أثار الحوار الصحفي الذي أجراه موقع "
عربي21" مع الأستاذ إبراهيم منير جدلا واسعا، حيث ورد في عنوانه مضمون كلام عن المصالحة في
مصر، وخرج الأستاذ إبراهيم ينفي قصده إجراء مصالحة مع السيسي أو نظامه.
وستظل أزمة هذه الحوارات والتصريحات، التي كلما تحدث أحد من طرفي
الإخوان، أو ممن يعارض الانقلاب المصري، سيظل فهمها على المعنى الصحيح أو غير الصحيح هو سيد الموقف، وذلك لأسباب عدة، لعل أهمها: هو عدم وضوح رؤية - للأسف - عند الإخوان، حول: ماذا يريد الإخوان؟ وما طبيعة جماعتهم؟ وما موقفهم من الثورة؟ وما خطتهم لإسقاط الانقلاب؟ وهل تؤمن قيادات الإخوان بالعمل الثوري الحقيقي، أم أن الثورة فاجأتهم، فاستفادوا بها، ثم جاء الانقلاب ففاجأهم هو أيضا، فارتبكوا في التعامل معه؟ وهل هناك تصور حقيقي يمثل الجماعة بكل شرائحها بداية من عموم الصف الإخواني انتهاء بالقيادات حول رؤيتهم السياسية للانقلاب وإسقاطه؟
كل هذه أسئلة للأسف حتى الآن لم تبحث قيادات الإخوان، خاصة ما يطلق عليها القيادات التاريخية، عن أي إجابة واضحة وصريحة حول هذه الأسئلة، ولذا ستجد كل فترة تصريح من هنا وآخر من هناك، ثم نفي يعقبه، ثم توضيح للنفي، ثم توضيح على التوضيح، وهو ما يعبر عن أزمة كبيرة داخل الإخوان.
الأزمة فعلا تتمثل في وجود خطابين عند بعض قيادات الإخوان، بل ربما أكثر من مستوى في الخطاب، فهناك خطاب للإعلام، وهناك خطاب للداخل، وهناك خطاب للصفوة من أهل الداخل.
لعل الكثيرين كانوا يختلفون مع الأستاذ محمد مهدي عاكف فك الله أسره، في بعض تصريحاته، لكن الجميع يتفق على أن الرجل كان واضحا، له خطاب واضح، حتى لو فهم خطأ، وأساء إليه من أساء بهذا الخطاب، لا يلقي بالتكذيب على الصحفي، ولا يتنكر لما قال، بل يفاخر به، ما دام مؤمنا بما صدر عنه، يقبل الأخذ والنقاش فيما يقول، لكن البعض للأسف يصدق عليه ما أشاعه بعض الصحفيين عن بعض القيادات: يقول في النهار، ما ينفيه بالليل.
الأخطر في الأمر: أن الحديث يدور بمعزل تماما عن قواعد الإخوان، وقواعد الثورة، فالصف الإخواني لا أثر يذكر له، لا في تصريحات القيادات، ولا في خططها (إن أحسنا الظن أن هناك خططا تعمل)، فليس له أي قيمة تذكر في الحسبة، ولا أي اعتبار لتضحياته ودوره، فالقول ما يقوله القيادات، والفعل ما يفعله بعض هذه القيادات.
والأخطر هو التلاعب بمشاعر الجماهير التي تصطف خلفنا، فنعلن في الإعلام والمنابر آراء لا تعبر بصدق عما بداخل القيادات، بل تخشى فقط من موجة هائجة ضدها، فبينما تعلن قيادات أنها مع الثورة والشرعية، ولا تنازل عنها، وإسقاط الانقلاب، ونجاح الثورة، بينما نرى خطابا آخر مفاده: نحن لسنا أهل ثورة، ولا إسقاط انقلاب، نحن أهل دعوة فقط.
والأستاذ إبراهيم منير نفسه الذي نفى تصريحه، أو فسره، في حوار له معنا مجموعة من مجلس شورى إخوان تركيا، قال: إن استراتيجيتنا هي نصاب البقاء، أي الحفاظ على بقاء التنظيم، فلماذا إذن ضحينا بكل هذه الآلاف في رابعة والنهضة إن كان هدفك الحفاظ على التنظيم؟ وكتب الشيخ مصطفى البدري مقالا نسب فيه للدكتور محمود حسين كلاما في نفس السياق، وحتى الآن لم يصدر - فيما أعلم - عن الدكتور محمود أي تكذيب لما كتب وانتشر.
وفي مؤتمر للإخوان في ماليزيا في محاضرة للدكتور عماد الحوت، قال: نحن لسنا دعاة ثورة، ولا ندعو إليها، ولكن إذا جاءت نتعامل معها، نفس الكلام قاله الأستاذ محمد سودان عن ثورة يناير، أنها كانت لعبة مخابراتية، أي أن هناك من يتلاعب بالثورة في خطاباته، فتارة يركبها بالكلام والفعل، وتارة ينفي علاقة الدعوة الإخوانية بالثورة وأدبياتها، وهو ما فندته من خلال منهج حسن البنا مع الثورة، بما يؤكد عمل البنا والإخوان على الإعداد للثورة.
لست ضد رؤية كل الأفاضل الذين ذكرت أسماءهم ونقلت عنهم موقفهم، فهذا حقهم الكامل، لكن ليس من حقهم أن يكون لهم أكثر من خطاب، خطاب على مستوى المحيطين بهم فقط، وخطاب على مستوى صفهم فقط، وخطاب للعامة يعلن به، فهذا لا يقبل شرعا، ولا عقلا، ولا سياسة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرائد لا يكذب أهله"، فيجب أن يتحلى الجميع بالصراحة الكاملة مع الصف الثوري والإخواني معا برؤيته، غضب من غضب، ورضي من رضي.
أما مسألة المصالحة أو الثورة، فهي ليست أمرا خاصا يصرح به القيادات، بل يخص الجميع، كبارا وصغارا، وهو ما ناديت ولا زلت أنادي به دعوة صريحة: أن علينا كإخوان، وفصائل ثورية، أن نقوم بعمل استبيان عام واستفتاء داخلي، يشمل كل الصف الإخواني والثوري، يدور حول الثوابت من الحراك، ما يقبل المرونة، وما لا يقبل، فيم نتشدد ولا نتحرك عنه قيد أنملة، وفيم نتساهل ويقبل التفاوض؟ الموقف من الدكتور مرسي وشرعيته، والموقف من الدستور والبرلمان، والاستحقاقات الانتخابية الخمسة التي تمت، والموقف منها؟ وأن يعلن كل فرد رأيه بكل صراحة دون خوف أو وجل، حتى لا يضطر أحد لإخفاء شيء، وإظهار آخر غير قناعته، وأن يشمل هذا الاستبيان كل أسر الشهداء والمعتقلين والمطاردين، في الداخل والخارج، وبناء على هذا الاستبيان يعرف الجميع ما مطالبهم وثوابتهم، ومدى قدرتهم على ذلك، وليس مقبولا من أي قيادة كانت من جماعة الإخوان أو غيرها، أن تتجاوز هذا الاستبيان إلا معبرة عن رأيها الشخصي، ولا أن تستبق الاستبيان بمواقف، فيكون هذا الاستبيان هو الميزان الذي يضبط به الجميع موقفه، عدا ذلك سنظل ندور في حلقة مفرغة من التصريحات غير المدروسة، أو الفهم غير المقصود لما صدر منها، خاصة وأجواء الخلاف بين الجميع تسمح بهذا كله وأكثر.
للتواصل مع الكاتب:
Essamt74@hotmail.com