تصاعدت
أزمة الدولار الخانقة في
مصر، وأصبحت تهدد اقتصاد البلاد بالشلل؛ بعدما تسببت في نقص حاد لسلع أساسية بالأسواق، وإغلاق عدد كبير من المصانع.
وخلال الأيام القليلة الماضية؛ حذرت مصانع كبرى من عدم قدرتها على مواصلة الإنتاج؛ بسبب شح الدولار الذي جعلها عاجزة عن توفير مسلتزمات الإنتاج المستوردة من الخارج.
السكر غير موجود
وواصلت أزمة اختفاء
السكر من الأسواق تفاقمها، وسجلت أسعاره ارتفاعات قياسية تجاوزت الـ300 بالمئة خلال فترة قصيرة، حيث وصل سعر الكيلو إلى 20 جنيها؛ بعدما كان يباع بخمسة جنيهات فقط في بداية الأزمة.
ولم تفلح الإجراءات التي اتخذتها الأجهزة الأمنية في التخفيف من الأزمة، بل زادت الأمور تعقيدا؛ بعدما صادرت مخزون السكر في بعض المصانع الكبرى، ما أدى إلى توقفها عن الإنتاج.
وصادرت الأجهزة الأمنية كميات كبيرة من مخزون السكر لدى شركة "إيديتا" للمنتجات الغذائية؛ بتهمة بيعها في السوق السوداء، الأمر الذي دفع الشركة إلى وقف إنتاجها في مصانعها الأربعة العملاقة بمصر، وهو ما بعث برسالة سلبية، بحسب محللين، حيث قال صاحب الشركة "هاني بيرزي" في تصريحات تلفزيونية، الأربعاء الماضي، إن الأمر أقلق جميع المستثمرين.
الأسعار ترتفع يوميا
ولم يكن السكر هو السلعة الوحيدة التي ارتفعت أسعارها بنسب قياسية مؤخرا بسبب أزمة الدولار، فقد اشتعلت أسعار جميع المواد الغذائية بلا استثناء، بحسب مراقبين.
وقال عامر محمد، وهو صاحب محل لبيع المواد الغذائية، إن الأوضاع في البلاد لا يمكن أن تستمر بهذا الوضع، حيث تعاني الطبقة المتوسطة والفقيرة بشدة، ولم يعد بإمكانها تحمل المزيد.
وأضاف محمد لـ"
عربي21" أن السوق يعاني من انفلات غير مسبوق، حيث أصبحت الأسعار ترتفع بمعدل يومي، وليس سنويا أو حتى شهريا كما كان يحدث في أوقات سابقة.
وحول أزمة السكر؛ أوضح أن الحكومة هي التي تسببت فيها؛ بسبب رفضها تحرير سعر السكر وتركه للعرض والطلب؛ شأنه شأن باقي السلع، حيث أصرت الحكومة على بيعه بسعر خمسة جنيهات فقط للكيلو، وهو سعر أقل من سعر التكلفة، وهددت من يقوم ببيعه بسعر أعلى من ذلك بالحبس وغلق المتجر، الأمر الذي دفع جميع التجار إلى الامتناع عن بيعه؛ تجنبا للخسارة، وخوفا من العقوبات القاسية.
وتابع: "بعد أن امتنعت المتاجر الصغيرة عن بيع السكر؛ حدث تكالب كبير من المواطنين على الكميات القليلة المتاحة في السلاسل التجارية الكبرى، وبدأت ظاهرة التخزين والتجارة في السوق السوداء".
نقص السجائر يعكر مزاج المصريين
ومن بين الأزمات الحادة التي بدأت تلوح في الأفق؛ أزمة نقص السجائر في السوق العام، وهي التي تصنف على أنها سلعة استراتيجية في البلاد.
وتحتكر الحكومة المصرية إنتاج السجائر عبر مصنع الشرقية للدخان العملاق الذي تملكه، ولا يوجد منافس له في البلاد.
وحذرت الشركة من نقص محتمل في إنتاجها جراء أزمة الدولار، الأمر الذي من المتوقع أن يعكر مزاج ملايين المدخنين في مصر.
وقالت "الشرقية للدخان" في بيان لها الأربعاء الماضي، إنها قلصت بالفعل من احتياطيات المواد الخام لديها بسبب النقص الحاد في العملة الصعبة، وحذرت من أنها قد تضطر إلى وقف الإنتاج والبيع للمستهلكين في غضون أسابيع.
وأشارت إلى أنها بحاجة إلى 30 مليون دولار شهريا لشراء المواد الخام وقطع الغيار، لافتة إلى أنها كانت تعتمد بصورة أساسية على شريكتها الأجنبية مجموعة " فيليب موريس" لتدبير هذه المبالغ، لكن الأخيرة أوقفت تمويلها بسبب أزمة الدولار، كما أن مخزونها الاستراتيجي من العملات الأجنبية التي كانت تحتفظ به لاستخدامه وقت الحاجة نفد هو الآخر.
"أهل الشر وراء اختفاء السلع"
وبدلا من مواجهة الأزمة؛ اتهم رئيس جهاز حماية المستهلك، اللواء عاطف يعقوب، ما أسماها "قوى الشر" بالتسبب فيها عبر "تجميع السلع من الأسواق بهدف زيادة الطلب عليها ورفع أسعارها"، مضيفا في تصريحات لقناة "القاهرة والناس" الخميس الماضي، أن الدولة "تتعرض لمؤامرة كبيرة لتأجيج الغضب الشعبي".
ويشتكي المستثمرون ورجال الأعمال في مصر؛ من توقف البنك المركزي عن توفير الدولار لسداد احتياجاتهم من المواد المستوردة، الأمر الذي دفعهم إلى تدبير هذه المبالغ من السوق السوداء بأسعار تجاوزت ضعف السعر الرسمي للجنيه.
وشهدت مصر منذ انقلاب تموز/ يوليو 2013؛ إغلاق العديد من المصانع، وهروب الاستثمارات الأجنبية؛ بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلاد، لكن هذه الظاهرة تفاقمت بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة.
وبحسب بيانات الاتحاد العام لنقابات عمال مصر؛ فإن 855 مصنعا وثلاثة آلاف و500 شركة صغيرة ومتوسطة؛ أُغلقت خلال السنوات الثلاث الأخيرة.