مقالات مختارة

من صاحب القرار في هذا البلد؟!

1300x600
على مدار الشهور الماضية، كان الخطاب الرئيسي لرئيس الجمهورية والحكومة هو دعم المنتج المصري، ومحاصرة عمليات الاستيراد لأقصى درجة؛ لأسباب عديدة، منها توفير العملة الصعبة التي شحت في البلد وأوشكت على تركيعها، خاصة أن مداخيلنا منها ضعيفة للغاية هذه الفترة، ومنها حماية المنتج المحلي، ومنها دعم توسيع فرص العمل، وتشغيل الشباب العاطل، بعد أن وصلت نسب العطالة إلى أرقام مخيفة.

 وفي خضم هذا الخطاب وتلك الرؤية، فوجئ المصريون بقرار من مجلس الوزراء بدعم استيراد سلعة غذائية لها بديلها الوطني الأصح والأكثر أمانا والأوفر على الدولة للعملة الصعبة والأكثر دعما لتشغيل العمالة الوطنية، وهي الدجاج المذبوح، حيث قرر مجلس الوزراء إلغاء الجمارك على الدجاج المستورد "المجمد" من 10 نوفمبر الماضي وحتى نهاية مايو 2017، أي حوالي ستة أشهر، والقرار غريب جدا، بل مريب جدا، لأنه صدر بأثر رجعي بدون أي مبرر مفهوم، وبما يعني أنه صدر "تفصيلا" على مقاس أناس بعينهم أو شركات بعينهم. 

والأمر الآخر أن القرار صدر في الوقت الذي كانت فيه شحنة ضخمة من الدجاج المستورد متوقفة في الموانئ المصرية تنتظر الدخول، وتبلغ الشحنة قرابة مائة وستين ألف طن، منها مائة وعشرين ألف طن لحساب شركة يملكها شخص واحد، ودخلت هذه الشحنة وأعفيت من الجمارك، بما منح هذا "المحظوظ" قطعة بنبوني صغيرة وضعتها الحكومة في فمه، مقدارها مليار جنيه، فقط لا غير، قبل أن يبيع أي دجاجة، محبة كما يقول المثل البلدي، فضلا عن أن أي شحنة دجاج مستورد تكون قد دخلت للبلاد خلال العشرين يوما التي سبقت القرار ودفع أصحابها عدة ملايين من الجنيهات للدولة كجمارك عليها ستقوم الحكومة، بكرم حاتمي كبير، بإعادة تلك المبالغ للمستورد! 

مليار جنيه، على الأقل، وفي شحنة واحدة فقط، أخذتها الحكومة من المال العام، كانت كافية لبناء عشرات المدارس وعشرات المستشفيات أو توصيل مياه الشرب لمئات الآلاف من المحرومين منها، مليار جنيه، أخذتها الحكومة من حق هؤلاء الغلابة، الشعب المسكين، لكي تضعها في جيب رجل أعمال محظوظ جدا. 

ثم يتبجح رئيس الوزراء بعد ذلك ويدافع عن القرار ويصفه بأنه دعم للفقراء لأنه سيساهم في تخفيض سعر الدجاج المذبوح، وهو كلام مصاطب، لأن السعر لم يزد فعليا، وإنما هو توقع منه، أو افتراض، لتحليل شرعية القرار الأخلاقية، ولو كانت الحكومة صادقة في رغبة تخفيض الأسعار، وليست متورطة في عمليات إهدار فاحش للمال العام، لكانت منحت هذا التسهيل الجمركي لمستلزمات صناعة الدجاج المحلية من أدوية وعلف وخلافه، وهو ما ينعكس حتما على انخفاض أسعاره أو منع زيادتها في موجة الغلاء التي تعصف بالبلاد الآن، وكان الإعفاء هنا يخدم ملايين العاملين في الدجاج فعلا، وليس واحدا أو اثنين من المحظوظين، والذين قيل أن أحدهم، المحظوظ الأكبر، يرتبط بمصاهرة مع وزير مختص بهذه المسائل مباشرة. 

هذا القرار "المريب" يؤدي ـ بداهة ـ وبإجماع المشتغلين في الاقتصاد إلى تدمير صناعة الدواجن، ويعيدها إلى المربع صفر، بعد تحقيقها اكتفاء ذاتيا بلغ 90% في اللحوم و100% من البيض، لاسيما وان اتحاد الدواجن عرض على الحكومة تلبية طلبها للسوق المحلى بسعر أقل من المستورد من خلال بروتوكول تعاون مع وزارة التموين، وهو ما تجاهلته الحكومة بدون إبداء الأسباب.


أضف إلى ذلك أن صناعة الدواجن يعمل بها أكثر من 3 ملايين عامل باستثمارات تزيد عن 60 مليار جنيه، وهذه الملايين من المواطنين غالبا ستتحول إلى سوق العاطلين عن العمل، لأن الحكومة "الشريفة" دعمت صناعة الدجاج في البرازيل ونيوزيلندا ودمرتها في مصر، كما أن هذا القرار يعني أن تنزف الدولة من عملتها الصعبة ما يقارب ثلاثة مليارات ونصف المليار دولار فاتورة الاستيراد خلال الستة أشهر التي حددها القرار بشكل استثنائي. 

هذا القرار الذي يمضي عكس ما طالب به الرئيس عبد الفتاح السيسي، وعكس خططه وأفكاره التي رددها على مسامعنا مرارا وتكرارا، يجعلنا نطرح السؤال الضروري: من الذي يدير هذا البلد؟ ومن صاحب القرار الحقيقي فيه؟

المصريون المصرية