كتب الخبير الأمني
الإسرائيلي يوسي ميلمان، مقالا في موقع "ميدل إيست آي"، حول الدور الأمني الإسرائيلي في شؤون المنطقة، وشعور جواسيس إسرائيل بالعزلة.
ويقول ميلمان إن الحملة التي تخوضها الولايات المتحدة ضد
تنظيم الدولة في سوريا والعراق، التي زادت في الموصل والرقة، تدور دون مشاركة إسرائيلية، مشيرا إلى انشغال الولايات المتحدة بالانتخابات الرئاسية، بالإضافة إلى أن واقع المنطقة كان وراء صدور تصريحات مختلطة، وأحيانا متناقضة، من القادة الإسرائيليين بقيادة بنيامين نتنياهو، ومن مسؤول الاستخبارات.
ويضيف الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، أن الوضع في الشرق الأوسط يجعل نتنياهو وحكومته يشعرون بالسعادة؛ بسبب الحروب الأهلية في سوريا وليبيا والعراق واليمن، التي تقسم العالمين العربي والإسلامي، وتدفعهما إلى شفير الهاوية، وبالتالي تحرف انتباه العالم عن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
ويشير المقال إلى أن "نتنياهو استطاع في الوقت ذاته تعزيز سيطرة إسرائيل على الأراضي المحتلة في الضفة الغربية، وبناء مستوطنات جديدة، تهدف لعرقلة حل الدولتين، دون تعرضه لضغوط دولية خطيرة، وبهذا المعنى، فإن الحروب في الشرق الأوسط والدول الفاشلة هي مثل الموسيقى العذبة في أذني نتنياهو ومؤيديه، الذين يقولون إن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني هو مشكلة ثانوية في المنطقة".
ويرى الموقع أن المجال المفتوح الذي تشعر به إسرائيل لم يكن أخبارا جيدة للمؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية، فهي تشعر بأنها خارج الأجندة الدولية ولا أهمية لها، حيث إن إسرائيل بطبيعتها لا تحب النظر إليها على أنها قوة لا أهمية لها، لافتا إلى أن عدم أداء إسرائيل دورا في الحرب الدولية ضد المنظمات الجهادية أدى إلى حالة إحباط لدى قادة المؤسسات الأمنية.
ويبين ميلمان أن "هناك إجماعا على أهمية بقاء إسرائيل بعيدة عن حروب الشرق الأوسط، كما أن الوزراء وقادة الأجهزة العسكرية الإسرائيلية أكثر تعقلا، وباتت طموحاتهم متواضعة، ويعرفون أنه من العبث تقديم خدماتهم للحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة".
ويستدرك المقال بأنه "رغم أن هذا الموقف يعبر عن تعقل، إلا أن حدس قادة الأجهزة الأمنية أمر آخر، فحقيقة عدم مشاركة إسرائيل في العمليات العسكرية الجارية قرب حدودها أمر يثير حالة إحباط لدى القادة الأمنيين والعسكريين، ويبدو الإحباط أكثر عندما تأخذ بعين الاعتبار مشاركة القوات الأمريكية والبريطانية والأسترالية والكندية والفرنسية والألمانية الخاصة في العمليات السرية داخل سوريا والعراق وليبيا".
ويلفت الموقع إلى أن هذه الأراضي والقوات العاملة فيها ليست مجهولة للقوات الإسرائيلية، حيث عملت فيها سابقا، بالإضافة إلى أنها قامت بالتدرب وتبادل الخبرات والتعاون مع القوى الغربية النظيرة لها.
ويقول الكاتب إن "الإحباط والغيرة ليسا تعبيرا عن نزوات جنود، فالقوات العسكرية والأمنية تعمل من خلال مفهوم الأهمية المتجذر في تفكيرها، فالجنود والجواسيس يشعرون بالأهمية والثناء عندما يشاركون في مهام تقوم بها القوات الصديقة، وعندما لا تعرف، أو لا تستطيع الأداء وإظهار قدراتك الكاملة، فإنه سيتم تجاوزك وتجاهلك، وليس أكثر إهانة للمجتمع الاستخباراتي الإسرائيلي عندما يشعر بأنه غير مهم؛ لأن حلفاءه تجاهلوه".
ويضيف ميلمان أن "إحدى الصفات التي تعبر عن
الموساد والمؤسسة العسكرية الأمنية، بالإضافة إلى التصميم والجرأة والإبداع والتفكير خارج السياق، هي أن معرفتهم مهمة لفهم التطورات في المنطقة، فالإنجازات الأمنية للمؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية كانت نتاجا لقدرتها الحصول على معلومات تشترك فيها مع أصدقائها أو تستخدمها لتكوين صداقات جديدة".
ويورد المقال مثالا على ذلك، تحقيق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أثناء عملها مع المخابرات الأمريكية والبريطانية والغربية، نجاحات مهمة لإبطاء تقدم المشروع النووي الإيراني، ومن بينها العملية الإسرائيلية الأمريكية المشتركة لزراعة فيروس "ستاكسنيت"، الذي أدى إلى تدمير آلاف أجهزة الطرد المركزية الإيرانية، بالإضافة إلى تعاون عملاء الموساد مع "سي آي إيه" عام 2008 في عملية مشتركة أخرى، لاغتيال عماد مغنية، الذي وصف بأنه "وزير دفاع" حزب الله.
ويذكر الموقع أن الاعتراف بقدرات المخابرات الإسرائيلية والمخاوف من إيران كانا سببا في تعاونها مع دول عربية، مثل البحرين والإمارات العربية المتحدة والسعودية، حيث عبرت هذه الدول عن استعدادها للتعاون بشكل سري مع إسرائيل، مستدركا بأنه رغم أن هذه الدول لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، إلا أنها بحاجة إلى قدرات إسرائيل التكنولوجية والمعلومات.
وينوه الكاتب إلى أنه "عندما يتعلق الأمر بالحرب ضد تنظيم الدولة وغيره من الجماعات الجهادية، فإن إسرائيل تبذل جهدها للحصول على كم وفير من المعلومات، لكن مصادرها وقدرة مؤسساتها الأمنية الثلاث محدودة في عالم الجهاديين".
ويجد المقال أن إسرائيل تتابع حركة الجماعات الجهادية لثلاثة أسباب، أولها: لأن بعض الجماعات المنبثقة عن تنظيم القاعدة لها حضور قرب الحدود الإسرائيلية مع كل من مصر وسوريا، ولا تمثل إسرائيل هدفا لها، على الأقل في الوقت الحالي، ومن هنا، فإنه من المهم متابعة الأعداء وتحليل نواياهم.
أما السبب الثاني يتعلق بقيام
الإرهابيين، الذين استلهموا أفكارهم من هذه الجماعات، بهجمات ضد أهداف يهودية في أوروبا، وتنظر المخابرات الإسرائيلية لنفسها على أنها "مخابرات يهودية" مسؤولة عن الحماية وإحباط هجمات ضد المجتمعات اليهودية حول العالم، بحسب الموقع.
ويورد الموقع أن "السبب الثالث يتعلق بالرغبة بأن تكون مهما، وهذا ضروري؛ لأن العلاقات بين المجتمعات الأمنية تحدد بشكل أساسي من خلال المصالح المشتركة (خذ وهات)، وبعبارات أخرى فإنه عندما تجمع كمية كبيرة من المعلومات، ذات الطبيعة النوعية، فإنك تستطيع تبادلها من خلال (حك لي حتى أحك لك)".
ويذهب ميلمان إلى أن "المعلومات التي يمكن مبادلتها تعني القوة والتأثير والتميز وتوقعات بقيام الطرف الآخر برد المعلومات، فمن أجل أن تظل في قائمة التميز فإن الموساد والاستخبارات العسكرية تحتاج معلومات جيدة ودقيقة حول تنظيم الدولة والجماعات الأخرى، التي لا تعمل قرب الحدود الإسرائيلية، بل في أماكن بعيدة".
وبحسب المقال، فإنه لهذا الهدف، فإن المخابرات الإسرائيلية قامت خلال السنوات الماضية بإنشاء وحدات خاصة؛ للاستفادة من قاعدة البيانات والتقنيات المتوفرة لها، مستدركا بأن التغطية ليست كافية، حيث تبدو المخابرات الإسرائيلية بعد سنوات طويلة من العمل في الشرق الأوسط على الهامش.
ويخلص الكاتب إلى القول: "لو استمرت هذه التوجهات، فإنها ستقود إلى قلة في التعاون مع المجتمع الدولي الأمني، بشكل يترك المخابرات الإسرائيلية أقل خبرة ومعرفة بما يجري في العالم، وستؤدي إلى تدمير قدرة إسرائيل في النهاية على منع الهجمات الإرهابية".