وقعت في الأسابيع الماضية من الشهر الجاري أربع جرائم قتل بحق نساء وفتيات في العاصمة الأردنية عمّان، ومدن أردنية أخرى، بعضها بذريعة "الشرف"، بحسب بيان صادر عن جمعية تضامن النساء الأردني.
وذكر البيان أن "زوجة ثلاثينية وأما لطفلين خلال الأسبوع الماضي تعرضت للاعتداء عليها من قبل زوجها ضربا ورفشا بالأقدام، ما سبب لها نزيفا داخليا نقلت على أثره إلى المستشفى إلا أنها فارقت الحياة، وذلك في منطقة سحاب في محافظة العاصمة".
وأقدم شخص (18 عاما) على قتل شقيقته (20 عاما) رميا بالرصاص فجر يوم السبت 8-1-2016، حيث أطلق أربع رصاصات على رأسها وهي نائمة، بسبب حيازتها لهاتف خلوي ورؤيتها تتحدث به من قبل أحد أفراد العائلة، وتحطيم الهاتف دون التأكد من هوية المتصل، وأفاد الجاني بأنه ارتكب جريمته "تطهيرا لشرف العائلة"، وفقا للبيان.
ووفقا للمدير التنفيذي لمعهد "تضامن"، الناشط الحقوقي منير ادعيبس، فإن الإقدام على قتل النساء والفتيات يعتبر جريمة بحقهن، واعتداء صارخا على حقهن الطبيعي في الحياة، ما يستدعي التصدي لمعالجة هذه الظاهرة بحزم وصرامة.
ازدياد جرائم قتل النساء والفتيات
وقال ادعيبس لـ"عربي21": "إن أعداد جرائم قتل النساء والفتيات في ازدياد، حيث أظهرت الأرقام ارتفاع تلك الجرائم خلال الأشهر العشرة الأولى من هذا العام بنسبة 53% مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2015 (26 جريمة عام 2016 مقابل 17 جريمة عام 2015)".
وأرجع ازدياد نسبة الجرائم المرتكبة بحق النساء إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع الأردني، بسبب تدفق الأعداد الكبيرة من اللاجئين إلى الأردن، وازدياد حالات الفقر.
وأضاف الناشط الحقوقي: "كذلك فإن التشريعات الجزائية ساهمت بشكل كبير في استمرار ارتكاب هذه الجرائم، خاصة ما كان منها بذريعة الشرف، لأن القاتل يعلم أنه سيأخذ عقوبة مخففة حينما تحال القضية إلى المحاكم".
ورأى أن ثمة ضرورة ملحة لاتخاذ تدابير صارمة لمحاصرة تلك الظاهرة، ومحاولة الحد من انتشارها، بتكثيف الوعي المجتمعي للتنفير من الإقدام على قتل النساء والفتيات لأي سبب من الأسباب، فالقتل جريمة بشعة، وإزهاق الروح الإنسانية بغير وجه حق أمر مستنكر.
وتابع بأنه "مع ضرورة إثارة الوعي، فثمة حاجة ملحة لتعديل التشريعات والعقوبات، وبشكل محدد إلغاء العذر المخفف لعقوبة قتل النساء والفتيات من أجل الشرف، وإنزال العقوبة المشددة بحق كل من يقوم بذلك".
ولفت ادعيبس إلى أن من أسباب ازدياد نسبة تلك الجرائم، إسقاط الحق الشخصي من قبل الأب، لأن أغلبها تقع من الأشقاء بحق شقيقاتهم، فيقوم الأب بإسقاط الحق الشخصي، ما يقلل عقوبة مثل هذه الحالات.
وجوابا عن سؤال "هل تراجعت سلطة العادات والأعراف الاجتماعية التي لا ترى سبيلا لتطهير شرف العائلة إلا بالإقدام على قتل النساء والفتيات؟"، ذكر ادعيبس أن ثمة وعيا إيجابيا في المجتمع بات أشد رفضا لهذه الجرائم، ما يجعلنا نشدد مطالبنا للبرلمان القادم وللحكومة لتعديل قانون العقوبات، وإلغاء الأعذار المخففة.
المشكلة بين الواقعية والتضخيم
من جانبه نبه أستاذ الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة البلقاء التطبيقية الأردنية، الدكتور منذر زيتون إلى ضرورة التوقف عند تسمية "قتل الشرف" أو القتل بداعي الشرف، التي يصر البعض على استخدامها مؤخرا.
وأضاف زيتون: "لا يخفى أن إصرار بعضهم على استخدام هذا المصطلح حديثا، ينطوي على توجه مقصود لإبراز ما تسميه المنظمات الدولية وأتباعها المحليين بالنظرة الظالمة تجاه المرأة والتحيز ضدها من قبل الرجل وسلطته المتحكمة، سعيا من تلك المنظمات الدولية لإحلال مفاهيم الحرية والمساواة للمرأة وفقا لرؤيتها المطلقة التي تدعو إليها".
وأبدى تحفظه على كثرة تناول هذا الموضوع على المستويين الوطني والعالمي وبشكل متكرر ولافت للنظر، بحيث تفرد له صفحات الجرائد، وبرامج التلفزيون، وكأنه المشكلة الوحيدة التي تواجه المجتمع، وكأن المرأة هي الوحيدة المظلومة في مجتمعاتنا العربية، ودول العالم الثالث، فيما الرجل يعيش بسعادة وهناء ودعة.
وتابع أستاذ الشريعة في حديثه لـ"عربي21": "فإذا كانت تلك الجرائم التي توصف بالشرف تقع بمعدل 15 جريمة سنويا في الأردن تزيد أو تنقص قليلا، فإن هناك جرائم ومصائب تقع بنسب وأعداد مضاعفة، ولا تجد لها ذلك الصدى، بل تواجه بصمت مريب".
واستحضر زيتون بعض الأمثلة بقوله: "فمثلا يُقتل في قناة الغور أكثر من 35 شخصا سنويا (بحسب تصريحات صحفية لأمين عام سلطة وادي الأردن) جراء السباحة في أماكن غير مؤهلة للسباحة بشكل مأمون، كما يُقتل في كل شتاء حوالي 50 شخصا جراء استخدام مدافئ الكاز والغاز بسبب الفقر والعوز، من غير أن نجد تحركات جادة من المنظمات المحلية والدولية".
وتساءل : "لماذا لا تنتفض تلك المنظمات إلا في موضوع جرائم
الشرف فقط؟"، لافتا إلى أن "مثل هذه الجرائم تقع في كل مكان في العالم حتى في دول العالم الذي يسمونه متقدما، كبريطانيا والتي زادت فيها جرائم الشرف عن 3000 جريمة سنويا (2823 حالة عام 2011 بحسب بي بي سي)".
وانتقد الأمين العام لجمعية العفاف الأردنية، منذر زيتون بشدة ما تقوم به بعض المنظمات من تناولها المكثف لهذه الجريمة بدعوى مناهضتها والتصدي لها، حتى غدا الأردن مضرب مثل لهذه الجريمة البشعة في المحافل الإقليمية والدولية.
وأوضح أن الإسلام لا يبيح الاعتداء على النساء والفتيات، بداعي الشرف وغيره، وأنه لا يعطي أية مشروعية لمثل هذا القتل، بل اعتبره تعديا وظلما، وقد نهى الله عن التعدي وقتل النفس بغير حق، والحق لا يثبته إلا القضاء المختص.
الشرع الإسلامي يحذر ويمنع
في السياق ذاته، أكدّ الداعية الإسلامي والباحث الشرعي، إحسان العتيبي أن "قتل المسلم بغير حق كبيرة عظيمة، وجريمة شنيعة قال الله عز وجل {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) النساء/93. وفي الصحيحين عن ابن عمر أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما".
ونقل العتيبي الحديث النبوي المبين للحالات المحددة التي يباح فيها قتل المسلم ألا وهو "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة"، والذي يتبين منه أن "زنى الثيب (المتزوج) من الأسباب المبيحة للقتل".
وبيّن أن إقامة حد القتل على الزاني الثيب، لا يكون إلا بعد ثبوته عليه بأربعة شهود رجال يقدمون شهادتهم بمشاهدة الفرج في الفرج، أو إقرار الزاني على نفسه بالزنا من غير إكراه.
وردا على سؤال "عربي21"، "ما حكم من يقوم بتنفيذ قتل الزاني المحصن من عامة الناس؟"، أفاد العتيبي بأنه "لا يجوز لآحاد الناس القيام بتنفيذ الحد الشرعي، بل هذا من مهام ولي الأمر أو من ينوب عنه، محذرا من الإقدام على قتل النساء والفتيات، بداعي الشرف أو دفاعا عنه، لما فيه من ارتكاب كبيرة عظيمة، واقتراف جريمة بشعة".