خبير عسكري يتحدث لـ"عربي21" عن أبعاد عودة "الدولة" لتدمر

سيطر تنظيم الدولة، مجددا، على مدينة تدمر الأثرية، وعلى عدد من النقاط الاستراتيجية حولها، يوم الأحد.

وفي هذا السياق، يقول المحلل العسكري، العقيد حاتم الراوي، إن التنظيم لم يجد أمامه أي مقاومة من جانب قوات النظام السوري، وهذا ما يثير تساؤلات حول المسألة، مؤكدا أن روسيا لن تنتظر طويلا لتعود بنفس الطريقة إلى تدمر وتسلمها للنظام.

وفيما يلي نص الحوار:

* تطورات متلاحقة شهدها ريف حمص الشرقي، كان أبرزها سيطرة تنظيم الدولة على مدينة تدمر الأثرية.. كيف تقرؤون هذه التطورات المتسارعة على تلك الجبهة؟

- عندما نقول ريف حمص الشرقي فإننا نركّز على مدينة تدمر وباديتها، فبادية تدمر أصبحت اليوم الخزّان الوحيد للغاز الذي تعمل عليه معظم المنشآت الحيوية في مناطق سيطرة النظام، وخاصّة محطات الكهرباء العملاقة التي تزوّد كامل مناطق النظام بالكهرباء. هذا من الناحية الاقتصادية أو بالأحرى من الناحية الحياتية لهذا النظام.

أما من الناحية العسكرية، ففي جبل "عميّر" شمال تدمر توجد أكبر مستودعات للأسلحة بكامل صنوفها، حيث الكهوف الطويلة والملتوية وذات المساحات الملائمة لتخزين الأسلحة وقطع التبديل بمختلف أحجامها وكمّياتها. ولم يعد هذا سرا، فالمستودعات الأهم في مهين، وفي تدمر، وفي جب الجراح. وعندما نعلم أن العاملين في حقول الغاز التي يسيطر عليها داعش يتقاضون رواتبهم من النظام ويقضون إجازاتهم في مناطق النظام، يتّضح لنا مدى التنسيق بينه وبين داعش، وعليه فلا غرابة أن يزوّدها بالأسلحة الثقيلة لمساندتها في معركة الباب من أجل الصمود أمام تركيا.

* هل أبدت روسيا مقاومة في صد هجوم التنظيم؟ وبرأيكم كيف سيكون الرد الروسي لاحقا؟

- من يعرف جغرافية تدمر، يجد استحالة في إمكانية اجتياحها من قبل داعش مهما بلغت قوّة الهجوم، فتدمر محاطة من الغرب ومن الجنوب بسلسلة جبال عصيّة، ومن الشرق منطقة الملّاحات التي لا يمكن اجتيازها بأي آلية، وإن وُجدت بعض الطرق في الجبال والملاحات فهي محدودة ويمكن منعها بسهولة، والشمال هو المنفذ الوحيد إلى تدمر، وهو مكشوف للطيران والمراقبة بالنظر ومساره طويل، لذلك أقول هنا إن داعش لم يجد أمامه أي مقاومة، وهذا ما يعزز أنه دخل بالاتفاق لا بالحرب. وروسيا لن تنتظر طويلا لتعود بنفس الطريقة إلى تدمر وتسلمها للنظام.

* معروف أن تنظيم كان في السخنة ومناطق محيطة بحقول البترول وتدمر.. لماذا لم يتم التصدي له؟

- السخنة تبعد عن تدمر 70 كيلومترا، وهي أرض مكشوفة، ومراقبتها متاحة، ولو أراد المدافع التصدي لها لتمكن من إبادتها بالطيران بأقل التكاليف.

* هناك من يربط بين معارك ريف حلب الشمالي وتقدم درع الفرات نحو مدينة الباب وبين تقدم داعش نحو تدمر، ما رأيكم بذلك؟

- أعتقد أن هذا هو مربط الفرس، وروسيا التي لا تريد أيّ انتصار لتركيا في أي مكان، يهمّها أن تعيق معركة الباب. وروسيا التي منعت النظام من متابعة قصف قوات درع الفرات المدعومة من تركيا لكيلا تزيد الموقف تعقيدا، وجدت في تزويد داعش بالسلاح في تدمر الوسيلة الأسلم، والتي تخدم روسيا ولا تدينها بمساندة داعش.

* يرى كثيرون أن هذا التقدم السريع للتنظيم ما هو إلا "مسرحية مفبركة"، على الرغم من أعداد القتلى والخسائر في صفوف الطرفين. ما رأيك؟

- لم تعد مثل هذه الحركات خافية على ذي بصيرة، أما عن القتلى، فالروس سحبوا قوّاتهم دون أي احتكاك، وأما قتلى النظام فمعظمهم من الجنود المُساقين إلى الخدمة قسرا، وبالتالي فخسارتهم لا تعني له شيئا، وهذا ما ينطبق على داعش، فهم قتلوا من أبناء السنة ما يجعل مثل هذا العدد من القتلى لا يشكّل رقما مهما.

* بعد سيطرة تنظيم الدولة على مدينة تدمر، ما تأثير ذلك على منطقة القلمون الشرقي وعلى أوتوستراد دمشق – بغداد؟

- بالنسبة للقلمون، أدّى داعش دوره في الجولة السابقة منذ قرابة العام، عندما أغلق طرق الإمداد على الجيش الحر الذي كان في القلمون. أما الآن، فلا أعتقد أنه سيتقدّم لأكثر من حدود كتيبة الدفاع الجوي المهجورة في "التيفور"، والتي تقع شمال المطار في جبل التياس على طريق جحار الذي يسيطر عليه أصلا. أما عن طريق دمشق بغداد فلا سبيل لداعش عليه إلا إذا أرادت روسيا ذلك، لأنه مكشوف ويبعد قرابة المئتي كيلو متر عن تدمر. ومن جهة الصحراء فهذا ممكن، لكنه من الجهة العراقية ليس تحت سيطرة داعش.

* ما هي وجهة تنظيم الدولة القادمة؟ وهل سيتحرك نحو مطار "التيفور"؟ وما أهمية هذا المطار؟

- لا أعتقد أن داعش سيتقدم أكثر، ولن يحاول السيطرة على مطار التيفور لأكثر من سبب، فلو كان في استراتيجيته السيطرة على المطارات المهمة لسيطر على مطار دير الزور، فتعطيله أكثر أهمية له والسيطرة عليه أسهل بكثير. ثم إن مطار التيفور هو أضخم مطار استراتيجي في كل منطقة الشرق الأوسط، ويحتوي على أكبر مخازن الوقود الجوي، وعلى الحظائر الإسمنتية المخصصة لطائرات الميغ 25 كبيرة الحجم، وعلى مهابط إسمنتية وترابية، تجعل منه المطار الأهم في سوريا ولا يمكن أن تسمح روسيا لداعش بدخوله وتعطيله.

* حسب قراءتك للمشهد، أين من الممكن أن تكون انسحبت قيادات النظام وروسيا؟ وما هو السيناريو القادم؟

- الانسحاب تم غربا باتجاه مطار التيفور، وجنوبا باتجاه مناجم خنيفيس. أما السيناريو القادم فنحن أمام احتمالين: الأول أن تشن روسيا والنظام هجوما تُسلّط عليه الأضواء والإعلان عن انتصار جديد تضيفه روسيا إلى انتصارها في حلب، وهذا هو الأرجح. والثاني أن يبقى داعش في تدمر لتعطي المبرر لدخول الحشد الشعبي العراقي الذي تروّج إيران لدخوله إلى سوريا.

* برأيك، كيف سيكون موقف المجتمع الدولي الآن من روسيا بعد أن عاد التنظيم إلى تدمر؟

- المجتمع الدولي أثنى على روسيا عندما استعادت تدمر من داعش، وهذا ما تعمل عليه روسيا الآن، فهي بانسحابها من تدمر تلفت انتباه العالم إلى خطورة داعش، وبعودته تريه ضرورة تواجدها في سوريا ومشاركتها في الحرب على الإرهاب، والانتصار عليه.

* أخيرا، أين هي قوى التحالف للوقوف بوجه تنظيم الدولة؟ ولماذا لا يتم دعم الجيش الحر للقضاء عليه؟

- كما لروسيا والنظام غاياتهم في الإبقاء على داعش في سوريا، أو على الأقل إطالة عمره، فللتحالف نفس الغايات، وخاصّة في العراق. فداعش هي الأفعى التي ألقتها أمريكا في المنطقة وسمحت لروسيا وإيران وللنظام بالتعامل مع هذه الأفعى دون قتلها، فهذا مرهونٌ بالإرادة الأمريكية دون غيرها.