سياسة عربية

دفن صاحب "لغتنا الجميلة" حزينا.. دبي نعته والسيسي تجاهله

عشرات السياسيين والإعلاميين والأدباء والفنانين ينعون الشاعر الراحل فاروق شوشة- أرشيفية
نعى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، الشاعر المصري فاروق شوشة، صاحب البرنامج الشهير "لغتنا الجميلة"، الذي توفي الجمعة، ودُفن عصرها، عن عمر يناهز الثمانين عاما، في وقت تجاهل فيه رئيس الانقلاب، عبدالفتاح السيسي، نعيه، ولم يرسل مبعوثا لحضور جنازته، التي تغيب عن حضورها أيضا، وزير ثقافته، حلمي النمنم.

يأتي ذلك في وقت نعاه فيه عشرات السياسيين والإعلاميين والأدباء والفنانين، بمصر، والعالمين العربي والإسلامي، وكشف بعضهم أنه كان، قبل وفاته، لا يشكو من مرض معين، بل كان يشعر بالحزن والأسى، مما وصل إليه حال اللغة العربية، في ظل وضع ثقافي مترد، حسبما قالوا.

                                  

"سيد قطب" معلمه الأول

وعُرف الشاعر والإذاعي الراحل، بإثرائه اللغة العربية، بدواوينه الشعرية، وبرامجه الإذاعية، التي كرسها للتعريف بجمال اللغة العربية، وبلاغتها، وأقر بالفضل للمفكر والأديب الراحل سيد قطب، مشيرا إلى أنه درس له في السنة الأولى بكلية "دار العلوم"، عامي 1953، و1954، سورة البقرة، تحت عنوان "في ظلال القرآن".

وأضاف، في حوار سابق مع الإذاعي مفيد فوزي: "كان خفيض الصوت، ولديه رؤية جمالية، ويدرس لنا بطريقة سلسة.. أراد أن نتخيل القرآن شجرة ضخمة، نعيش في ظلها".

وتابع شوشة: "أتى إلينا عميد الكلية بسيد قطب لكي يجعل ثقافتنا الإسلامية في مستوي ثقافة الأزهريين، فكان يقول: أريد أن تعيشوا معي في ظلال القرآن، وهو ما أصبح عنوان 30 مجلدا، حيث أتم تفسيره في السجن".

                                 

دمياط تودعه دون مندوب للسيسي

وودعت محافظة دمياط، الشاعر الكبير، في جنازة مهيبة، عصر الجمعة، من مسجد "الهدي النبوي"، بقرية "الشعراء"، بحضور لفيف من القيادات التنفيذية والأمنية والشعبية بالمحافظة، وفي مقدمتهم المحافظ إسماعيل عبد الحميد، والناشط السياسي ممدوح حمزة، زوج ابنة شقيقة الشاعر الراحل، دون حضور أي مندوب عن الرئاسة في الجنازة.

وحضر في الجنازة عدد من كبار الشعراء والمفكرين، أبرزهم سمير الفيل ومحمد عبد المنعم وطارق الدراكسي وصلاح فضل ومحمود الربيعي. وشارك في الجنازة عدد من أشقاء الفقيد ونجلتاه وعدد كبير من أهالي قرية الشعراء، فيما تغيب حلمي  النمنم وزير الثقافة عن حضورها.

                              

وحاكم دبي ينعاه

ونعى حاكم دبي، الشاعر الراحل، قائلا: "فقدت اللغة العربية أحد عشاقها وأعمدتها وشعرائها.. رحم الله الشاعر والأديب الكبير فاروق شوشة، وأسكنه فسيح جناته".

وأضاف ابن راشد، في تغريدة عبر "تويتر": "فاروق شوشة ترأس جائزة اللغة العربية (مقرها دبي) منذ انطلاقتها، لم يكن شاعرا وأديبا فقط، بل شعلة من النشاط في خدمة لغتنا العربية الجميلة".

أدباء: مات حزينا لتردي أحوال "العربية"

وأكد عدد من الشعراء، من رفقاء درب الشاعر الراحل، بحسب صحيفة "الوطن"، السبت، أنه لم يكن يعاني من أي مرض، لكنه مات حزينا بسبب تردي أحوال الثقافة والمثقفين.

وقال الشاعر فاروق جويدة: "كان شوشة حريصا في أيامه الأخيرة على إتمام ما بدأه من مجلدات "لغتنا الجميلة"، وكان يحرص على عمله في مجمع اللغة العربية أشد الحرص، ولم يكن يعاني من أمراض على الإطلاق، لكنه كان متأذيا من الإحباط العام الذى أثقل كاهله، من الوضع الثقافي ووضع المثقفين عموما، وما وصل إليه حال اللغة العربية في ظل وضع ثقافي مترد، وربما تكون إصابته بهذا الإحباط سبب رحيله"، بحسب قوله.

وظهر "شوشة" صحفيا في حوار نادر قبل قرابة خمسة أعوام ليصف ثورة "25 يناير" قائلا: "أعتقد أن شباب الثورة هم الذين منحوا حماسهم للشعراء، وليس العكس.. الشباب هم الذين فجروا في وجدان الشعراء المعنى النبيل للشعر، وأعادوهم إلى حقيقة انتمائهم لهذه الأمة، ولهذا الشعب".

ووضع "شوشة" وصيته لإصلاح الوضع الراهن بأن النهوض "لن يأتي إلا بتعليم يخرج مثقفين جددا يستطيعون استكمال المسيرة بفكر جديد سوي، بعيد عن النفعية".

وشدد على ضرورة أن تصبح المدرسة مؤسسة ثقافية وتعليمية، وأنه بغير ذلك لن ننتج حياة ثقافية، وسيصبح المثقفون الجدد "ليسوا جادين وليسوا صرحاء، ولا يعبرون عن أنفسهم بصدق، ويمشون في المسيرة دون أن يكون لهم رأي حر، لا قوة لهم، ولا صوت مسموعا، ودوما في ذيل القائمة".

هكذا نعوه

ونعى العشرات من السياسيين والإعلاميين والأدباء والفنانين، في مصر والعالم العربي، وفاة الشاعر الراحل الكبير.

ونعاه مجمع اللغة العربية بالقاهرة، والداعية السعودي سلمان العودة، والكاتب الإماراتي حمد الحمادي، والكاتب والشاعر المصريان يوسف القعيد، ومحمد إبراهيم أبو سنة، ووزير الثقافة المصري السابق جابر عصفور.

ونعاه وزير الثقافة المصري، حلمي النمنم. وقال إنه "كان شاعرا كبيرا، ومعلما عظيما، وتربي على يديه ملايين المصريين والعرب، فـ"لغتنا الجميلة" لم يكن مجرد برنامج بل كان مدرسة، استقطب فيها طلابه ومحبيه للغة العربية ونصوصها الجميلة"، على حد قوله.

ونعاه أيضا، عباس بيضون، بجريدة السفير اللبنانية، السبت، في مقال بعنوان "فاروق شوشة.. رحيل المغني"، قال فيه إن شوشة كان: الرقة والدفء والحنان في عينيه وفي نبرته وفي كلامه، ثم هناك الأمانة للغة التي أرادها قضيته، والأمانة للأرض والوطن، مستطردا بأن "الشعر سيفتقد صوته الدافئ، وإلقاءه الغني، وسيفتقد شخصه الذي صيغ صوتا وملامح وكلاما على مقاس الشاعر".

ونعته النائبة المسيحية، مارغريت عازر، معربة عن حزنها الشديد لرحيل هذا الإذاعي القدير، والشاعر الكبير، الذي كان يعد علما من أعلام مصر، بحسب وصفها.

ونعاه الإعلامي عمرو الليثي. وقال، في بيان له، إن وفاته تمثل خسارة كبيرة للثقافة والإعلام والأدب، إذ إنه أسهم في إثراء الحياة الثقافية بمصر والوطن العربي.

من هو "فاروق شوشة"؟

ولد فاروق شوشة في عام 1936 بقرية الشعراء بدمياط، وأتم حفظ القرآن الكريم كاملا، وهو في عمر العشر سنوات، وحصل على ليسانس دار العلوم عام 1956، كما أنه حصل على بكالوريوس التربية بجامعة عين شمس.

وعمل بالإذاعة المصرية، وكان يقدم برنامج "لغتنا الجميلة" منذ عام 1967، عن اللغة والشعر، كما أنه قدم برنامج "أمسية ثقافية" بالتليفزيون المصري، منذ عام 1977، غير أن بريق الإعلام لم يشغله عن ولعه الشديد بعمله كعضو في لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، ورئيسا للجنة المؤلفين والملحنين.

وكان الشاعر الراحل عضوا في لجان تحكيم عدة عن الشعر والأدب، وفاز بجائزة الدولة التقديرية العام الماضي، كما أنه كان رئيسا للجنة النصوص بالإذاعة، وشارك في مهرجانات دولية عدة عن الشعر والأدب.

وحصل على جائزة الدولة في الشعر عام 1986، وجائزة كفافيس العالمية عام 1991، وجائزة محمد حسن الفقي عام 1994، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1997، كما أنه حصل على جائزة النيل، وهي الجائزة الأدبية الأرفع لأي شاعر مصري، عن عام 2016، قبل أن يحل موعد الرحيل بأشهر معدودة.

وكان شوشة عضوا في لجنة تطوير اللغة العربية التي أمر بتشكيلها حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد، قبل أن تصدر تقريرها القيم "العربية لغة حياة"، مشتملا على استراتيجية رائدة لتفعيل حضور العربية لدى الأجيال المعاصرة.

ونشر شوشة مجموعته الأولى "إلى مسافرة" عام 1966، ثم توالت إصداراته، فنشر 13 مجموعة شعرية كان آخرها خلال 2002، بعنوان "الجميلة تنزل إلى النهر"، إلى جانب سبعة مؤلفات في اللغة العربية والنقد، وكتب أيضا سيرة شعرية بعنوان "عذابات العمر الجميل".

ومن أكثر كتبه المتداولة "أحلى 20 قصيدة حب في الشعر العربي"، و"أحلى 20 قصيدة في الحب الإلهي"، وديوان "في انتظار ما لا يجيء" (1979)، و"يقول الدم العربي" (1988)، كما أنه قدم للأطفال ديوان "حبيبة والقمر" (1998).