أعاد ضبط شبكة دولية للاتجار في الأعضاء البشرية في
مصر، تضم أساتذة جامعيين وأطباء وممرضين وسماسرة، تسليط الضوء على هذه التجارة التي تمارس في الخفاء بشكل متنام، في بلد يعيش فيه 27.8 بالمئة من السكان تحت خط الفقر، وفق إحصاءات رسمية.
وتوقع أطباء ومختصون أن تستمر
تجارة الأعضاء البشرية، في ظل غياب تطبيق القانون، واستشراء الفساد في المستشفيات، وزيادة نسبة الفقر بين المصريين، وعدم وجود قانون ينظم نقل أعضاء الموتى.
وقالت وزارة الصحة، الثلاثاء الماضي، إنها شاركت مع هيئة الرقابة الإدارية، في ضبط أكبر شبكة في البلاد، بالقبض على 45 شخصا حتى الآن، محتلة بذلك المركز الثالث عالميا في تجارة الأعضاء، بعد الهند والصين، وفق تقرير منظمة التحالف الدولي لمكافحة تجارة الأعضاء البشرية "كوفس".
أكبر من مجرد شبكة
ووصفت عميدة كلية تمريض جامعة القاهرة سابقا، بسمات عمر، هذا الحدث بـ"الأكثر من خطير"، وقالت لـ"
عربي21" إن "ما حدث أكبر من مجرد الكشف عن شبكة اتجار بالأعضاء البشرية؛ تورطت فيها طواقم طبية، فما خفي أعظم، وهناك كثير من الأسماء والشخصيات لم يكشف عنها بعد".
وأرجعت وجود مثل تلك التجارة غير الشرعية إلى "مجموعة من الظروف الاقتصادية والاجتماعية والدينية والقانونية، نتيجة اختلال المنظومات المتعددة في مصر بشكل كلي، أضف إلى ذلك عدم وجود رقابة صحية صارمة، واستشراء الفساد في أجهزة الدولة"، مؤكدة أن "ذلك كله يشكل بيئة خصبة لنمو مثل هذه الشبكات الإجرامية".
وأكدت بسمات أن "الطب لا يعترف إلا بالتبرع، ولا يقر البيع؛ لأنه مخالف لكل القوانين، وللأسف الشديد؛ لا يوجد قانون يقنن هذا الأمر، فأصبحت عمليات البيع والزرع من المتبرع والمريض تدار من خلف ستار، بما يحمله ذلك من مخالفات قانونية وصحية".
الفقر وغياب قانون منظم
من جهته؛ أعرب نقيب الأطباء بشمال سيناء، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، صلاح حسام، عن قلقه من أن تمر قضية شبكة الاتجار بالأعضاء مرور الكرام.
وقال لـ"
عربي21": "أخشى أن ينتهي الأمر إلى أن تكون كل أعمال الشبكة مرتبة بشكل قانوني، ولا يوجد ما يدينهم"، معللا ذلك بأن "القانون المتعلق بنقل الأعضاء البشرية يمكن النفاذ منه بسهولة".
وأضاف أن ظاهرة الاتجار بالأعضاء البشرية "ليست بالجديدة، وتمارس كل يوم في المستشفيات، والعيادات، والمراكز الطبية، وبعض الضحايا أو معظمهم يعلمون بما يقومون به"، وقال: "أعرف أشخاصا كانوا يعرضون أعضاءهم للبيع من أجل المال؛ بسبب العوز والفقر".
وطالب حسام بوجود قانون ينظم هذا الأمر "أسوة بدول مثل السعودية والأردن، ويجب تقنينه بأخذ جذع المخ من الموتى، فعندئذ لن يصبح هناك ظاهرة اتجار بالأعضاء البشرية"، مشيرا إلى أن ما يحدث هو "بيع تحت مسمى التبرع".
ظاهرة قديمة
بدوره؛ قال أستاذ جراحة القلب في كلية الطب جامعة عين شمس، نقيب الأطباء الأسبق، حمدي السيد، "ندين هذه التصرفات ونرفضها، ولذلك قمنا بتشريع قانون لا بد أن يأخذ مجراه"، مشددا على أنه "لا يجوز بيع أعضاء مصريين للأجانب، وإنما البيع يتم من قريب لقريب، ولا بد من وجود موافقة مكتوبة، وعدم وجود شبهة إرغام".
وأكد أن ظاهرة الاتجار بالأعضاء البشرية في مصر "قديمة، ولكنها تظهر للسطح كلما تم الكشف عن شبكة هنا أو هناك"، مشيرا إلى أن سبب انتعاشها "هو الفقر والحاجة من ناحية، وعدم وجود رقابة صارمة وأحكام رادعة من ناحية أخرى".
واعتبر أن عدم وجود "قانون يسمح بتبرع الموتى لأعضائهم؛ سيجعل هذه التجارة قائمة، فالبلاد التي فيها مثل هذا القانون لا تحتاج إلى تبرع بالأعضاء من الأصحاء؛ لأنها متوفرة من الموتى"، لافتا إلى أن مخالفة القانون "هي نتيجة استمرار الطلب وغياب المعروض".
وتابع: "لا بد من نشر ثقافة التبرع بعد الوفاة؛ لأن المتوفي الواحد يمكن أن يمنح ثمانية مرضى أجزاء من جسده، وينقذهم من الموت".
حكم الشرع
من الناحية الشرعية؛ قال عضو لجنة الفتوى بالأزهر سابقا، هاشم إسلام، إن "الشرع يفرق بين
التبرع بالأعضاء، وبين بيعها، أما التبرع فقد اختلف الفقهاء في حكمه إلى فريقين، الأول حرّمه جملة وتفصيلا؛ لأنه ملك الله وليس ملك الإنسان، والفريق الثاني أجازه، واشترط أن لا يكون عضوا أساسيا، ولا جنسيا، ولا يسبب ضررا محققا للإنسان".
وأضاف لـ"
عربي21": "أما بيع الأعضاء؛ فأجمع الفقهاء المُحْدثين على الحرمة المطلقة. والاتجار فيها جريمة ضد الإنسانية، والجريمة الأشد هي سرقة الأعضاء من الأحياء وقتلهم، وهي جريمة تستوجب تطبيق حد الحرابة على من اقترفها".
وتابع: "أما بخصوص أعضاء الأموات؛ فذهب فريق إلى منع التبرع بها، وأجازه فريق آخر، على أن يكون من خلال كتابة الميت وصية تؤكد أنه يتبرع بأعضائه، وباطلاع الورثة على ذلك، ولكن دون الأعضاء الجنسية، كالفرج والرحم، كما أن البيع محرم أيضا، والتعدي على الموتى بأخذ أجزائهم وأعضائهم دون معرفة ذويهم، أو وصية؛ جريمة، وأشد جرما مما سبق جميعا".