"خرج من المولد بلا حمص".. ربما كان هذا المثل الشعبي
المصري أفضل وصف لحال الآلاف من المواطنين الذي تزاحموا على المتاجر يوم الجمعة الماضي؛ للاستفادة من
التخفيضات "الكبيرة" في
الأسعار، في ما يعرف باسم "الجمعة السوداء".
وبالرغم من الزحام الشديد وغير المسبوق على المراكز التجارية منذ الصباح الباكر، فإن غالبية التخفيضات كانت إما وهمية، أو نسبتها ضئيلة للغاية، بحسب مواطنين ومتخصصين.
وهذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها المتاجر المصرية بتنظيم تخفيضات على السلع يوم الجمعة السوداء، تماشيا مع التقليد الأمريكي الذي يطبق منذ عشرات السنين، والذي يقام بالتزامن مع عيد الشكر، حيث يتم الإعلان عن تخفيضات كبيرة في الأسعار، وعروض ترويجية لمدة يوم واحد فقط.
فرجة دون شراء
وقال مواطنون تحدثوا لـ"
عربي21" إن الزحام الشديد على المتاجر في ذلك اليوم؛ لم يترجم إلى عمليات شراء مكثفة كما يظن البعض. فقد اكتفى كثيرون بالفرجة فقط، ولم يتمكنوا من الشراء بعدما اكتشفوا أن المحال التجارية لجأت إلى حيل متعددة لخداع الزبائن؛ لتبيع بضاعتها دون أن تخفض من سعرها كما أعلنت، استغلالا منها للإقبال الكبير على الشراء.
وقالت دعاء عبدالعزيز (موظفة حكومية)، إن بعض المحال علقت لافتات بوجود تخفيضات على بضائعها، لكن الأسعار لم تختلف عن ذي قبل، مشيرة إلى أن تجارا آخرين لجأوا إلى كتابة أسعار وهمية على السلع بأكبر من سعرها الأصلي، حتى يكون سعر السلعة بعد الخصم هو ذات السعر قبله؛ ليخدعوا المشترين.
وأكد محمد ليلة (مندوب مبيعات)، أن كثيرا من المتاجر اكتفت بخصم نسبة بسيطة للغاية من السعر الأصلي للسلع؛ تراوحت بين 5 و10 بالمئة فقط، بينما قامت متاجر أخرى بحصر التخفيضات على سلع قليلة لا يهتم كثيرون باقتنائها، مثل العطور والإكسسوارات، وظلت النسبة الغالبة من البضائع التي يقبل الزبائن على شرائها -مثل
الملابس والأجهزة الإلكترونية- محتفظة بسعرها دون أي خصم.
وانتقد خالد السكري (محاسب) إجراء هذه التخفيضات يوم 25 من الشهر، ما يعني أن الغالبية العظمى من الموظفين لم يستلموا رواتبهم الجديدة بعد، وهو ما أثر بالسلب على قدرته على الشراء.
وأكدت سلوى ماهر (ربة منزل) أن بعض المتاجر قصرت التخفيضات على الملابس الصيفية القديمة، بينما ظلت الملابس الشتوية التي يحتاجونها في هذا الوقت من السنة محتفظة بسعرها المرتفع.
أكبر عملية نصب تجاري
وتعليقا على هذا اليوم؛ فقد وصف رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء"، محمود العسقلاني، تخفيضات الجمعة السوداء، بأنها "أكبر عملية
نصب شرائية تمت في السوق المصرية"، مؤكدا في مداخلة مع قناة "الغد" الإخبارية مساء السبت، أنها "كانت وهمية، بخلاف ما حدث من تخفيضات حقيقية في اليوم ذاته بالولايات المتحدة وأوروبا".
من جانبه؛ قال رئيس جهاز حماية المستهلك، اللواء عاطف يعقوب، إن التخفيضات على السلع المتواجدة في المتاجر "وهمية، وتم التلاعب بأسعارها"، مؤكدا وجود ارتفاع شديد وغير مبرر في أسعار السلع "بنسب لم تشهدها مصر من قبل".
واعترف يعقوب في تصريحات صحفية، بوجود انفلات في الأسواق المصرية، وغياب للرقابة، ما دفع كثيرا من التجار إلى عدم الالتزام بإعلان الأسعار الحقيقية، أو تحديد هامش الربح.
ووصف عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، حافظ أبو سعدة، التخفيضات بأنها "عمليات نصب"، مضيفا عبر صفحته على "فيسبوك" أن "كل من قام بالشراء في ذلك اليوم تعرض لعملية نصب بسبب الأسعار، حيث إنه تم رفع الأسعار بحيث أصبحت بعد الأوكازيون أغلى منها قبله، والحكومة لم تتحرك".
واتفق معه عضو اتحاد الغرف التجارية، محمد بركة الذي أكد في مداخلة مع قناة "العاصمة" مساء السبت، أن أصحاب المتاجر تلاعبوا بالأسعار، ورفعوا ثمنها إلى الضعف، ليتم إيهام المستهلك بالتخفيض "في عملية نصب واضحة"، مضيفا أن "تقاعس جهاز حماية المستهلك عن القيام بدوره الرقابي سهّل
خداع المواطنين".
وانتقدت جمعية حماية المستهلك بالإسكندرية، ما وصفته بـ"التخفيضات الوهمية، وعملية النصب الواضحة التي حدثت للمواطنين"، موضحة أن مواطني الإسكندرية "تعرضوا لعملية خداع بتخفيضات على عدد محدود جدا من السلع الراكدة التي انتهى موسمها، ليستطيع التجار تسويق بضاعتهم قبل تفعيل مبادرة المقاطعة التي دعا إليها نشطاء في الأول من كانون الأول/ ديسمبر المقبل".
وأضافت الجمعية في بيان لها السبت، تلقت "
عربي21" نسخة منه، أنها تابعت "توافد المواطنين على المحال التجارية الكبرى في الإسكندرية، واكتشافهم أنه ليس هناك أي تخفيضات حقيقية، مع غياب تام للأجهزة الرقابية".