أثار كتاب أصدره صحافيون استنادا إلى فحوى مقابلات أجروها مع الرئيس فرنسوا
هولاند، صدمة حقيقية في
فرنسا قبل ستة أشهر من الانتخابات الرئاسية، وطغت أصداؤه على أول مناظرة تلفزيونية جرت بين المرشحين للانتخابات التمهيدية في صفوف المعارضة اليمينية.
وإزاء موجة الاحتجاجات التي أثارتها تصريحاته للصحافيين في الأوساط القضائية، أعرب هولاند في رسالة الجمعة عن "أسفه العميق" للكلام الذي صدر عنه، مؤكدا أنه "لا يمت بصلة إلى حقيقة آرائه".
وفي الكتاب المعنون بـ"الرئيس لا يجدر أن يقول ذلك" الصادر الخميس، ينتقد فرنسوا هولاند القضاء الذي يصفه بأنه "مؤسسة من الجبناء"، كما أنه يحكم على لاعبي منتخب فرنسا لكرة القدم بأنهم بحاجة إلى "تدريب عضلات أدمغتهم"، ويكشف أنه أجاز لأجهزة الاستخبارات الخارجية تنفيذ أربع عمليات اغتيال على الأقل.
وترددت أصداء موجة الاستنكار التي قابلت تصريحات الرئيس الاشتراكي، حتى داخل المناظرة التي جرت مساء الخميس، في سياق الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح اليمين للرئاسة، والتي خرج منها آلان جوبيه معززا حظوظه، بحسب استطلاعين للرأي.
وتابع 5.6 مليون مشاهد، المناظرة التي تصدرت كل البرامج التلفزيونية الأخرى من حيث حجم المتابعة، وقد وصل العدد إلى ذروة قدرها 6.5 مليون مشاهد.
وإن كان المرشحون السبعة المتنافسون لتمثيل اليمين في الانتخابات الرئاسية، وبينهم امرأة واحدة، سعوا لإبراز التباينات في ما بينهم، إلا أنهم وقفوا جبهة واحدة في وجه الرئيس الاشتراكي المنتهية ولايته.
وقال المنافس الأبرز للمرشح الأوفر حظا لليمين، الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، مستشهدا بأوصاف أطلقها هولاند على فئات من الفرنسيين: "الفقراء، فاقدو الأسنان، والرياضيون، معدمو الدماغ، والقضاة، جبناء"، ليضيف: "أتساءل: إلى أين سيمضي فرنسوا هولاند في تلطيخ المنصب الرئاسي وتدميره؟".
ورأى آلان جوبيه خلال المناظرة، أن الرئيس "أخل بشكل خطير بواجبات منصبه وأثبت مرة جديدة أنه ليس بمستوى مهامه".
وكان الوزير السابق ورئيس بلدية مدينة بوردو (جنوب غرب البلاد) الذي يحظى بشعبية بين اليمين المعتدل والوسط وحتى قسم من اليسار، شدد مساء الخميس على أن الانتخابات التمهيدية اليمينية تبقى "مفتوحة" أمام "المحبطين من حكم هولاند".
صدمة هزت الغالبية
وهزت الصدمة الناجمة عن الكتاب حول فرنسوا هولاند، الغالبية التي باتت تتساءل في العلن عن التبعات التي قد تكون كارثية، وصولا إلى التشكيك حتى في "إرادة" الرئيس الترشح لولاية ثانية.
وهذه الأزمة الجديدة في اليسار تزيد بشكل كبير في أهمية الانتخابات التمهيدية اليمينية التي تجرى في 20 و27 تشرين الثاني/ نوفمبر، إذ تشير التوقعات إلى أن الفائز فيها لديه حظوظ كبيرة في الوصول إلى الرئاسة في ربيع 2017، بعد جولة ثانية يخوضها على الأرجح ضد مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن، بحسب ما تشير إليه استطلاعات الرأي.
وأفاد استطلاعان للرأي بأن جوبيه (71 عاما)، المتقدم على ساركوزي (61 عاما) الذي يقدم نفسه على أنه مرشح "الشعب" ضد "النخب"، اعتبر مقنعا أكثر من منافسيه خلال المناظرة التي اتسمت بانضباط شديد ولم تشهد أي لحظة لافتة.
وصب المرشحون انتقاداتهم بشكل رئيس على ساركوزي الذي تولى الرئاسة بين 2007 و2012، في حين عمدوا إلى مراعاة جوبيه نسبيا.
وانتقدوا موضوع الهوية الذي جعله ساركوزي محوريا في حملته الأقرب إلى أقصى اليمين، معتبرين أنه لا يشكل أولوية بالنسبة للفرنسيين.
وبقي ساركوزي ملتزما بخطه الساعي إلى تجيير أصوات قسم من اليمين المتطرف، فتحدث عن "مشكلة الإسلام السياسي" و"تراجع مكانة فرنسا".
في المقابل، تحدث آلان جوبيه الذي يطرح نفسه شخصية تجمع الفرنسيين، عن "الأمل"، مبديا قناعته بأن "فرنسا ستعود من جديد بلدا عظيما يحلو العيش فيه"، في حين يعاني هذا البلد من نسبة بطالة مرتفعة (10%) وطالته اعتداءات جهادية عدة منذ 2015، أسفرت عن 238 قتيلا.
ماذا قال عن سوريا؟
وفي ما يتعلق بالسياسة الخارجية، ولا سيما في سوريا، فيقول هولاند إن "فرنسا تفعل كل ما تستطيع من أجل إنقاذ
حلب. قدّمنا مشروع قانون أمام مجلس الأمن لوقف إطلاق النار. ولكن
روسيا استخدمت، وحيدة، حق النقض (الفيتو)".
وأضاف: "لن نتخلى عن حلب، وسنواصل ضغوطنا الشديدة حتى تتحقق الهدنة في الأيام القريبة المقبلة، وحتى تصل المساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين، ثم انخراط كل الأطراف المعنية في مفاوضات. ولكن يبقى الشرط الأول هو وقف الغارات".
ويلفت إلى أن "فرنسا لم تقبل، أبدا، أن يقوم ديكتاتور بضرب شعبه بالأسلحة الكيماوية. ويظل شهر آب/أغسطس 2013، لحظة أساسية من تاريخ هذا الصراع. فرنسا كانت، حينها، جاهزة، لضرب النظام السوري، الذي كان قد اجتاز الخط الأحمر بسبب لجوئه لاستخدام أسلحة حرمتها جميع المعاهدات الدولية، بينما تخلى شركاؤنا عن هذه الضربة. فارتسمت، حينها، طريق جديدة استخدمها النظام السوري للبحث عن دعم لدى حليفه الروسي، كما استخدمها تنظيم الدولة لضرب المعارضة المعتدلة".
وأوضح هولاند في كتابه أن "هذه الإشارة نظر إليها باعتبارها ضعفا لدى المجتمع الدولي. وهي التي سببت أزمة أوكرانيا، والضم غير القانوني لجزيرة القرم، وهي أيضا وراء ما يحدث في سوريا في هذه الأثناء".
وبالنسبة إليه فإن "ولاية (الرئيس الأمريكي) باراك
أوباما تقترب من نهايتها، ومن غير الراجح أن تتغير الأمور من الآن إلى نهاية السنة. ولهذا السبب قررت فرنسا اتخاذ جميع المبادرات الضرورية لتحمل مسؤولياتها باعتبارها عضوا دائما في مجلس الأمن".
في المقابل، لا يتحدث الرئيس الفرنسي عن "خذلان" الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لفرنسا، بل إن الرئيس الأمريكي، من وجهة نظر هولاند، "أراد أن يكون وفيّا لوعوده الانتخابية بعدم توريط الولايات المتحدة في مسرح عمليات خارجية. ولكن طائرات بشار الأسد، اليوم، وبدعم من الروس، هي التي تدمر حلب. وتحت القنابل، يتواجد، بالتأكيد، أصوليون، ولكن يتواجد، أيضا، نساء وأطفال وشيوخ، لا يستطيعون النجاة". ويخلص إلى القول إن "حلب، اليوم، تحد للمجتمع الدولي. فإما أن تكون شرفه أو فضيحته".
وعلى الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، فقد عرض المرشحون المتنافسون برامج متشابهة لم تتضمن أي جديد، قوامها خفض النفقات العامة وخفض الضرائب وإحداث صدمة تنافسية، والحد من نفوذ النقابات.
واغتنم اليسار المناسبة ليسخر على شبكات التواصل الاجتماعي من "اليمين العجوز" منتقدا الأفكار المطروحة في المناظرة.
ومن المقرر إجراء مناظرتين أخريين في 3 و17 تشرين الثاني/ نوفمبر، قبل مناظرة ثالثة بين المرشحين الأبرزين في 24 منه.