يمثل حادث الاعتداء على السفينة
الإماراتية "سويفت" بالقرب من باب المندب، أحد التحولات الخطيرة في مسار الحرب الدائرة في
اليمن.
هذا الاستهداف ليس جزءا من عمليات متصلة للمتمردين في جنوب البحر الأحمر، فلطالما تحدثوا وسوقوا أكاذيب حول استهداف سفن حربية تابعة للسعودية والتحالف ولم يصح منها شيء.
هذا الحادث في تقديري جاء في سياق عملية مخططة بإحكام، وانطوت على هدف واضح هو الاستهداف المباشر للإمارات، ولدورها اللافت والمطلق الصلاحيات في الحرب الدائرة باليمن.
فقد سبق وأن صرح المتحدث باسم المتمردين
الحوثيين محمد عبد السلام، عشية وقوع حادث الاعتداء على سفينة الإغاثة "سويفت" متهماً الإمارات بأنها "تدير عملية الانفصال بشكل سافر وواضح وتشرف عسكريا على الجنوب وتحتل عددا من الجزر اليمنية".
حديثه بشأن انفصال الجنوب يمثل ضرباً من المزايدة، ولا يعكس الترتيبات التي أنجزها الحوثيون تحت إشراف إيران مع الفصائل الحراكية الانفصالية الموالية لإيران أيضاً، التي باركت حرب الانقلابيين في الجنوب، على أمل أن يجري تسليمها إدارة هذه المحافظات بعد التخلص من القوى الإسلامية المنتمية إلى التيار السلفي وللتجمع اليمني للإصلاح.
وعليه فإن استهداف المصالح الإماراتية في اليمن، ربما يرتبط بتحول ما في موقف الإمارات وترتيباتها في جنوب اليمن، الذي تفرض عليه سيطرة عسكرية وسياسية كبيرة، وسط معلومات ومؤشرات كانت قد عززت من الاعتقاد بأن مخطط انفصال الجنوب ربما كان أحد أهداف التدخل الإماراتي.
خطة إيذاء الإمارات تُدار من طهران، وهذا ما يفسر السجال الذي نراه اليوم بين المسؤولين في كل من طهران وأبو ظبي على خلفية هذا الحادث، لكن الذين يقومون بتنفيذ هذه الخطة في اليمن، ليسوا هم الحوثيين بل المخلوع صالح الذي لا يزال يضع يده حتى اللحظة على ترسانة الأسلحة التي كانت بحوزة الجيش السابق للبلاد.
فالهجوم بصاروخ "التوشكا" الذي استهدف جنوداً إماراتيين في مأرب في أيلول/ سبتمبر من العام المنصرم، أطلقته وحدات تابعة للحرس الجمهوري المنحل الموالية للمخلوع صالح، وهي التي لا تزال تطلق الصواريخ البالستية، باتجاه مأرب وباتجاه السعودية أيضا، وهي التي أطلقت الصاروخ على السفينة الإماراتية.
منذ دخول التحالف العربي إلى عدن، بدا واضحا التعايش والتكامل بين مشروعي التحالف، ممثلاً في الإمارات، والانقلابيين المدعومين من إيران، حيث نفذت خطة تصفية شاملة لكل من كان له علاقة بالمقاومة الوحدوية، ما اضطر رموز هذه المقاومة وسياسيين وبرلمانيين، وكل من له صلة بأجندة استعادة الدولة والحفاظ على الوحدة، إلى مغادرة عدن وعدم العودة إليها حتى اليوم.
بعض القريبين من دوائر التأثير تحدثوا عن تحول في الموقف الإماراتي والذي بدأ يشعر بخيبة الأمل حيال التعاطي مع المكونات الجنوبية التي تتجاذبها أطراف خارجية عدة وأهداف متباينة، وهو الأمر الذي أدى ربما إلى تجميد خطة الترتيب للانفصال، مع بقاء أهداف القضاء على الإسلاميين إحدى أهم الأولويات الإماراتية في المحافظات الجنوبية، وهي أولويات تحظى بتغطية كبيرة من الأمريكيين وإن كانت أولويات هؤلاء الأخيرين مرتبطة أكثر بمحاربة أعداء واشنطن التقليديين: "القاعدة" و"داعش".
كان يفترض أن يطرأ تحولٌ في طبيعة العمليات العسكرية للتحالف في جنوب البحر الأحمر، وكنا نتوقع أن يسرع التحالف من خطة تحرير محافظة تعز أو ساحلها الغربي، ولكن حتى اللحظة لا توجد مؤشرات ميدانية تبرهن على وجود تحرك كهذا.
ليس بوسع المراقب أن يثق بأن خطة معاقبة المتمردين عن حادث الاعتداء على السفينة الإماراتية، جاهزة لدى الإمارات أو لدى التحالف بشكل عام، وإلا لكان إيقاع المعارك ارتفع قليلاً في مختلف الجبهات، ولكان الانقلابيون اليوم يبحثون عن ملاذ آمن بعيداً عن الساحل الغربي للبلاد.
ليس هناك شك بأن الإمارات تكبدت خسائر هائلة بشرية ومادية جراء تدخلها في اليمن، ولكن المؤسف حقاً أن هذه الكلفة تتم بين يدي مشرع يكتنفه الغموض وبعض أهدافه سيئة ويصطدم مع إرادة اليمنيين.
نأمل في أن تكلل الإمارات تدخلها في اليمن بإنجازات تتفق على الأقل مع الأجندة المعلنة لتدخل التحالف العربي، حينها ستكون ومعها بقية دول التحالف قد تركوا اليمن بلدا معافى، يمكن أن يشكل العمق البشري والاستراتيجي لبلدان الخليج التي تتهددها المخاطر من كل الاتجاهات.