في توجه سيؤدي حتما حال استمراره إلى تأزم الفوضى في
نيجيريا، تتحول البلاد تدريجيا -خاصة بعد مواجهات عنيفة بين مجموعات سنية وشيعية- إلى جبهة جديدة للحرب بالوكالة بين
السعودية وإيران.
وتشهد مناطق شمالية في نيجيريا، التي يعاني سكانها من هجمات مستمرة تنفذها حركة "بوكو حرام"، تصعيدا ملموسا في التوتر بين التنظيمات السنية والشيعية المحلية في الأشهر الأخيرة، حيث بادر مسلحو حركة "إزالة البدعة وإقامة السنة" السلفية، المدعومة من السعودية، في 12 تشرين الأول/ أكتوبر، لشن سلسلة هجمات على عناصر "الحركة الإسلامية النيجيرية" الشيعية المتشددة المقربة من
إيران، في مدن مختلفة من شمال نيجيريا ذي الغالبية السنية، ما أسفر عن موجة عنف في عدة ولايات بالبلاد، وذلك في ذكرى عاشوراء.
وهاجم السكان المحليون تجمعات شيعية في العديد من المدن، حيث منعت السلطات أتباع
الشيعة من تنظيم مواكب إحياء عاشوراء، ونسجت 5 ولايات على الأقل في شمال البلاد على منوال ولاية كادونا، فحظرت على "الحركة الإسلامية" تنظيم مواكب احتفالية بعاشوراء.
وأعلنت "الحركة الإسلامية النيجيرية" آنذاك عن مقتل 10 من عناصرها وإصابة 50 آخرين على يد قوات الأمن في ولاية كاتسينا شمالي البلاد، فيما قتل اثنان آخران في ولاية كادونا، حيث حظر نشاط الحركة منذ تشرين الأول/ أكتوبر، وتحدث شهود عيان عن مجموعات نهبت وأحرقت منازل على مدى يومين، وسط هتافات "لا نريد شيعة".
وأشارت وكالة "فرانس برس"، في تقرير نشرته السبت، 5 تشرين الثاني/ نوفمبر، إلى زيادة حدة رفض وجود الشيعة في الآونة الأخيرة في شمال نيجيريا، خصوصا في كادونا، التي يهيمن عليها السلفيون، ويقول سكان إن أئمة المساجد لم يعودوا يتورعون عن إلقاء خطب مشحونة بالكراهية ضد الأقلية الشيعية.
ويواجه قائد تنظيم "إزالة البدعة وإقامة السنة"، عبد الله بالا لو، اتهامات بالتحريض على مهاجمة الشيعة، بتصريحه الذي قال فيه إن الدستور النيجيري لا يعترف إلا بالمذهب السني. وتبث القناة الفضائية لمجموعته، التي تدعم علاقات وثيقة مع السعودية، خطابا عنيفا ضد أتباع الشيعة.
ولا تعترف "الحركة الإسلامية النيجيرية" بالسلطات النيجرية المركزية في العاصمة أبوجا، وهي تدعو إلى إقامة نظام على الطريقة الإيرانية، خصوصا في ولاية كادونا.
وجاءت هذه التطورات بعد أن اتهمت "منظمة العفو الدولية" الجيش النيجيري باغتيال أكثر من 350 شيعيا، ودفن جثثهم في مقبرة جماعية، بين 12 و14 كانون الأول/ ديسمبر 2015، في مدينة زاريا بولاية كادونا.
وسارعت حكومة كادونا إلى إجراء تحقيق مستقل، خلص، في آب/ أغسطس الماضي، إلى أنه تم قتل 347 شيعيا، لكنها لم تقم حتى الآن بمحاكمة أو إدانة أي شخص كان داخل الجيش بشأن هذه المجزرة.
واحتجزت السلطات مع ذلك قائد "الحركة الإسلامية النيجيرية"، إبراهيم الزكزكي، في كانون الأول/ ديسمبر 2015، ونقلته إلى مكان لم يكشف عنه، وذلك من دون توجيه أي اتهام إليه، فيما يقع حوالي 100 من عناصر حركته قيد الحبس في كادونا بانتظار المحاكمة.
ويعتقد المتابعون أن التصعيد الأخير للتوتر في شمال نيجيريا يشير إلى أن الحرب بالوكالة الجارية بين السعودية وإيران في كل من سوريا واليمن ولبنان وباكستان بصدد الانتقال إلى نيجيريا.
وتعليقا على هذه الأحداث، قال المحلل السياسي أبو بكر الصديق محمد، في حديث لوكالة "فرانس برس"، إن "السعودية مولت في الواقع الحملات ضد الشيعة في العديد من مناطق العالم"، مضيفا أنه "إذا تكثفت الهجمات على الشيعة، فمن البديهي أن تهب إيران لمساعدتهم، وأن تدعم السعودية الهجمات عليهم".
وفي خطوة تؤكد رأي محمد، اتصل كل من رئيسي إيران والسعودية، على خلفية هجمات زاريا، بنظيرهما النيجيري محمد بخاري.
ودعا الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إلى ضبط النفس، قائلا إن هناك "جماعة" تعمل على "زرع بذور الشقاق بين المسلمين في بلدان إسلامية"، في إشارة واضحة إلى السعودية.
وأفادت وسائل إعلام نيجيرية بأن العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، دعم العملية التي نفذتها سلطات أبوجا ضد عناصر "الحركة الإسلامية النيجيرية" الشيعية، ووصفها بأنها "معركة ضد الإرهاب".
وأكد المحلل أبو بكر الصديق محمد لـ"فرانس برس" أن "ردة فعل إيران والسعودية على المواجهات في زاريا تعكس تيارات طائفية".
وفي آذار/ مارس الماضي، شارك رجال دين سعوديون في مؤتمر لحركة " إزالة البدعة وإقامة السنة" خصص لبحث "الإيديولوجيات الإسلامية المنحرفة" في نيجيريا، ومنذ ذلك الحين كثفوا خطبهم في نيجيريا.
يذكر أن "الحركة الإسلامية النيجيرية" نشأت في العام 1978 كتنظيم طلابي، قبل أن تتحول إلى مجموعة ثورية تستلهم ثورة العام 1979 الإسلامية في إيران.
ثم أصبحت الحركة شيعية في 1996، بسبب التعاون الوثيق بين زعيمها إبراهيم الزكزكي وإيران، ما فاقم الضغينة المتبادلة مع الوهابيين السلفيين، بمن فيهم جماعة "إزالة البدعة وإقامة السنة"، التي تأسست أيضا في 1978 على يد رجل دين سعودي.
وتعليقا على أنشطة أعضاء الحركة، قال ضاهر حمزة، الخبير في تاريخ الإسلام، في حديث لوكالة "فرانس برس": "لقد حولوا انتباههم إلى الشيعة، الذين بدأوا ينظمون صفوفهم بشكل أفضل ويتحدون النفوذ السلفي، مع تزايد عدد أنصارهم في المناطق الواقعة تحت سيطرة السلفيين".
وتلقت الحركة، وفقا لـ"فرانس برس"، تمويلات من السعودية، وهي تضم أعضاء أثرياء، ما أتاح لها بناء مساجد ومدارس.
وتكثفت خطب "إزالة" ضد "الحركة الإسلامية النيجيرية" والمذهب الشيعي منذ كانون الأول/ ديسمبر 2015، وأيدت علنا قمع الجيش لعناصر الحركة الشيعية، بل دعت إلى مزيد من العنف ضدهم.