أعلنت قوات عملية
البنيان المرصوص في
ليبيا سيطرتها الكاملة على مدينة
سرت، بعد طرد آخر ما تبقى من أفراد
تنظيم الدولة المحاصرين بحي الجيزة البحرية، وسط المدينة، حسبما أعلن المركز الإعلامي للقوات مساء الثلاثاء.
وجاء الإعلان بعد اشتباكات دامت لأكثر من ستة أشهر، بدأت مع إطلاق المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق "عملية البنيان المرصوص" في الخامس من أيار/ مايو الماضي، فيما وصل عدد قتلى قوات البنيان المرصوص إلى 713 قتيلاً، وأكثر من 3210 جرحى، بحسب مستشفى مصراتة المركزي.
ورغم الإعلان عن إتمام السيطرة، إلا أن قائدا عسكريا في البنيان المرصوص، قال لقناة الجزيرة من سرت؛ إن الاشتباكات لم تنته بعد، مشيرا إلى أنه تتم الآن مطارد عناصر التنظيم الذين انسحبوا إلى الوديان، بحسب العميد مفتاح الفضيل، آمر الكتيبة 154 التابعة لهذه القوات.
وفيما عمّت الاحتفالات المنطقة الغربية، وخاصة طرابلس ومصراتة حول الانتصارات، إلا أن هناك عدة تخوفات وتساؤلات لما بعد التحرير، ومنها: من سيؤمن المدينة؟ وأين ستذهب قوات البنيان المرصوص بعد سرت؟ وهل مصيرها مرتبط ببقاء
حكومة الوفاق من عدمه؟ وهل يمكن أن تقوم هذه القوات بأي مناوشات مع قوات حفتر في الشرق الليبي؟
توظيف سياسي
وقال المتحدث باسم المؤتمر الوطني العام، عمر حميدان، إن "ما تم في سرت نصر كبير لثوار ليبيا الذين لا يتبعون أي أجندة سياسية، بالرغم من محاولة العديد من الأطراف السياسية، وعلى رأسهم المجلس الرئاسي، توظيف تضحياتهم والمتاجرة بها لتحقيق مكاسب سياسية"، بحسب قوله.
وأضاف لـ"عربي21": "أما بخصوص مصير قوات البنيان المرصوص، فنحن أمام مارد جبار سيطالب باستحقاقه الوطني ونصيبه من السلطة، وهذا حقه، وهو ما يخشاه المجلس الرئاسي، وأعتقد أنهم (البنيان المرصوص) سيتجهون إلى طرابلس وسيغيرون المعادلة السياسية هناك، وربما يصطدمون ببعض الكتائب المسلحة التي تتقاسم السلطة في العاصمة"، وفق تقديره.
ورأت الناشطة السياسية من مصراتة، ميرفت السويحلي، أن "استقرار المدينة سيأخذ وقتا طويلا كون وجود عناصر داعشية هاربة بالقرب من سرت، ومن ثم ستظل المدينة تحت مراقبة غرفة البنيان المرصوص لفترة من الزمن".
وبخصوص احتمالية صدام بين البنيان وقوات خليفة حفتر، قالت السويحلي لـ"عربي21": "لا يوجد قوات بمعنى الكلمة فى عملية الكرامة المزعومة، بل هي بعض الأفراد التي تعمل تحت قيادة حفتر، وليس لها القدرة حتى على تأمين المنطقة الشرقية، فما بالك بدخول مواجهة عسكرية مع قوات البنيان التي أنهت وجود تنظيم إرهابي فى ليبيا خلال ستة شهور فقط، فالصدام غير متوقع"، وفق قولها.
تخوف مشروع
ورأى الداعية الليبي، ووزير الأوقاف الأسبق، سالم الشيخي، أن "الفكر الداعشي انتهى بشكله التنظيمي في ليبيا بهزيمته في سرت، وانتهى معه مشروع إقامة دولة مصغرة هناك، بعد فشل أتباع القذافي وتيار الثورة المضادة والمرتزقة استخدامه لمجابهة الثوار، ومن ثم لن يكون للتنظيم قوة مرة أخرى في ليبيا".
وقال لـ"عربي21": "هناك تخوفات مشروعة من استغلال المجرمون الجدد لهذه الانتصارات وهم المداخلة والسيطرة على المدينة وتسليمها لقائدهم خليفة حفتر، لذا فأتوقع بقاء مجموعة من ثوار البنيان لتأمين المدينة من هؤلاء المجرمين، والباقي يتجه إلى ثكناته أو إلى العاصمة طرابلس للتأمين"، كما قال.
أما عضو حزب العدالة والبناء الليبي، المبروك الهريش، فقد رأى من جانبه؛ أنه "يجب أن تكون هناك خطة (أمنية، عسكرية، إنسانية، خدمية)، من قبل المجلس الرئاسي، حتى لا تكون المدينة مسرحا للفوضى، ومرتعا لأي كتيبة عسكرية تتبع تيارا دينيا أو سياسيا بعينه".
وأضاف لـ"عربي21": "بخصوص قوات البنيان المرصوص، فيجب استيعابهم داخل جهاز الحرس الرئاسي المُنشأ حديثا بقرار من المجلس الرئاسي"، على حد قوله.
تسوية سياسية أم "ابتزاز"؟
من جهته، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي الليبي، رمضان بن طاهر، إن "قوات البنيان المرصوص ستسعى إلى توظيف هذا النجاح في البحث عن تسوية سياسية للأزمة الليبية؛ تحقق الاستقرار وتحفظ لليبيا وحدتها"، وفق تقديره.
وحول احتمال الصدام مع قوات حفتر، أوضح لـ"عربي21" أنه "من السهل دفع البلد إلى هذه الحرب بين حفتر والبنيان المرصوص، بسبب غياب الثقة بين هذه الأطراف ووجود مخططات ومصالح دولية وإقليمية غير مرحبة بأي توافق يحقق الاستقرار"، على حد قوله.
لكن، عضو المؤتمر الوطني السابق، محمد دومة، قال لـ"عربي21"، إن "البنيان المرصوص في حقيقتها لا تتبع حكومة الوفاق؛ إلا من جهة التمويل والغطاء السياسي، لذا سيرجع جزء كبير منهم إلى طرابلس ليقوم بعملياته السابقة في ابتزاز الحكومة"، بحسب تعبيره.
من جانبه، رأى الناشط السياسي الليبي، فرج فركاش، أنه "يجب احتواء قوات البنيان المرصوص في إطار شرعي تحت مسمى الجيش، وهو ما يتطلب من المجلس الرئاسي تقديم التنازلات والتواصل مع القيادة العامة في الشرق لتوحيد المؤسسة العسكرية"، كما قال.