تسبب الهبوط الحاد للجنيه الإسترليني أمام سلة
العملات العالمية في تهديد صناعات كبرى في دول أوروبية.
حيث ارتفعت تكاليف التشغيل بدرجة كبيرة، ما يدفع صاحب شركة "بيل دين" لصناعة البسكويت الاسكتلندي من نوع "شورت بريد" إلى الاضطرار لرفع الأسعار لموازنة حساباته.
ويوظف دين 150 عاملا في مصنعه بمقاطعة ابردينشاير الريفية في الشمال الشرقي وقد اضطر لتجميد خطة لاستثمار ثلاثة ملايين جنيه استرليني (3.7 مليون دولار) ويقول إنه قد يضطر في نهاية الأمر لتقليص حجم نشاطه وعدد العاملين لديه إذا واصلت التكاليف ارتفاعها.
ويستورد المشروع الذي بدأ في مطبخ والدة دين في السبعينيات المكونات الرئيسية لهذا البسكويت الاسكتلندي التقليدي وهي الزبد والدقيق والسكر.
لكن مبيعات الشركة في الخارج تبلغ ثمانية في المئة فقط ولذلك فإن ضعف الجنيه الإسترليني لم يجلب معه فوائد تذكر بل كان سببا للمشاكل.
خسائر الإسترليني
هبط الجنيه الإسترليني بنسبة 17 في المئة مقابل كل من الدولار واليورو منذ اختار البريطانيون الانفصال عن الاتحاد الأوروبي في 23 يونيو حزيران الماضي ليفتحوا الباب أمام إنهاء
تعاملات مستقرة على مدى أكثر من 40 عاما مع أوروبا.
وتزامن هذا الهبوط مع مشكلة أخرى عملت على تآكل ربحية المصنع في مدينة هنتلي مقر نشاطه.
فقد ارتفعت أسعار الزبد الذي يدخل بكميات كبيرة في صناعة الكعك بنسبة 75 في المئة منذ الاستفتاء لا لضعف العملة البريطانية فحسب بل بسبب تقلب أسعار الحليب في أسواق السلع الأولية الأوروبية.
وقال دين: "بعد فترة من ارتفاع التكاليف ونزيف السيولة من أجل الاستمرار يتآكل هامش الربح وتهوي أرباحك".
وتابع "ما من شركة تستطيع تحمل هذه الزيادات في الأسعار لأي فترة من الوقت، سنصبح أمام نموذج أعمال أصغر حجما بعدد أقل من الناس إذا استمر هذا الاتجاه للتكاليف في السنوات المقبلة".
ارتفاع الأسعار
وربما يؤدي الانفصال عن الاتحاد الأوروبي إلى رفع الأسعار للمستهلكين البريطانيين بعد أن ألقى بالفعل بظلال من الشك على فرص العمل.
فقد أعلنت شركة نيسان اليابانية العملاقة أنها قد تلغي الاستثمارات المحتملة في أكبر مصنع للسيارات في بريطانيا ما لم تعوضها الحكومة عن أي قيود ضريبية جديدة قد يفرضها الاتحاد الأوروبي بعد انفصال بريطانيا عنه.
ومع ذلك فإن بعض الشركات التي تعمل في بريطانيا ستستفيد من انخفاض الجنيه الذي يزيد قدرة صادراتها على المنافسة ما دامت ستحتفظ بالإعفاءات من رسوم دخول السوق الأوروبية الموحدة.
وقد ارتفع مؤشر فايننشال تايمز 100 الذي يضم أكبر الشركات المدرجة في بورصة لندن بنسبة 20 في المئة منذ يوم الاستفتاء ليصل إلى مستويات شبه قياسية، وعموما تحصل هذه الشركات على معظم دخلها من الخارج ولذلك فإن انخفاض العملة يرفع أرباحها.
شركات تصمد
وعلى مسافة قصيرة من مدينة أبرلور تصدر شركة عائلية أكبر من شركة دين 40 في المئة من مبيعاتها من البسكويت التقليدي والكعك المصنوع من الشوفان. وقد بلغت مبيعاتها 137 مليون جنيه عام 2013 ما ساعدها على تحمل هبوط الإسترليني.
لكن صاحبها جيم ووكر لديه أيضا مثل الشركة الأصغر مخاوف إضافية تتمثل في الاحتفاظ بالعدد الكبير من العاملين الأجانب لديه. فمع انخفاض الجنيه الإسترليني لأدنى مستوى منذ خمس سنوات مقابل اليورو ربما يجد بعض العاملين من الاتحاد الأوروبي أن العمل بالجنيه الإسترليني أقل إغراء بالإضافة إلى الشكوك القائمة بالفعل فيما إذا كان بوسعهم البقاء في بريطانيا بعد الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.
ويعمل بشركات المواد الغذائية حوالي 110 آلاف وافد من دول أخرى في الاتحاد الأوروبي أي نحو 30 في المائة من إجمالي العاملين في هذه الصناعة غير أن رئيسة الوزراء تيريزا ماي وعدت بفرض قيود على الهجرة من دول الاتحاد بعد انفصال بريطانيا.
الأيدي العاملة
ومن الصعب إيجاد أيد عاملة في هذا الموقع الريفي الذي يبعد أربع ساعات بالسيارة عن ادنبره عاصمة اسكتلندا وألف كيلومتر إلى الشمال من لندن كما أن تدريب العاملين مرتفع التكلفة.
وقال ووكر: "الأجانب سيعودون لبلادهم إذا استمرت المشاعر السلبية في هذا البلد تجاههم"، وأضاف أن الأجانب "يمثلون نحو 300 أو 400 من بين 1700 يعملون لدينا وقد كانوا من أركان هذه الشركة. كثير من شركات تصنيع الغذاء في هذا الجزء من العالم بصفة خاصة حيث عدد السكان صغير يعتمد عليهم اعتمادا كبيرا".
كما تشعر الشركات بالقلق من جراء التصريحات الأخيرة لرئيسة الوزراء ماي والتي أقنعت بعض المستثمرين بأن من الممكن أن ينتهي الحال ببريطانيا دون الامتيازات التفضيلية التي تمكن سلعها من دخول السوق الأوروبية الموحدة من خلال الحد من الهجرة.
وتابع: "لأن جانبا كبيرا من إنتاج ووكر يلقى رواجا في الخارج فهو يصف السوق الموحدة بأنها أساسية لنشاطه ويأمل أن يسود "المنطق السليم".
ويقول "بريطانيا زبون أكبر كثيرا لبقية أوروبا مما هي مورد لها ولذلك فإن عضوية السوق الموحدة في صالحهم بقدر ما هي في صالحنا".