تعمّد رئيس الانقلاب، عبد الفتاح
السيسي، التجاهل التام، للمطالب المتزايدة له، بالتدخل الفوري، من أجل وقف حركة قبول
الطلاب بكلية
الشرطة، التي بدأت الدراسة بها الاثنين، بعدما لاحقتها اتهامات بالفساد، إثر قبول العشرات من أبناء الأعضاء بمجلس نواب ما بعد الانقلاب، وأقاربهم، بوساطات وتزكيات خاصة، من قبل آبائهم النواب، ورئيس المجلس نفسه، على حساب الطلاب الجديرين بالقبول.
غضب في المحافظات.. ودعاوى بالجملة
وانتابت حالة من الغضب أهالي ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي والمجتمع المدني والأوساط الشعبية، بمختلف محافظات
مصر، على خلفية قبول أوراق 40 من أبناء
نواب البرلمان، والعديد من أقاربهم، بكلية الشرطة، واستبعاد المئات ممن تنطبق عليهم الشروط نفسها للالتحاق بالكلية، بسبب الوساطة والمحسوبية، ما يعتبر انتهاكا لنص دستوري يقضي بعدم التمييز بين فئات المجتمع.
وأعربت "منظمة العدل والتنمية" عن استيائها الشديد نتيجة تدخل رئيس البرلمان، علي عبد العال، ونواب البرلمان، لدى وزير الداخلية لقبول أبنائهم بكلية الشرطة، وهو أمر غير دستوري، يؤكد أن نواب البرلمان خالفوا القسم، ولا يستحقون معه أن يكونوا أعضاء بالبرلمان، نظرا لأن غالبية المقبولين هم أبناء ضباط بوزارة الداخلية وأقارب أعضاء مجلس نواب حاليين وأبناء عائلات كبرى، وفق بيان المنظمة.
وقال المتحدث الرسمي للمنظمة، زيدان القنائي، إن كلية الشرطة والكليات العسكرية رفعت شعار الالتحاق بالكليات العسكرية والشرطة والقضاء لأبناء الذوات فقط، مشيرا إلى أن الالتحاق بالنيابة هو لأبناء المستشارين فقط والقضاة، بينما يتم قصر تعيين المعيدين بالجامعات على أبناء رؤساء الجامعات.
ومن جهتهم، أقام عدد من المواطنين دعاوى ضد وزير الداخلية لقبول أبنائهم بالكلية. وأكد المحامي عصام مهنا أن الدعاوى مقامة من قبل بعض الذين لم يقبلوا بالكلية هذا العام برغم اجتيازهم جميع الاختبارات بنجاح، لإلزام وزير الداخلية ورئيس أكاديمية الشرطة ومدير كلية الشرطة، بقبولهم بالفرقة الأولى هذا العام، وإدراج اسمهم ضمن المقبولين، وانتظامهم بالدارسة في الكلية.
كاتب: الفضايح أصبحت "عيني عينك"
ووصف الكاتب الموالي للسلطات، محمد أمين، طرق اختيار طلاب الكليات العسكرية والشرطة، بـ"الفضيحة التي أصبحت "عيني عينك" والفساد الذي أصبح فاجرا"، مشيرا إلى أن "المواطنين الآن يشعرون بأن الثورة ماتت في مهدها، حيث لا عدالة ولا مساواة"، وفق وصفه.
وقال أمين، في مقاله بعنوان "أولاد الباشوات"، بصحيفة "المصري اليوم": "للأسف الشديد.. أكاديمية الشرطة لا تستطيع أن تنشر اسم من قبلته ومن استبعدته.. النواب يكتبون التوصيات للوزير.. المستشارون يفعلون ذلك أيضا".
وأضاف: "الأمر يستدعي تدخل القيادة السياسية.. أسماء المقبولين تكشف نوعية الواسطة.. ابن الضابط ضابط.. وأبناء المستشارين مستشارون.. ارجعوا إلى محكمة طنطا.. محكمة بالكامل تحكمها عائلة.. فوق المنصة، وفي وظائفها الإدارية.. كيف يحدث هذا؟.. الأمر مخجل بالفعل"، بحسب تعبيره.
حملة لإسقاط "نواب الواسطة"
في السياق ذاته، طالب المحامي شريف سمسم، السيسي، بالتدخل فورا، والتحقيق في شبهة قبول أبناء النواب بكلية الشرطة.
وقال سمسم، في مداخلة هاتفية مع الإعلامي وائل الإبراشي، في برنامج "العاشرة مساء"، عبر فضائية "دريم 2": أطالب بفحص ملفات الطلاب المقبولين في كلية الشرطة، وبالتحديد أبناء أكثر من 40 نائبا".
وتابع: "هناك حملة شعبية لإسقاط عضوية النواب الذين توسطوا لقبول أبنائهم بكلية الشرطة"، مردفا بأن ما يحدث يخالف أحكام الدستور، وأمر غير معقول، وأنه تقدم بخطابات للجهات المعنية لسحب العضوية من نائب المحلة لأنه لم يكن نائبا عن كل الأهالي، وخالف الدستور.
برلماني يناشد تشكيل لجنة تحقيق
وبجانب تجاهله الاستجابة للمطالب السابقة، تجاهل السيسي أيضا الاستجابة لمناشدة نائب دائرة الدلنجات بمحافظة البحيرة، محمد عمارة له، بتشكيل لجنة محايدة برئاسة مستشاره للشؤون الأمنية ومكافحة الإرهاب، اللواء أحمد جمال الدين، لفحص أوراق وملفات جميع الطلاب المقبولين بكلية الشرطة والطلاب المستبعدين، خاصة من الذين نجحوا في جميع الاختبارات، وأثبتت التحريات سلامة مواقفهم سياسيا وجنائيا، ونجحوا في كشف الهيئة ثم تم استبعادهم دون معرفة الأسباب، حسبما قال.
ووجه عمارة حديثه للسيسي، في بيان أصدره، الاثنين، قائلا: "أستحلفك بالله العظيم أن تحقق في هذا الملف بعد أن كثر الحديث عن أن هناك واسطة ومحسوبية، وكلنا نثق في ما تقرره اللجنة، وأنه سيرضي الجميع به مهما كانت النتيجة".
وانتقد المنسق العام لحركة "تمرد سحب الثقة من النواب"، صبري عبده جاد، سعي النواب إلى مساعدة المقربين لهم بالواسطة لدخولهم الكليات العسكرية، خاصة كلية الشرطة، مؤكدا أن مثل هذة الأفعال تزيد الاحتقان لدى المواطنيين والغضب عند الشباب، وفق قوله.
برلماني: ميراث قديم للرشوة والوساطة
وانضم النائب أحمد طنطاوي إلى المنتقدين، قائلا إن مشكلة التزكيات والتوصيات أنها تمنع من يستحق من الالتحاق بكلية الشرطة.
وأضاف، في برنامج "90 دقيقة"، عبر فضائية "المحور" أن المفترض هو أن المواطنين أمام القانون سواء، وأنه ليس هناك مجال للاستثناءات، مشيرا إلى أن هناك ميراثا قديما من الرشوة والوساطة للدخول إلى كلية الشرطة، وفق قوله.
من جهته، علق مقدم البرنامج، الإعلامي معتز الدمرداش، على نشر طلب من أحد أعضاء مجلس النواب، للواء مجدي عبد الغفار، وزير الداخلية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يطالب فيه بالموافقة على التحاق أحد الطلاب بكلية الشرطة، باعتبار أن ذلك الطالب من عائلة مرموقة في الدولة، متسائلا: "هل يحق لأبناء وأقارب أعضاء البرلمان، الالتحاق بكلية الشرطة؟".
وأضاف الدمرداش أن عدد الطلاب الملتحقين بكلية الشرطة 1600 طالب، منهم 40 طالبا من أبناء أعضاء البرلمان، متسائلا: "هل مبدأ تكافؤ الفرص سيتحقق، أم إن الواسطة لها دور؟".
في المقابل، بلغت الجرأة بالنائب حلمي أبو ركبة، خلال مداخلة هاتفية مع برنامج "العاشرة مساء"، حدَّ الإقرار بأنه تم قبول ابنه بكلية الشرطة لمجهوده الشخصي.
وقال إن التزكية التي ساعد بها ابنه شيء عادي وطبيعي، لأنه نائب عن الشعب كله، وقد توفرت في نجله كل الشروط والإمكانات، بحسب قوله.
تورط رئيس مجلس النواب في الفضيحة
وكان نشطاء بمواقع التواصل الاجتماعي، تداولوا قائمة تضم أسماء 40 نائبا احتفلوا بقبول أبنائهم وأقاربهم بكلية الشرطة لعام 2016/ 2017، بناء على طلبات تقدموا بها لوزير الداخلية لتزكية أبنائهم وأقاربهم، في اختبارات كلية الشرطة، بينما استقبل النواب رسائل من المهنئين على صفحاتهم الشخصية بموقع "فيسبوك".
وكشف مصدر مطلع بالأمانة العامة لمجلس النواب، في تصريحات لصحيفة "اليوم السابع"، أن رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، قد تحفظ على طلبات الوساطة لأقارب النواب من الدرجتين الثالثة والرابعة، لتخطيها حاجز المائة طلب، وقصرها على أبناء النواب، وأبناء أشقائهم، البالغ عددهم 28 طالبا، حيث تم قبولهم جميعا في نتائج الكلية.
وخرجت طلبات الوساطة من البرلمان، وفق الصحيفة، لأبناء النواب إضافة إلى عدد كبير من أقاربهم، تزامنا مع بدء اختبارات القبول بالكلية، في آب/ أغسطس الماضي، مما سهل اجتياز الطلاب لها.
ومن ثم استطاع عشرات النواب تمرير أقربائهم في اختبارات القبول دون اللجوء إلى الوساطة المباشرة من جانب عبد العال، وذلك من خلال علاقاتهم بقيادات الداخلية، وعملهم السابق بالجهاز الشرطي.
وكانت أكاديمية الشرطة أعلنت صباح الجمعة أسماء الطلاب المقبولين بالدفعة الجديدة لعام 2017/2016، حيث بدأ الطلاب دراستهم بالأكاديمية، الاثنين، بعدما قام وزير الداخلية، مجدي عبد الغفار، باعتماد نتيجتها.
وعلَّق عدد من نشطاء التواصل الاجتماعي ساخرين من الأمر، بترديد عبارات توضح حجم الفساد الذي لم يتغير منذ عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، مثل: "ابن الغفير غفير.. وابن الوزير وزير"، و"تحيا مصر.. حلوة يا كوسة".