصر، الذي ظل كامنا حتى تفجر أخيرا".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "السعودية في عهد الملك سلمان لم تعد معنية بتبني وجهة النظر المصرية بدعم دحلان، وخاصة مع انشغال المملكة بقضايا أكثر أهمية وقربا منها، وتراجع أولوية الموضوع الفلسطيني، بل إنه من غير المستبعد أن تتجه السعودية ضمن سياسة المناكفة القائمة بينها وبين مصر إلى دعم عباس".
ولفت إلى أن "هذا التقارب المحتمل بين السعودية وعباس؛ يعتمد على ثلاثة عوامل، أولها مدى استخدام السعودية للملف الفلسطيني في الخلاف الدائر بينها وبين مصر، وثانيها مدى التصعيد الذي ستنتهجه مصر ضد السعودية وعباس، وثالثها تفطن تيار عباس إلى إمكانية الاقتراب من السعودية وترميم العلاقات معها".
مصر لا تملك شيئا
وأكّد عرابي أن "مصر في وضعها الحالي أضعف من أن تقدم دعما حقيقيا لدحلان، فهي تعاني من وضع اقتصادي بالغ السوء، وغياب المال الذي يمكن أن تبني من خلاله التحالفات أو الولاءات، وتلاشي قوتها الناعمة المؤثرة، مع تراجع دور الأزهر وضعف إعلامها، إضافة إلى هشاشة جيشها".
وقال إن نقطتي قوة فقط ما زالت مصر تملكهما؛ هما الصدفة الجغرافية التي وضعتها على حدود غزة و"إسرائيل"، وتقديم خدمات أمنية على غرار ما تقدمه في سوريا، وربما اليمن، "وهما أمران يصعب دعم دحلان من خلالهما، لا سيما مع تعقيد الوضع في قطاع غزة، وتوازن حركة حماس في التعامل مع الرجل".
وتابع: "في المجمل؛ فإن القوى الداعمة لدحلان، وعلى رأسها مصر، لا تبدو مستعجلة في دعم القيادي المفصول من حركة فتح من جهة، ولا تملك أن تقدم له كثيرا من جهة أخرى".
وأوضح عرابي أن "هذا كله متعلق بالمدى المنظور، غير أن التنبؤ بالتحولات على المدى البعيد صعبة في ظل إقليم مائج، حيث يحتمل استيعاب حركة فتح لدحلان في ترتيبات ما بعد الرئيس عباس، ضمن مصالحة جرى مثلها سابقا داخل الحركة، كما أنه من الممكن أن تشهد علاقات مصر والسعودية تغيرا ما على المدى البعيد، رغم الأزمة الحالية".
دحلان في أضعف حالاته
وخلال الأيام التي تلت المؤتمر السابع لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، الذي شهد إقصاء تيار دحلان عن الحضور أولا، ثم عن المراكز القيادية ثانيا؛ شنت السلطة حملة ضد دحلان والمحسوبين عليه في الضفة الغربية، كان من أبرز مظاهرها حكم محكمة مكافحة الفساد في رام الله عليه بالسجن لثلاثة أعوام، وتغريمه 16 مليون دولار، واعتباره فارا من وجه العدالة؛ بعد إدانته بالاختلاس أيام شغل منصب مستشار الأمن القومي للرئيس عباس.
وبعد ذلك؛ رفع عباس -بناء على تخويل المحكمة الدستورية له- الحصانة البرلمانية عن دحلان وأربعة نواب محسوبين عليه؛ هم جمال الطيراوي، وشامي الشامي، ونجاة أبو بكر، وناصر جمعة، قبل أن يفض الأمن الفلسطيني اعتصاما نفذه ثلاثة منهم في مقر الصليب الأحمر برام الله احتجاجا على رفع الحصانة عنهم.
ورأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل، بلال الشوبكي، أن "دحلان يتمنى أن تكون الخلافات المصرية السعودية الحالية خلافات عابرة، غير أن هذا رهان ضعيف".
وقال لـ"
عربي21" إن "الخلافات المصرية السعودية تضيف المزيد من الضعف لموقف دحلان الذي أضر به المؤتمر السابع لحركة فتح، لا سيما مع وصول شخصيات معادية له مثل جبريل الرجوب، إلى أماكن متقدمة في اللجنة المركزية للحركة"، مؤكدا أن "السعودية التي تحالفت مع مصر لأسباب آنية، لا استراتيجية، لن تدعم دحلان ما لم تعد مصر للدور الذي تريده السعودية، باعتبارها أداة من أدواتها السياسية".
وأضاف أن "هناك تقارير تشير إلى محاولة دحلان في الوقت الراهن التواصل مع الساخطين على نتائج المؤتمر السابع لحركة فتح، من أجل تكوين جبهة مضادة، غير أن البنية الأمنية السائدة في الضفة الغربية، وتعامل السلطة القاسي مع أنصاره؛ يجعل مهمته صعبة".
وتابع: "يظل هناك خيار استعانة دحلان بإسرائيل وأمريكا؛ من أجل عودته وفرض مشروعه فلسطينيا، وهو أمر تشير إليه تصريحات متداولة في الأوساط الفتحاوية الداخلية، حيث تنقل قيادات عن دحلان قوله إن الرئيس عباس لن يستمر بعد المؤتمر السابع أكثر من ستة شهور".